العدد 1805 - الأربعاء 15 أغسطس 2007م الموافق 01 شعبان 1428هـ

«أوراق طه حسين ومراسلاته»... حفاوة بثائر يراهن على الحرية

تشير «أوراق طه حسين ومراسلاته» إلى ما كان يتمتع به الرجل الذي لقب بـ «عميد الأدب العربي» من مكانة وسط أبناء جيله في مصر خصوصا والعالم العربي عموما، إضافة إلى آرائه الاجتماعية والسياسية وإيمانه المطلق بالحرية.

ففي محاضرة ألقاها بكلية العلوم بجامعة القاهرة في 23 ديسمبر/ كانون الأول 1941 شدد على أن الحرية هي الأساس للدراسة العلمية وأنه لا يتصور التعليم الجامعي «إلا أنه يقوم على الحرية في العلم والرأي والاختلاف إلى الدرس»، مشيرا إلى أنه في بداية العام الدراسي يقول لتلاميذه إنهم أحرار في أن يحضروا محاضراته أو يتخلفوا عنها.

وأضاف أن الأستاذ الجامعي حر في اختيار موضوع الدرس وأن الجامعة لا تمتاز إلا بأنها لا تحب السكون والركود وأنه يشعر بالضيق إذا كلف طالبا ببحث ثم وجده صدى لبعض كتبه. وقال: «لا أحترم الطالب الذي يحرص على أن يكون صورة طبق الأصل من الأستاذ، وأبغض ورقة تقدم إلي هي التي تكون مطابقة لما قلته في الدروس».

ويغطي الجزء الثاني من «أوراق طه حسين ومراسلاته» الفترة بين عامي 1941 و1972 وصدر عن وحدة البحوث الوثائقية بدار الكتب المصرية ويقع في 484 صفحة من القطع الكبير وأشرف عليه وقدم له محمد صابر عرب وأحمد زكريا الشلق. وكان الجزء الاول صدر العام 2005.

وسرد المشرفان في المقدمة الوظائف التي تولاها طه حسين منذ كان عميدا لكلية الآداب بجامعة القاهرة فانتقاله العام 1939 ليعمل مراقبا للثقافة بوزارة المعارف ثم كان أول مدير لجامعة الإسكندرية وانتهاء برئاسة مَجْمَع اللغة العربية العام 1963.

ويحظى طه حسين (1889-1973) بمكانة مرموقة في الفكر العربي باعتباره أنموذجا للمفكر الموسوعي الذي يؤمن بأن له دورا اجتماعيا يتجاوز حدود المنهج الدراسي وأسوار الجامعة فهو الذي أطلق صيحة «التعليم كالماء والهواء» حين كان وزيرا للمعارف (التعليم) في مصر (1950-1952).

وقال المشرفان عن الكتاب إن «طه حسين اتخذ سلسلة تشريعات ذات طابع ديمقراطي راديكالي كان أهمها تقرير أهمية التعليم الابتدائي والثانوي والفني وقد أراد الوزير أن تمتد المجانية لتشمل التعليم الجامعي والعالي عموما، لكن الملك فاروق تدخل وأوقف ذلك الاندفاع الحثيث نحو توفير التعليم العالي لأبناء الشعب».

وكان طه حسين في مصيف بإيطاليا حين قامت ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 التي أنهت حكم فاروق من دون إراقة قطرة دماء. وغادر الملك البلاد بعد ثلاثة أيام.

وقال المشرفان إن طه حسين حين سمع بما قام به ضباط الجيش من الإطاحة بالملك «هتف في انفعال: إنها ليست حركة جيش. إنها ثورة... وكان أول من نعتها بهذا الاسم الذي صار علما عليها».

وتضمّن الكتاب رسالتين ترجعان إلى العام 1953 من أول رئيس مصري بعد الثورة اللواء محمد نجيب يخاطبه فيهما بالقول: «حضرة الدكتور طه حسين» ويبلغه في الأولى موافقة مجلس الوزراء على اختياره عضوا بلجنة التعليم وفي الثانية بتعيينه عضوا باللجنة التي ستضع مشروع الدستور الجديد.

وكان طه حسين أول من حصل على درجة دكتوراه منحته إياها الجامعة المصرية العام 1914 قبل أن يذهب إلى فرنسا وينال درجة الدكتوراه العام 1918 عن مؤسس علم الاجتماع عبدالرحمن بن خلدون من جامعة السوربون. ثم تولى تدريس التاريخ والأدب بالجامعة المصرية منذ العام 1919 إلى أن عيّن عميدا لكلية الآداب العام 1930.

وتعرض العميد للمساءلة في العشرينات بعد نشر كتابه «في الشعر الجاهلي» إذ وجهت إليه - بسبب فِقرات ناقش فيها الحقيقة التاريخية لبعض الأنبياء - تهمة تمس عقيدته الدينية، ولكن النيابة حفظت التحقيق.

ومن كتبه «الأيام» وهي سيرة ذاتية في ثلاثة أجزاء و «على هامش السيرة» و «المعذبون في الأرض» و «الفتنة الكبرى» في جزءين هما «عثمان» و «علي وبنوه» و «قادة الفكر» و «من حديث الشعر والنثر» و «دعاء الكروان» و «مستقبل الثقافة في مصر».

وتكشف الرسائل نمط التخاطب بين المثقفين وكذلك ما كانت تمنحه الألقاب لصاحبها من صيغ محددة في التخاطب معه. فمحمد فريد أبوحديد يبدأ رسالته قائلا: «سيدي الأستاذ الجليل» ثم يخاطبه في متن الرسالة «وليسمح لي سيدي ساحر الأدباء» أما المؤرخ الأمير عمر طوسون (1872-1944) حفيد محمد سعيد ابن محمد علي الملقب بمؤسس مصر الحديثة فيخاطبه في عدد من الرسائل قائلا: «حضرة صاحب العزة الأستاذ الكبير الدكتور طه حسين بك» كما يخاطبه خليل مطران «حضرة صاحب السعادة» في رسالة تضمنت قصيدة في مدحه العام 1944 بمناسبة إهدائه «الوسام الذهبي اللبناني» كما أرسل إليه الشاعر اللبناني جورج جرداق العام 1948 رسالة عبارة عن قصيدة من نحو 70 بيتا «مهداة إلى أديب الشرق العظيم طه حسين».

ولا تقتصر الحفاوة بالعميد على الأدباء وحدهم إذ يتضمن الكتاب رسالة من ديوان رئيس الجمهورية التونسية بتاريخ 16 سبتمبر/ أيلول 1957 يشار فيها إلى أن «فخامة الرئيس (الحبيب بورقيبة) الذي استقبلكم في حفاوة الأخ لأخيه قد قام بواجبه نحوكم على الخدمات الفكرية الحميدة التي نالت تونس منها نصيبها بصفتها أمة عربية متحمسة إلى اعتناق كل نهضة تظهر على أيدي الفكر العربي. وأن الشعب التونسي قد اعتبر إقامتكم بين ظهرانيه حلما لذيذا تحقق، لكنه انتهى بسرعة وترك في نفسه أجمل الذكريات الخالدة التي نأمل أن تتجدد».

كما تلقي بعض الرسائل أضواء على تطور علاقة العميد وبين كاتبيها. وأبرز الأمثلة هي رسائل الكاتب والناشر اللبناني سهيل إدريس عبر أكثر من عشر سنوات وتبدأ العام 1945 وهو في العشرين تقريبا حين أرسل إلى العميد بصفته «المدير الثقافي بقسم النشر في دار الكاتب المصري» وسأل إن كان بالإمكان نشر رواية ترجمها حديثا عن الفرنسية هي «مولن الكبير» لمؤلفها آلان فورنيه وطلب أن يذكر على الغلاف أنها «مترجمة ببعض التصرف. أما إذا كنتم حريصين على دقة الترجمة والتقيد بالأصول تقيدا شديدا وكان ذلك من شروط النشر فأرجوكم أن تخبروني بذلك».

ولكن الكتاب لا يتضمن رد العميد على إدريس الذي كان «بانتظار ورود جوابكم الكريم وبرفقته شروط النشر وموجباته وحقوقه».

والرسالة الثانية من إدريس ترجع إلى العام 1954 ويبلغه فيها أن هيئة المحاضرات العامة في كلية المقاصد الإسلامية التابعة إلى جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت نظمت سلسلة من المحاضرات شارك فيها قسطنطين زريق من بيروت والشاعرة نازك الملائكة من العراق وأحمد السمان من سورية. ثم يوجه إليه الدعوة بصفته «أمين سر الهيئة» لإلقاء محاضرة أدبية في موضوع «لمن نكتب... للنخبة أم للجمهور؟».

وسيكون خطاب إدريس في رسائلَ لاحقة بادئا بالقول: «سيدي الصديق الكبير الدكتور طه» كما في رسالة ترجع إلى العام 1955 بعد أن أصبح إدريس صاحب مجلة «الآداب» وفيها يخبره أن العدد الجديد من المجلة سيصدر بعد أسبوع «ويصلك بالطائرة فور صدوره... أيها الصديق الكبير... واسلم للأدب العربي عميدا ورائدا».

وفي 7 يونيو/ حزيران 1956 يحذف إدريس كلمة «سيدي» ويخاطب العميد قائلا: «صديقي الأديب الكبير» ويرجوه أن ينفذ وعدا سابقا بأن ينقد أحد أعداد مجلة «الآداب» في باب شهري «وها أنذا أرجو إليكم أن تحققوا هذا الوعد بأن تتفضلوا بنقد العدد السابع من المجلة وهو يصدر في أواخر هذا الشهر وسيصلكم في أول فرصة ممكنة... ملاحظة... تقدم المجلة لسيادتكم تعويضا رمزيا عن كتابة هذا المقال هو عشرة جنيهات مصرية».

في العام التالي سيحذف إدريس الذي أصبح ناشرا كلمة «صديقي» ويستبدل بها «أخي الأديب الكبير» ويطلب أن يوافيه العميد بكتاب لم يسبق نشره «وفي هذا التشجيع المطلوب لدار الآداب الناشئة التي تعتز بصداقة أديب كبير كالدكتور طه حسين».

العدد 1805 - الأربعاء 15 أغسطس 2007م الموافق 01 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً