العدد 1819 - الأربعاء 29 أغسطس 2007م الموافق 15 شعبان 1428هـ

البحـث عــــن المعنـــى...

صدور العدد الثاني في «سيميائيات» جامعة وهران

يمضي العدد الثاني من المجلة الدورية «سيميائيات» الصادرة عن مختبر السيميائيات وتحليل الخطابات بجامعة وهران في طريقه الشاق للبحث في مجهول السيميائيات، والتنقيب عن آفاقها المعرفية كما ترتسم في عقول من يحيرهم سؤال المعنى، وهو يتقفى آثار العلامات وظلال المعنى على هدي ما استجد من اجتهاد في عالم السيميائيات. لقد لقي العدد الأول من مجلة «سيميائيات» بعض القبول الحسن من أشياع الانتصار لكل ما هو جميل في المعرفة، وبعض الرضا من قبل كثير من الباحثين في مجال الدرس السيميائيين من العجم والعرب، الأمر الذي شجعنا على المضي في هذا المشروع من أجل الدفع بالمعرفة السيميائية لكي تتحدث بلسان عربي مبين.

يقف عبد الملك مرتاض على بعض مفاهيم السيميائيات أو بالأحرى الأسلوبيات ليضعها في مختبر المصطلحات البلاغية، أما محمد ناصر العجيمي فهو يتحرى موقع السيميائيات من مناهج البحث الحديث، ولعل الوقوف على المرتكزات الإبستيمية للسيميائيات سبيل ينشده السالكون إلى فهم مبهمات هذا العلم على نحو ما يتقصده أحمد يوسف، ولما كانت نظرية العلامات تهتم بالأنساق الدلالية فكثيرا ما التبس أمرها على المناطقة من وجهة والدلاليات من وجهة أخرى؛ ولهذا يحاول أن يفحص ابن مسعود العربي العلاقة بين السيميائيات والدلاليات من منظور منطقي. ومهما يكن من جهد بعض السيميائيين في الحفاظ على علمية السيميائيات بتحصين أسوارها أمام كل من يروم أن يفتح إشكالات «المعنى المتعدد» فإن التأويل ظل يطرق بابها حتى ولجه من غير ممانعة، وناله من دون مصاولة ثلة من الباحثين باتجاهاتهم المتباينة ومشاربهم المختلفة.

لقد ركزت مقاربة محمد الداهي على موضوع «العمل» الذي شغل بال بعض السيميائيين انطلاقا من تحديد الأدوار العاملية، وأنماط الوجود السيميائي في البرامج الحكائية، وحاول أن يصطنع إجراء يسلمه إلى فقه الخطاب ودلالاته. وفي خضم مدارسة فقه الخطاب عاينت قوتال فضيلة مفهوم غريماس للتشاكل، وتجليه في الاستعارة ليغدو حقلا خصبا حازعلى اهتمامات السيميائيات المحايثة؛ وهي ترغب في الإحاطة العلمية بالنص من وجهة وبالمعنى من وجهة أخرى. ويعضده في هذا المسعى بحث عبد الفتاح يوسف الذي وقف على الوظيفة السيميائية للاستعارة بوصفها نسقا معرفيا يعيد تشكيل خطاب «شعر المعارضات» ضمن نسق ثقافي عام. وليس بالأمر البعيد أن يبحث محمد خرماش عن إشكال التأويل وآلياته من منظور الاشتغال السيميائي على العلاقة القائمة بين النص وفعل القراءة. وضمن هذا المسعى تأتي ترجمة محمد البكري لمقدمة س/ز لرولان بارت لكي تضع بين يدي القارئ نصا أوليا هو مسيس الحاجة إليه لكي تتوطن المعرفة السيميائية وطرائق تحليل النصوص في ثقافتنا العربية؛ ولا سبيل إلى تحقيق هذا المبتغى من دون فضيلة الترجمة التي تحظى بالمكانة المرموقة في مجلة «سيميائيات».

لم يكن التنوع الحاصل في تطبيقات المنهج السيميائي ضمن حقول العلوم الإنسانية إلا امتدادا عريقا يعبر عن تلك الوشائج المتبادلة بين النسقين اللساني وغير اللساني. وهو ما جعل النفاذ إلى النصوص البصرية أمرا ممكنا؛ بعد أن تفتقت العلامة عن مكنونها الباطني، وباتت تستدعي حملها على أكثر من مستوى إجرائي يتطلبه محمول النص. وفي هذا العدد كان للشعر حضوره إن في مقاربة عبد الفتاح يوسف السالفة الذكر وإن في دراسة اسطمبول ناصر التي تدرس العلاقة بين الصوت والصورة، وتبحث عن الحوارية التي تقدمها صيغ الأجناس في الخطاب الشعري المعاصر، وإن في دراسة أحمد الجوة التي أراد لها أن تختبر التشاكل السيميائي القائم بين المقدس الديني والمدنس الشعري كما هي مطروحة في قصيدة «واد النمل». للشاعر جمال الصليعي.

وفي إطار الدرس السيميائي للنص البصري ترجم عبد القادر فهيم الشيباني دراسة «جوزيف كورتاس» عن الرسم الحكائي انطلاقا من لوحة «الباست العجيب» لبنجامين رابيي. وتشتغل وافية بن مسعود على أنموذج بصري ممثلا في الشريط المرسوم بآليات المنهج السردي. ثم وقف المصطفى عمراني على الأنساق اللسانية وغير اللسانية في عملية التواصل من منظور سيميائي. وفي باب المراجعات يقدم أنور المرتجي قراءة وصفية لكتاب «سيميائيات الكلام الروائي» لمحمد الداهي.

تأتي البحوث باللغات الأجنبية لتسهم في تعزيز روافد الدراسات السيميائية في الثقافة الإنسانية، ولتعبر عن عزم مجلة «سيميائيات» على ضرورة توكيد إنسانية المعرفة، وعالميتها من دون الإحساس بأننا في جزر معزولة، ولا حظ لنا في الحوار المثمر مع أسباب إنتاج هذه المعرفة، ومن هنا تطرح مقاربة الباحث الإيطالي «أندري غاربوغليا» إشكال المعنى في علاقته بنظرية التواصل من خلال إسهامات «لويس كرول» اللسانية وتطبيقاته على كتاب «مغامرات أليس في بلاد العجائب» بعد أن غدا كتابا للكبار؛ إذ لم يعد حكرا على الكبار فقط. وتحلل الباحثة البرازيلية «ماريا تريزا سترونغولي» لوحة إشهارية عرضت على الرأي العام لمدينة «ساو باولو» بالبرازيل، واللوحة تستعطف المشاهد بغرض الإحسان إلى المحرومين الجائعين؛ بيد أن الخطاب الإشهاري يتوسل التأثير في المتلقي انطلاقا من علامات الجسد الأنثوي. وفي ذلك تضليل مقصود لدلالات (الجوع والفقر). أما الباحثة الجزائرية بهية أوهيبي غاسول فإنها تبحث في العلاقة بين الإيقونة والنص بحثا سيميائيا لدلالات الصورة وملفوظ النص. وفي الأخير يقدم عرضا لكتاب إيرو تراستي الموسوم بالموسيقا والعلامات، وهو يتناول سيميائيات الموسيقا مستعينا بآليات «غريماس و»بورس» حينا وإجراءات فينومينوجية حينا آخر ليبرز دور السيميائيات في مدارسة الدلالات السيميائية للموسيقا ومكوناتها المحايثة بوصفها نسقا دالا مفتوحا على رحاب الثقافة والحضارة.

العدد 1819 - الأربعاء 29 أغسطس 2007م الموافق 15 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً