العدد 1798 - الأربعاء 08 أغسطس 2007م الموافق 24 رجب 1428هـ

الشعر وأمير الشعراء

اتخذت قناة أبوظبي خطا مختلفا عن غيرها من القنوات العربية، وقررت الاهتمام بالشعر العربي، فكان برنامج «أمير الشعراء» تعبيرا عن هذا الاهتمام. وعلى رغم أن خطوة قناة أبو ظبي هذه موفّقة وجديرة بالاحترام، غير أن ما يؤخذ على هذا البرنامج هو اسمه. فلقب أمير الشعراء ليس لقبا عاديا وسهلا، لأنه يفترض بحامله أن يكون أفضل شاعر بين معاصريه، في حين أن الذين يتقدمون إلى هذا البرنامج جُلّهم من الهواة والمبتدئين ومن الباحثين عن بقعة ضوء يقفون فيها. وبالتالي، فإن إعطاء أحد هؤلاء لقب أمير الشعراء يمثل مخالفة للواقع وإهانة للشعر وللشعراء العرب، خصوصا أن هناك في هذه الأمة اليوم شعراء كبارا أمثال أدونيس، ومحمود درويش، وسميح القاسم، ومظفر النواب وغيرهم، ومن غير المنطق أن يمنح لقب أمير الشعراء العرب إلى شاعر مبتدئ، ويتم تجاهل تلك القامات الشعرية العربية الكبيرة. ولا شك أن المتلقي العربي بات بحاجة إلى برامج هادفة ومسلية مثل هذا البرنامج ولاسيما بعد أن كثرت الفضائيات الهابطة التي تبث الغناء والطرب والشذوذ على مدار الساعة، واختفت من معظم الفضائيات العربية البرامج المفيدة. وقد كان الأجدر بقناة أبو ظبي أن تسمي هذا البرنامج «مسابقة أفضل شاعر» أو من قبيل ذلك، لا أن تسميه «أمير الشعراء». والواقع أن لقب أمير الشعراء هو لقب مستحدث، وقد أطلق لأول مرة في التاريخ العربي على الشاعر المصري أحمد شوقي، وذلك عندما تداعى الشعراء والأدباء من مشارق الأقطار العربية ومغاربها إلى تكريم هذا الشاعر المبدع ومبايعته بأمرة الشعر العام 1927. وقد أنشد الشاعر المصري الشهير حافظ إبراهيم عينيته التي يقول فيها:

أمير القوافي قد أتيت مبايعا

وهذي وفود الشرق قد بايعت معي

لكن لقب أمير الشعراء لم يحمله شاعر عربي قبل ذلك. وقد كان العرب قبل الإسلام يفتخرون بقرض الشعر وكانت لهم عشرة أسواق يجتمعون بها في تجاراتهم، ويجتمع فيها سائر الناس، ويأمنون فيها على دمائهم وأموالهم، ويتبارون فيها بقرض الشعر. وكانت سوق عكاظ بأعلى نجد، أشهر هذه الأسواق، وكانت تقوم في شهر ذي القعدة، وتنزلها قريش وسائر العرب، وبها كانت مفاخرة العرب في الشعر. والشاعر الذي كان يلقى إعجاب الحاضرين كانت قصيدته تكتب بماء الذهب وتعلق على جدران الكعبة. وقد تم تعليق سبع قصائد على هذه الجدران لشعراء هم: إمرؤ القيس، وزهير بن ابي سلمى، وطرفة بن العبد، وعنترة بن شداد، والحارث بن حلّزة، وعمرو بن كلثوم التغلبي، ولبيد بن ربيعة. وعندما جاء الإسلام ونزل القرآن عربيا على النبي محمد /عليه الصلاة والسلام/ لم يصمد شعر الشعراء أمام عظمة النصر القرآني، فتراجع اهتمام العرب بالشعر وما ساهم في هذا التراجع هو أن القرآن ذمَّ الشعراء في الآيات التي تقول :«والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم ترَ أنهم في كلّ وادٍ يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون» (الشعراء:224 و225 و226)، واختفت مسابقات الشعر، وبدأ العرب يتسابقون في حفظ القرآن. ولكن، وعلى رغم هذا الذم الواضح في القرآن للشعراء، فإن هؤلاء لم ينتهوا من هذه الأمة، بل استمروا في الوجود، وبرز في العصر الأموي شعراء مبرِّزون أشهرهم الثنائي الفرزدق وجرير، والكميت بن زيد الأسدي، والأخطل. وفي العصر العباسي ظهر شعراء كبار أبرزهم، أبو تمام، والبحتري، وأبو الطيب المتنبي، والشريف الرضي، لكن أيا من هؤلاء الشعراء لم ينصب أميرا للشعر، بل ظل هذا المنصب شاغرا، مع أنهم يستحقون كلهم هذا اللقب. وقد كان شعر هؤلاء الينبوع الصافي الذي رفد العربية بالمفردات الجزلة والمعاني العميقة والبيان الساحر. وهؤلاء يعيشون معنا الآن، وسيظلون يعيشون في ضمير ووجدان هذه الأمة إلى ما لا نهاية. وقطعا أن الشعر الحقيقي يفرض نفسه وهو ليس بحاجة إلى لجنة تحكيم لتقدّر ما إذا كان جيدا أم رديئا كما هو الحال في برنامج «أمير الشعراء». أما أن يتم التحكيم في الموهبة، فهذا أمر لم يألفه الإبداع في هذه الأمة ولا في سواها من أمم الأرض، والمبدع يأنف من المتحكمين في إبداعه، وأما المتسلِّقون على حلبات الإبداع، فهؤلاء يستجدون التحكيم ليمنحهم شيئا لا يستحقونه.

محمد خليفة *

كاتب من الإمارات

العدد 1798 - الأربعاء 08 أغسطس 2007م الموافق 24 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً