العدد 1805 - الأربعاء 15 أغسطس 2007م الموافق 01 شعبان 1428هـ

أفلام التخويف فاشلة وبعيدة عن سينما الرعب

مدرسة هتشكوك واقعية ومنطقية

كثيرا ما تعرض شاشات السينما في البحرين تلك الأفلام التي تصنف في لائحة «الرعب». إلا أن معظم أشرطة هذه المجموعة تكون تافهة ولا معنى لها سوى تخويف المشاهد.

أفكار الرعب أو الخوف أو الحذر أو الخشية وغيرها هي في النهاية ناتجة عن علاقات الناس وتجد جذورها في الحياة الاجتماعية وما تمثله من تعقيدات ومفارقات وغرائب. فالأفكار صحيحة وليست مختلقة وهي في مجملها تمثل شطرا من حياة البشر واندفاع الناس نحو التصادم في زوايا حادة تسفر أحيانا عن تجاوزات لا أخلاقية تفتقد للوازع الإنساني.

هذا النوع من الرعب نجح بعض المخرجين العباقرة من أمثال الفرد هتشكوك في تحويله إلى نمط سينمائي متطور في سرده الواقعي للعلاقات من دون افتعال.

وبسبب هذا الجيل المتقدم في رؤيته السينمائية شكلت أفلام هتشكوك جاذبية للجمهور الذي تعامل معها بموضوعية نظرا لنجاحها في ترسيم تلك الخطوط الفاصلة بين الرعب والتخويف.

خلال فترة هتشكوك وما بعده انتشرت ظاهرة أفلام الرعب ولكنها انحرفت عن الواقعية وجادة الصواب وتحولت إلى نمط يتعمد التخويف من دون مبرر عقلاني. وبسبب عدم التقاط الفارق بين الرعب في مظاهره الإنسانية وعلاقاته الاجتماعية الاعتيادية وبين اللجؤ إلى التخويف المتعمد بالغ بعض المخرجين الفاشلين إلى تغطية ضعفهم في التصوير أو ضعفهم في السرد الدرامي إلى اختلاق مشاهد غير مألوفة بغية الإثارة وتوليد حال الفزع عند المشاهدين. الآن تعرض في صالات بحرينية كثيرة سلسلة أفلام تدّعي الإنتماء إلى نمط أشرطة الرعب ولكنها كلها تعتبر من النوع الفاشل لأنها تفتعل مشاهد هي أقرب إلى التخويف.

فيلم إجازة (vacancy) الذي يعرض الآن في صالة الدانة هو مثال على هذا النمط. فالشريط ساذج ولا قيمة له على رغم أنه بدأ بداية جميلة حين نقل المشاهد إلى منطقة جبلية وعرة الطرقات والمسالك. فالتصوير بدأ واقعيا لأنه يتحدث عن رجل وأمرأة يتوجهان لقضاء إجازة هادئة بعد خلاف نشب بينهما. الزوج يقود السيارة والزوجة نائمة وفجأة تصطدم بحيوان بري يقطع الطريق. السيارة تصاب بخلل بسيط والزوجة تستيقظ لتكتشف نفسها في منطقة مهجورة وبعيدة عن الطريق العام.

الزوجة تسأل لماذا انحرفت عن الخط العام الواضح في مسالكه. والزوج يجيب أنه أحب التغيير وسلوك طريق صعب ولكنه قصير ويصل إلى المنطقة المقصودة.

الدافع هو حب التغيير والبحث عن مغامرة بسيطة تكسر الروتين الزوجي. وهكذا يستمر الزوج في قيادة السيارة معتمدا خريطة طريق ولكنه يكتشف أن احتمال الخطأ في تقدير الاتجاهات ومعرفة الدروب ربما يكون قد حصل.

حتى الآن لا مشكلة. فالفكرة بسيطة ويمكن البناء عليها أكثر من قصة. إلا أن المخرج أراد الإنحراف عن الواقعية وإدخال المشاهد في إثارة مفتعلة لا تدل على الذكاء.

يستكمل الزوج قيادة السيارة على حذر في منطقة متشعبة ووعرة ويبدأ البحث عن محطة وقود لعلها تساعده إصلاح الخلل وتصحيح وجهة السير. وبعد جهد يصل الزوجان إلى محطة وقود شبه مقفلة في منطقة نائية. ومن هذه اللقطة ينحرف الفيلم عن مجراه. فالعامل في المحطة يدعي إصلاح الخلل ويرشد الزوجين إلى الطريق الصحيح الذي يتبين بعدها أنه خطأ مقصود. يعود الزوجان سيرا على الاقدام إلى المحطة لقضاء الليلة في النزل (موتيل) للراحة ثم البدء في الصباح بإجراء الاتصالات بشركة صيانة لإصلاح السيارة.

حتى الآن لا مشكلة. فالمشاهد الليلية مخيفة ولكنها واقعية. المحطة شبه مهجورة كذلك النزل وصاحبه غريب في تصرفاته وكلها مشاهد منطقية ومعقولة ومقبولة. حتى حين يدخل الزوجان غرفة الفندق ويكتشفان برودتها وأوساخها وأنهما خدعا تبدو المشاهد عادية.

مشكلة الفيلم تبدأ من نقطة قوته. فالمخرج أدخل المشاهد في مفارقة عجيبة كان بإمكانه استخدامها بأسلوب ذكي إلا أنه ابتعد عن الرعب واتجه نحو نمط التخويف المفتعل الذي يضر ولا يفيد السيناريو.

نقطة القوة كانت حين اكتشف الزوجان أن الغرفة مراقبة بالكاميرات التي تسجل تحركاتهما. واكتشفا ايضا أن اشرطة الفيديو الموجودة في الغرفة تسجل حوادث قتل وقعت في الغرفة نفسها. وأن صاحب الفندق سبق له أن سجل مشاهد قتل لنزلاء في الغرفة نفسها. الفكرة قوية وكان بإمكان المخرج أن يبني عليها قصة رعب حقيقية يمكن أن تحصل في حالات شاذة من عمر الإنسان. ولكنه فعل العكس إذ ترك نقطة القوة هذه لينزلق في متاهات غير مألوفة تتعمد التخويف وتتقصد الإثارة على رغم أن الفكرة كانت قوية في رمزيتها (الرعب الإنساني) وليست بحاجة إلى تلك الافتعالات والانفعالات البعيدة عن الواقعية والمنطق.

هذا النوع من الأشرطة السينمائية ساهم في إفشال مدرسة احترفت إنتاج أفلام الرعب وبرع بعض المخرجين في تطويرها والإبداع في تسجيلها في مشاهد رائعة لا تنتسى. أفلام هتشكوك لا تزال حتى الآن سارية المفعول في تأثيراتها الرمزية لأنها بكل بساطة اعتمدت الرعب الواقعي والمنطقي والسردي المفهوم والمعقول وابتعدت قدر الإمكان عن افتعال مشاهد تتوخى الإثارة وتستهدف تخويف الجمهور.

مدرسة هتشكوك يبدو أنها بلغت القمة في أيامه بدليل أن كل المخرجين الذين تأثروا به فشلوا في إكمال منهجه. وبسبب عدم القدرة على النجاح في تقليد نمط هتشكوك انتقل الكثير من هذا الرعيل إلى ابتكار وسائل تثير الاشمئزاز والقرف وتتعمد التخويف المصطنع وتبتعد عن الخوف بصفته يمثل حالة إنسانية ناتجة عن علاقات رعب طبيعية واجتماعية.

العدد 1805 - الأربعاء 15 أغسطس 2007م الموافق 01 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً