العدد 1822 - السبت 01 سبتمبر 2007م الموافق 18 شعبان 1428هـ

البلوغرز... سلطة في «المجتمع المعر في»

محمود اليوسف: لا يجوز تطبيق قانون العقوبات على أصحاب المدونات الإلكترونية

البلوغرز... وهي المدونات الشخصية على شبكة الإنترنت - وفق ما هو مشاع باللغة العربية - أخذت في الانتشار بشكل سريع وأصبح لها متابعون في مختلف أنحاء العالم، ويرى المهتمون بهذا الجانب أن خلق المحتوى من خلال المستخدم أحد أبرز الأسباب التي ساهمت في الانتشار الكبير للبلوغرز بشكل كبير، وأصبحت سلطة في «المجتمع المعرفي». «الوسط السياسي» التقى الأب الروحي للبلوغرز في البحرين محمود اليوسف في منتدى مع محرري الصحيفة.

وسط استقطاب البلوغرز شريحة واسعة من القراء، بدأ البعض يتحدث عن أنها باتت تهدد عالم الصحافة، وهو ما حمل ببعض الصحف العالمية إلى أن تضيف البلوغرز إلى قائمة أولوياتها.

المد التكنولوجي الذي أوجده مجتمع المعرفة كان دافعا لاستقطاب الكثير من شباب العالم لأن تكون لهم مدونات خاصة بهم يعبرون فيها عن وجهات نظرهم بحرية على رغم المنغصات من هنا وهناك التي تفرضها بعض التشريعات المسلطة على حرية الرأي والتعبير.

عربيا، لم يكن شباب الوطن العربي ببعيدين عن الثورات التقنية على الشبكة العنكبوتية، كما أنهم تأثروا أسوة بأقرانهم في الدول المقتدمة بتفشي ظاهرة البلوغر، وراحوا يستفيدون منه في واقعهم المعاش في بلدانهم، فقد قاد البلوغرزمعارك كلامية وإعلامية على صفحات مدوناتهم في الإنترنت لكشف انتهاكات العدوان الاسرائيلي بحق اللبنانيين، وفي الوقت ذاته بدأ الناشطون على الإنترنت في استخدام البريد الإلكتروني للتعبير عن مواقفهم، ونشر الصور التي تظهر حجم الدمار الذي لحق بالبشر والحجر في لبنان، عبر استخدام برنامج «الباوربوينت».

على الصعيد المحلي، استقطبت المدونات الإلكترونية اهتمامات الشباب البحريني، كما أنها جذبت بعض الصحافيين وكتاب الأعمدة وخصوصا الشباب منهم لتكون لهم مدوناتهم الخاصة بهم إلى جانب كتاباتهم في الصحافة المحلية.

ويعد محمود اليوسف أشهر المدونين البحرينيين من خلال موقعه «mahmood.tv»، وصاحب حملة «بس بحريني» التي أطلقها في فترة الانتخابات الماضية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 تحت شعار «لا شيعي ولا سني بس بحريني». وقد استضافته «الوسط» الشهر الماضي في ندوة تحدث فيها عن واقع البلوغرزفي البحرين وعلاقة ذلك بـ «مجتمع المعرفة»، وقد تطرقت الندوة إلى عدة محاور أهمها كيفية تعامل البلوغرزمع القيود الرسمية والتشريعات الخانقة للحريات، وفلسلفة الحملات التي يدخلون فيها، وطبيعة الكيانات التي تربط بين البلوغر.

خاض اليوسف غمار عالم مجموعات الانترنت للمرة الأولى في العام 1986 حين أصدر نظما للوحات الإعلانية «القطط الضائعة»، والتي كانت الأولى في أنظمة اللوحات الإعلانية في المنطقة، وكانت هذه النظم قد سبقت انتشار شبكة الإنترنت، ولم تتوقف عن الانتشار منذ ذلك الحين، من خلال خلق الكثير من المواقع الإلكترونية والمدوّنات، التي شكّلت منبرا للمساعدة على التقارب على المستويين المحلي والدولي.

البدايات كانت صعبة، وكان المال العائق الأساسي، فقد كان اليوسف يعتمد بشكل أساسي على راتب زوجته الذي تحصل عليه نظير عملها في إحدى وكالات الأنباء في البحرين، وذلك لدفع فواتير الهاتف التي يستخدم الانترنت من خلاله.

مطلع التسعينات وتحديدا مع حرب الكويت، كانت القوات الأميركية تلاقي صعوبة في نقل رسائل أهالي الجنود من الطرف الآخر من الكرة الأرضية في الولايات المتحدة الأميركية إلى أبنائهم في وسط الخليج، يقول اليوسف: «طلبت مني القوات الأميركية المساعدة في هذه المهمة»، وأضاف «كنت أتلقى رسائل أهالي الجنود المرسلة من أميركا عبر الإنترنت وأطبعها ثم أنقلها إلى القوات الأميركية في البحرين، كنت أقوم بهذه المهمة في وقت لم يكن الإنترنت قد انتشر في البحرين بشكل كبير».

«التجربة خير برهان»... مقولة استفاد منها اليوسف كثيرا في بداياته، فقد كان دخوله إلى عالم المدونات «البلوغر» من «باب التجربة ليس إلا»، على حد قوله، ويضيف « قمت بنشر أحد الموضوعات على الإنترنت وتفاجأت بردود من القراء عليه، فكان ذلك الدافع للاستمرار في الكتابة».

تساؤلات كثيرة حارت في أذهان الحاضرين، كيف انتشرت المدونات ولماذا؟... يعتبر اليوسف أن أحد الأسباب التي أسهمت في انتشار البلوغرزهو أن هذه المواقع تكون شخصية للتعبير عن الرأي وكل بحسب اهتماماته، كما أنها لا تقتصر على منطقة جغرافية معينة. فضلا عن ذلك فإن اهتمامات البلوغرزلا تقتصر على القضايا السياسية، فبعضها يهتم بقضايا أخرى بعيدا عن السياسية، كما أن الحكومة بدأت تعرف أن المدونيين هم أشخاص عاديون يريدون التنفيس عن أنفسهم، كما يقول اليوسف.

الأعداد ضخمة، فبحسب اليوسف كان عدد البلوغرزحتى يونيو/ حزيران 2006 نحو 55 مليون بلوغر حول العالم، وهذا العدد يتضاعف كل 6 شهور، وتوقع اليوسف أن يكون قد وصل العدد حاليا إلى 100 مليون بلوغر. وبخصوص «البلوغرزالعرب» ذكر اليوسف أن عددهم ليس بالقليل، وقال: «في البحرين من أعرفهم يصل عددهم إلى 180 بلوغر على أقل تقدير، وهناك الآلاف من طلاب المدارس الذين يدخلون هذا المجال كهواة ثم يتركونه بعد فترة بسيطة (...) وفي إيران وحدها هناك أكثر من مليون بلوغر».

اللغة الإنجليزية هي اللغة الدارجة بين مستخدمي غالبية البلوغرز، وفي سؤال عما إذ ستحقق البلوغرزنجاحا لو كانت تستخدم اللغة العربية، يقول اليوسف: «لا أعتقد ذلك، لأن لغتي العربية ليست قوية، وحتى لو كانت قوية، فإن البلوغرزباللغة العربية يختلف تماما عن اللغة الإنجليزية سواء من ناحية المضمون أو من ناحية القراء، وقد أنشأت قبل فترة بلوغر باللغة العربية وتفاجأت بأن القراء يركزون على السب والشتم بشكل مستمر، ولكن باللغة الإنجليزية هناك اختلاف كبير، فالبلوغرزالإنجليزي يستقطب النخب المجتمعية بشكل أكبر، وفي المقابل لا أستطيع أن أنكر أن هناك بلوغر يستخدم اللغة العربية على مستوى جيد في البحرين، مثل بلوغر الخزاعي على سبيل المثال».

مصادر أخبار اليوسف هي الصحف بالدرجة الأولى، كما أنه يعتبر صحيفة «الوسط» أحد مصادر أخباره، ويشير هنا إلى أن ما يدونه في موقعه هو عبارة عن رأي عن حوادث حصلت ونشرتها الصحافة المحلية.

وبكل فخر يقول اليوسف: «السلطة الرابعة هي الصحافة، والبلوغرزينظرون إلى أنفسهم أنهم السلطة الخامسة، إذ إنهم يرون أنفسهم بأنهم رقباء على عمل الصحافة من خلال إبداء الآراء عما ينشر في الصحافة والتعليق عليه في مدوناتهم الإلكترونية، وهنا لابد من الإشارة إلى معظم البلوغرزلم يلتحقوا بالجامعات من أجل تعلم الصحافة وتقصي الحقائق، وما يكتبونه هو نتيجة خبرة، كما أنهم يستهدفون إعطاء وجهة نظر لما يحصل». كما يرى اليوسف أن المدونات قادرة على طرح قضايا لا تستطيع الصحافة طرحها.

ويبدد اليوسف المخاوف التي تظهر بين حين لآخر بأن المدونات «البلوغر» في طريقها لسرقة الأضواء من الصحافة، إذ يقول: «الكتابة بدأت من خلال الصحافة، وعندما ظهر الراديو كوسيلة إعلامية مهمة برزت مخاوف من أن تختفي الصحف، غير أن ظهور الراديو أثرى الصحافة (...) البلوغرزمنذ بدأ في التسعينات أو الثمانيات لم يكن يستهدف إقصاء وسائل الإعلام الأخرى، ونحن لا نعتبر أنفسنا بأننا أعداء للصحافة أو التلفزيون أو الراديو، ولابد من الأخذ بعين الاعتبار أن البلوغرزيجمع بين طياته مختلف الأنماط الإعلامية كالصور والفيديو والنص، ونحن نعترف بوجود تنافس بين الوسائل الإعلامية ولكن ليس بحال إقصائية».

وفي تقرير صادر عن الأمم المتحدة في مايو/ أيار الماضي، قالت مديرة مكتب نيويورك لمنظمة «مراسلون بلا حدود» - التي تتخذ من باريس مقرا لها - تالا دولت شاهي إن النقاش الدائر حاليا بين بعض ممثلي وسائل الإعلام والمشرعين حول ما إذا كان أصحاب المدونات الإلكترونية (البلوغر) من الصحافيين أم لا «مضيعة للوقت». وأضافت «آن الأوان لأن نطرح جانبا هذا الجدل العقيم المقارن بين الصحافيين والبلوغر، وأن نقر بأنهم موجودون هناك يكافحون في الكثير من الدول جنبا إلى جنب دفاعا عن حرية التعبير».

وأشارت إلى أن «الإنترنت سببت تغييرات رئيسية في دول لا تسمح بحرية التعبير عن الرأي، ويمكن لكتاب البلوغرزأن يشكلوا عنصرا حيويا في البيئات القمعية التي تعيش فيها وسائل الإعلام في ظل خوف دائم من القيادة السياسية»، ولفتت إلى أن «الكشف عن قيام مراكز الاعتقال المصرية بممارسة التعذيب جاء على يد أحد أصحاب المدونات الإلكترونية (البلوغر) المصريين».

وقالت المسئولة في منظمة مراسلين بلا حدود إن الصين هي أسوأ مكان للمعارضين المعربين عن آرائهم عبر الشبكة العنكبوتية، إلا أن هناك دولا أخرى لا تختلف عنها كثيرا من هذه الناحية بينها فيتنام وسورية وتونس وليبيا وإيران.

«تجريم حرية الرأي والتعبير»، لم يظفر بها الصحافيون عن سواهم، فرواد شبكة الإنترنت كان لهم نصيب في ذلك، ففي شهر مايو الماضي رفع وزير شئون البلديات والزراعة منصور بن رجب دعوى ضد البلوغرزمحمود اليوسف بتهمة القذف والسب والشتم والازدراء بشخصية الوزير، وقد جاء ذلك إثر انتقاد اليوسف في مدونته تصرفات الوزير بن رجب وقال إنه رفع عن كاهل وزارة شئون البلديات «مسئولية الأضرار التي لحقت بمنازل بعض المواطنين جراء الأمطار الغزيرة التي تعرضت لها البلاد».

فيما علقت المحامية فاطمة الحواج وكيلة اليوسف بالقول إن «المقال الذي كتبه اليوسف مكتوب باللغة الإنجليزية»، موضحة أن «الترجمة الحرفية هنا ستدخلنا في متاهة حقيقية»، وبحسب الحواج فقد كان اليوسف يواجه احتمال السجن أو الغرامة بحسب التهم الموجهة إليه وهي السب والقذف بحق موظف عام.

في غضون ذلك، حشّدت جمعية الصحافيين البحرينية لدعم اليوسف، وأكدت أنها في تبنيها لقضية البلوغرزالبحريني محمود اليوسف راعت الإلتزامات والسياقات القانونية للنشر الإلكتروني، معتبرة حرية التعبير في «المدونات» جزءا لا يتجزأ من حرية الكلمة والتعليق وفق ما تقتضيه أدبيات ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين 2002 وآخذة في الاعتبار تبني المؤسسات الدولية لحرية الصحافة الكثير من القضايا المتعلقة بالمدونات والنشر الإلكتروني.

وفي وقت لاحق، أسدل الستار على القضية بتنازل الوزيرعنها، وذلك عقب لقاء مصالحة بين الوزير واليوسف بحضور محاميته الحواج. وتضمنت شروط المصالحة تعهدا من البلوغرزاليوسف بحذف البيانات المسيئة من مدونته على شبكة الإنترنت، على أن يقوم الوزير بسحب الدعوى من القضاء.

«هل أثرت التسوية مع وزير شئون البلديات والزراعة على شعبية موقعك على شبكة الإنترنت؟»، يجيب اليوسف على سؤال «الوسط» بالقول «لا تغيير في ذلك، ما حصل أني أصبحت أكثر حذرا بعدم استخدام بعض الألفاظ، خصوصا أن القضية التي رفعها الوزير هي نتيجة سوء ترجمة لبعض المفردات من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية».

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 أقدمت وزارة الإعلام على حجب مدونة اليوسف، وجاء ذلك إثر نشره مقابلة مع إحدى الشخصيات المتورطة في التقرير المثير للجدل، وأعيدت بعد حملة وطنية ودولية من قبل «المدونين»،. وكان قرار حجب مدونة اليوسف مترافقا مع حزمة قرارات في تلك الفترة بحجب مواقع إلكترونية أخرى، أهمها موقع «الديمقراطي» « aldemokrati.org « الناطق باسم جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد).

«لا أحد يعرف القانون الذي يتوجب تطبيقه على البلوغر»، يقول اليوسف تعليقا على مشكلة التضييق على حرية التعبير عبر الإنترنت ومحاولات جرجرة البلوغرزإلى المحاكم، ويضيف «هناك محاولات لمعاقبتنا وفق بنود قانون (47) لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر وكذلك وفق قانون العقوبات، والمشكلة أن قانون الصحافة يعتبر النشر جريمة».

وفيما يعبر عن امتعاضه من ذلك، يقول اليوسف «لا يجوز تطبيق قانون العقوبات على البلوغر، ويجب أن يقتصر الأمر على المرافعات المدنية أسوة بالدول الديمقراطية».

ويقر اليوسف بوجود الرقابة الذاتية بين القائمين على المدونات الإلكترونية، ويقول «رفقاء المهنة يكونون بمثابة الرقابة على باقي البلوغر، وفي حال روج أحدهم فكرة خاطئة فإن رفقاء المهنة يفضحونه».

المدونة أصبحت لصيقة بحياة اليوسف، إذ يقضي ساعات طويلة في تصفح موقعه الخاص، وعن ذلك يقول: «جهاز الحاسب الآلي مفتوح بشكل مستمر، وفي حال كنت في المكتب فإني أقضي وقتا طويلا في الكتابة والقراءة، ويوميا استغرق بحدود 13 ساعة يوميا للعمل في موقعي الخاص».

ولا ينكر اليوسف بأن ارتباطه بالمدونات الإلكترونية له تأثير على حياته العائلية، ولكنه يتدارك ذلك بالقول «البلوغرزأثرى حياتي الخاصة، كما أنه يثري الوقت وينمي الموهبة وينمي الإداراك، لا أنكر أن له تأثير على حياتي العائلية، ولكن في المقابل أجد أن أبنائي يعلمون عني أكثر لأني أكتب في المدون، ويناقشون معي ما أنشر ويقرأون كما أنهم يمتلكون بلوغر خاص بهم».

ولا يخفي اليوسف أن عالم البلوغرزاقتصاديا يمكن أن يكون ناجحا، إذ يستشهد ببعض البلوغرزفي الولايات المتحدة الأميركية الذين يدرون الكثير من الأموال، وبعضهم يحصل 300 ألف دولار شهريا، وذلك بالطبع نتيجة العائد الإعلاني في حال كان عدد القراء كبيرا.

«محاولات لمّ الشمل» لم تكن غائبة عن اليوسف، فقد سعى إلى تأسيس جمعية ينضوي تحتها البلوغرزفي البحرين غير أن تلك المحاولات لم يكتب لها أن ترى النور، ويقول: «حاولنا تشكيل جمعية للبلوغر، ولكن لم يكن هناك تشجيع لها، خصوصا أن كل بلوغر يختلف عن الآخر، وما يجمع بيننا هو أننا نكتب جميعا على شبكة الإنترنت، تكلمت مع باقي البلوغرز واعتذروا أنهم غير معروفين».

ويرى اليوسف أن الفرق بين البلوغرزوالمنتديات شاسع، ويوضح أن «المنتديات يمكن تشبيهها بسفينة بعشرين ألف ربان لا تعلم إلى أين تسير، وهي تختلف عن البلوغر، وأعتقد أن البلوغرزهي مرحلة متقدمة من المنتديات، كما أنها ستكون الجيل المقبل في الإنترنت، وذلك من خلال فتح المجال أمام عالم ديمقراطي جديد لجميع البشر».

العدد 1822 - السبت 01 سبتمبر 2007م الموافق 18 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً