العدد 1847 - الأربعاء 26 سبتمبر 2007م الموافق 14 رمضان 1428هـ

السلطة والصلاحية

- السلطة التي تحقق الأعمال من خلال أشخاص ليست لديهم صلاحية تسمى «متسلطة» (Authoritarian).

-السلطة (Power) لديها وسائل كثيرة وكبيرة في العادة لتمشية الأمور بحسب ما تقرره. وأهم خصائص السلطة أن لديها القدرة على المكافأة والعقاب. فأي سلطة لا تستطيع أن تكافئ أو تعاقب ليست فعالة وتنتهي عندما يرفض الآخرون الانصياع لها.

- والسلطة تتوفر ليس في الدول فقط وإنما في العائلة والعمل والحركة والجمعية والفرق الرياضية وفي كل مكان يعتمد على علاقات اجتماعية لإنجاز المهمات. فالطفل الذي يعصي أو يطيع والديه إنما يتعامل معهما بقدر ما لديهما من سلطة توجيهية مصحوبة بالمكافأة والعقاب.

- الأطفال (في حال العائلة) لا يطيعون الأب أو الأم خوفا من العقاب وطمعا في المكافأة في كل الأوقات، ولكن هناك عامل آخر: اعتقاد الطفل بصحة ما يقوله له الأب أو ألام، و«اعتقاد» الطفل أن الأب والأم لهما «الحق» أن يستلما زمام السلطة.

- أفراد المجتمع يؤمنون بضرورة وجود السلطة لكي لا تتعطل الحياة، «لابد للناس من إمام بر أو فاجر». وإذا لم توجد سلطة فإن الحياة تتعطل وجميع أمور المجتمع تتوقف.

- تعتمد السلطة (عادة السلطة المتسلطة) في المجتمع على قوات الأمن والجيش لفرض القرارات إذا استدعى الأمر ذلك. غير أن هناك أضرارا بعيدة المدى ترجع على الذين يستخدمون قوات الأمن والعسكر بصورة دائمة ومستمرة لفرض قرارات السلطة.

- إذا كانت السلطة مرفوضة من المجتمع وترفض باستمرار الرجوع إلى الشعب لأخذ الإذن والموافقة والحصول على رضا غالبية أفراد المجتمع، فإن السلطة تصبح غير شرعية ومتسلطة. والتسلط يعتمد بصورة أساسية على القهر المستمر الذي يكلف المسئولين الكثير وهم يسعون لفرض سيطرتهم.

- جميع السلطات تحتاج إلى لقدرة والسعة لاستخدام القوة والعنف. ولكن السلطة التي تعجز عن الحصول على احترام المجتمع وحبه وإيمانه بشرعيتها، فإن عليها أن تستمر إلى النهاية بالاعتماد على «القوة» و«العنف» لكي تبقى في موقع القيادة.

- الصلاحية (Authority): الصلاحية تعني قدرة الإنسان على تحقيق الأعمال من خلال الآخرين الذين يؤمنون «بشرعية» موقعه ويوافقون عليه. الصلاحية ترتبط بصورة مباشرة باحترام الآخرين الذين يعطون «الشرعية» للمسئول.

- الصلاحية تعطي للإنسان ثلاثة أسباب. السبب الأول هو العادات والتقاليد. فأفراد المجتمع قد يحترمون شخصا ما ويعطونه الصلاحية لأنه يمثل جانب العادات والتقاليد التاريخية. فالشخص الكبير في قرية ما قد يعطى احترام وله كلمة مسموعة على أساس العادات والتقاليد.

- السبب الثاني أو النوع الثاني من الصلاحية، هو «العقلانية» التي تعتمد على القوانين والقواعد والمبادئ. فالحكومة أو الجماعة القائمة على أسس معينة يوافق عليها أفراد المجتمع (أو الجماعة) تحصل على صلاحيتها لأن المجتمع يؤمن بأنها التزمت بالأسس المتفق عليها.

- النوع الثالث من الصلاحية هو الهيبة «الكاريزما» (Charisma). فالأشخاص ذوو الهيبة يمتلكون صفات قوية تجعل الآخرين يوافقون عليهم ويأخذون بكلامهم. والمجتمع الذي يعتمد على إعطاء الصلاحيات لذوي الهيبة فقط يواجه مشكلة الحصول على أشخاص لديهم هيبة وكاريزما تساوي أو تفوق الشخص السابق الذي كان يتسلم الموقع القيادي.

- قد يكون هناك شخص أو هيئة تمتلك الصلاحية ولكن ليس لها قوة أو سلطة والعكس صحيح.

- من جانب آخر فإن السلطة والقوة لها عدة أنواع. ولو أخذنا مثال الدولة فإن هناك عدة أنواع من السلطات (القوى). السلطة أو «القوة» السياسية، السلطة الاقتصادية، والسلطة العسكرية.

- السلطة أو «القوة» السياسية: يقصد بالسياسية هنا تلك السلطة التي تصدر القرارات التي تؤثر بصورة مباشرة على حياة الناس الذين يعيشون في مجتمع ما. والسلطة السياسية تصدر قرارات بصورة مستمرة حتى لو كانت هناك خلافات (بصورة مستمرة وطبيعية) بشأن الأهداف من هذه القرارات الوسائل لتنفيذ تلك القرارات.

- تتمثل السلطة السياسية في الحكومة، سواء كانت منتخبة أم معينة. في بريطانيا مثلا، الحزب الذي يحصل على أكثرية الأعضاء في الانتخابات البرلمانية، يشكل الحكومة، ورئيس ذلك الحزب يصبح رئيسا للوزراء. هذه السلطة السياسية مستمدة من الحكومة البرلمانية. هناك نمط آخر وهو الحكومة الرئاسية وفي هذه الحال فإن الشعب ينتخب الرئيس على حدة، والرئيس يشكل حكومته ويعرضها على البرلمان، للحصول على ثقة البرلمانيين المنتخبين. في دول أخرى أقل تطورا يتم تعيين الحكومة وقد لا يكون هناك برلمان يعطيها الصلاحية. والسلطة قد تكون مفروضة من أعلى على الشعب. بينما تستمد الصلاحية في الحال الانتخابية من الشعب نفسه بصورة من الصور.

- في الدول القائمة على الانتخابات فإن الحزب المنتخب (عادة) يصبح صاحب السلطة السياسية بشكل رئيسي. أما في الدول القائمة على التعيين فإن الفئة التي تعين نفسها (سواء كانت عائلة أو حزب جاء بانقلاب) تصبح هي صاحبة السلطة السياسية من دون منازع.

- السلطة (القوة) الاقتصادية: إن ثروة أي أمة تعتمد بصورة أساسية على حجم المنتجات والخدمات التي ينتجها أفراد المجتمع. وفي مطلع ومنتصف القرن العشرين سعت الحكومات للتدخل بصورة مباشرة للتحكم في عمليات الإنتاج والتنظيم أو السيطرة على السوق من خلال فرض التسعيرات أو الحد من الاستيراد أو التصدير. وفي السنوات الأخيرة، اجتاحت العالم موجات الخصخصة التي تدعوا لإعطاء القطاع الخاص دور أكبر في العملية الاقتصادية. غير أن الحكومات مازالت إحدى أكبر الجهات التي توظف المواطنين في الوزارات والدوائر الحكومية. ولهذا فإن السلطة السياسية لها تداخل مع السلطة الاقتصادية.

- هناك جهات أخرى تشارك أو تزاحم الحكومة في السلطة، وأهم تلك الجهات هي: الشركات والمجموعات التجارية، المصارف والمؤسسات المالية، والنقابات العمالية.

- الشركات العالمية والمحلية التي توظف المواطنين وتتحكم في المنتجات والخدمات تمتلك سلطات اقتصادية واسعة لاحتلالها مركزا مهما في عملية إنتاج الثروة. وهذه الشركات تسعى للحصول على الأرباح لكي تستمر في نشاطها وقراراتها التي تصدرها تؤثر بصورة مباشرة على المواطنين. وإذا كانت الممارسة حرة من أي ترشيد فإن المتضرر الأكبر هو المواطن المطلوب منه توفير جهده من دون مقابل معقول لجهوده. وفي الوقت ذاته، فإن المجتمعات التي لا تسمح للشركات بالعمل من أجل جني الأرباح لا تتطور إمكاناتها الاقتصادية، كما كان الوضع في الدول الاشتراكية في أوروبا الشرقية قبل سقوطها. الموازنة في الأمور تخضع للسلطة السياسية. إن المفترض من السلطة السياسية ألا تكون هي الطرف التجاري. ففي البلدان المتقدمة لا يسمح للسياسي أن يأخذ قرارا اقتصاديا إذا كان هو الطرف المستفيد (شخصيا) أو المتضرر بصورة مباشرة.

- النقابات العمالية تهدف لتمثيل العمال والموظفين من أجل تحسين ظروف المعيشة لأعضائهم. والنقابات لديها نفوذ من خلال عدد أعضاءها الذين يدفعون اشتراكات العضوية، ومن خلال ممارستها الضغط على أصحاب العمل لتوفير أفضل الظروف للعمال والموظفين. والنقابات إذا تحركت بقوة يمكنها اسقاط الحكومة كما حدث في بلدان كثيرة مثل بريطانيا وبولندا وغيرها. ولكن حاليا فان قوة النقابات ضعفت بسبب انتقال الثقل الاقتصادى من قطاع الصناعة الى قطاعات معرفية وخدمية، وهذه لاتعتمد على النقابات مثل المصانع والمنشآت التقليدية.

- المؤسسات المالية والبورصة لها دور كبير في السلطة الاقتصادية لأنها تعتبر المؤشر العام للثقة باقتصاد واستقرار تلك الدولة.

- السلطة (القوة) العسكرية: تسيطر السلطة العسكرية على جميع الأسلحة ووسائل القوة في أي بلد. وهذا يعطي السلطة العسكرية قوة كبيرة في مواجهة الآخرين. وفي الدول المتطورة فإن العسكر لا يستخدم في العادة إلا في الحالات القصوى وحالات الطوارئ ولكن يجب في كل الحالات ان يكون العسكري تحت إمرة شخص مدني منتخب لكي لاتنقلب الأوضاع نحو الدكتاتورية. أما في الدول غير المتطورة تلعب السلطة العسكرية دورا كبيرا في عملية الصراع على السلطة السياسية.

- من دون شك، أن القوة العسكرية تستطيع (إذا أرادت) أن تسيطر على الأوضاع السياسية في البلاد من خلال إزاحة المدنيين بالقوة. غير أن القوات العسكرية في البلدان المتطورة تعلم أن صلاحيتها تستمد من الحكومة المنتخبة شعبيا. ولهذا فإنها لا تتصرف في أي شيء من دون رخصة المسئولين الذين انتخبهم الشعب. فالقوة العسكرية أساسا تستخدم من أجل ردع العدوان الخارجي.

- السلطة السياسية تحتاج إلى قوة « أمنية» تستطيع حمل الأسلحة الخفيفة من أجل رعاية وحماية الأمن الداخلي «حماية حكم القانون». وسواء كان القانون عشوائيا ودكتاتوريا أم كان قانونا مستمدا من عملية دستورية، فانه «لابد للناس من إمام، بر أو فاجر».

- السلطات والقوى في الدول المتقدمة تكون موزعة لكي لا يسمح لأي طرف أن يتجاوز آراء وتطلعات المجتمع. ولكن في الدول الدكتاتورية تكون جميع السلطات (على رأسها السياسية الاقتصادية والعسكرية) جميعها بيد طرف واحد.

* نقاشات في ورش عمل نظمت في 1998

العدد 1847 - الأربعاء 26 سبتمبر 2007م الموافق 14 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً