العدد 1896 - الأربعاء 14 نوفمبر 2007م الموافق 04 ذي القعدة 1428هـ

بنك القرية البنغلاديشي

من الطبيعي أنْ يتساءل القارئ عن السبب الذي يجعل شخصا حاصلا على درجة الدكتوراه في الاقتصاد والبنك الذي أسسه يفوزان مجتمعينِ بجائزة نوبل للسلام وليس جائزة الاقتصاد التي تمنحها المؤسسة نفسها مثلا.

إنّ الفكرة وراء بنك جرامين والتي قد تبدو بسيطة وبديهية لغير المتخصصين قد نجحت في إنقاذ أعداد كبيرة من القرويين في بنغلاديش من الاستمرار في حالة الفقر المدقع. بدأت تجربة بنك جرامين وهو يعني بنك القرية باللغة البنغالية كامتداد لأبحاث يونس ومشروع الاقتصاد الريفي بجامعة تشيتاجونج ببنغلاديش.

ففي عقب المجاعة التي أودت بحياة حوالي مليون ونصف مليون مواطن من بنغلاديش العام 1974 اكتشف محمد يونس أستاذ الاقتصاد بجامعة تشيتاجونج أنّ الفقراء في الريف البنغالي غير قادرين على كسر دائرة الفقر رغم مهاراتهم الإنتاجية؛ لأن المصارف ترفض إقراضهم رأس المال اللازم لبدء مشاريعهم الخاصة مما يدفعهم للاقتراض من المرابين بفوائد تبتلع أغلب أرباحهم.

رفض البنك المركزي والبنوك التجارية الأخرى الاقتناع بفكرة محمد يونس أنّ الفقراء سيتمكنون من سداد قروضهم وإدارة مشروعات ناجحة إذا تمكّنوا من الحصول على القروض من دون ضمانات أو فوائد.

عندها قرر محمد يونس وتلامذته، بدأوا التجربة بأنفسهم فأقرضوا مجموعة من الفلاحين من القرى المحيطة بالجامعة مبالغ متناهية الصغر من دون ضمانات أو فوائد لاستخدامها في الحرف التقليدية أو أي نشاط آخر يدر دخلا عليهم. وقد حدد بنك جرامين 16 شرطا على المقترضين الالتزام بها بشكل جماعي حيث تخلق الالتزامات وعيا مغايرا لدى القرويين ومن أولى تلك المبادئ أنْ تلتزم القرية بمبادئ الاتحاد والشجاعة والعمل الجاد.

كما تتضمن النقاط الأخرى اشتراطات خاصة بالنظافة الشخصية ونظافة المساحات العامّة في القرية والاهتمام بصيانة البيوت وبتعليم الأبناء في التعليم النظامي مع إكسابهم المهارات المختلفة الخاصة بنمط إنتاج كل قرية.

تلك الروح الجماعية مترسخة في جميع أنظمة قروض ومشاريع البنك التي تشجّع المسئولية المشتركة للأسر بقيادة المرأة عادة أو للمجموعات القروية التي ينتخب المسئول عنها بشكل دوري.

وقد نمت تلك الأساليب مفاهيم المشاركة السياسية والاجتماعية فعليا بين القرويين مما حدا بالبعض منها إلى التقدّم بالترشيح للمجالس المحلية. وقد حطمت تجربة بنك جرامين مفاهيم راسخة لدى العاملين في الحقل المصرفي بشأن جدوى الإقراض للطبقات الأشد فقرا ونفت البديهيات القديمة والتي تقول إنّ مَنْ لا يملك ضمانات لقرضه لن يسدده.

وقد لا يتعجب القارئ لو لاحظ أنّ من أهم منتقدي سياسات بنك جرامين مؤسسة ميسيس Mises Institute وهي هيئة مرتبطة فكريا باليمين الجديد في الولايات المتحدة الأمريكية.

ورغم أنّ كتاب «تجربة بنك الفقراء» للباحث مجدي سعيد يقدّم عرضا وافيا ليس فقط للبنك ولكن للمؤسسات التي نشأت عنه ولتأثيره في حياة القرويين ولهيكله الإداري والذي هو في حد ذاته تجربة خاصة جدا ومبتكرة إلا أنّ سلاسة الكتاب تأتي لموضوعه الشيق وليس للغته التي بدت أقرب للترجمات. كما أنّ الكتاب يكاد يخصص مقطعا مطوّلا في كل فصل لمناقشة التجربة ومفرداتها من منظور إسلامي مستشهدا في الفصل المعنون «التركيز الشديد على قضية الفقر» بأحاديث نبوية وآيات قرآنية وكتابات للشيخين محمد الغزالي ويوسف القرضاوي لتحديد من هو الفقير وما هي الالتزامات المجتمعية تجاهه، كما أنه يقدم آلية اتخاذ القرار في فلسفة البنك على أنها آلية مبنية على الشوري وهي مرجعية لا تتناقض مع فكرة التشاور والقرارات الجماعية، ولكنها فكرة ذات صبغة دينية بحتة غير مشار إليها في موقع البنك علي شبكة الإنترنت ولا علي المواقع المتفرعة منه.

بل إنّ فروع البنك ومؤسساته تنتشر في دول عديدة لا يوجد بها جالية إسلامية كبيرة، ولكن الأمر مفهوم بالنظر إلى أنّ الكتاب تم نشره بالتعاون بين الدار العربية للعلوم ناشرون وبين موقع إسلام أون لاين.

تجربة بنك الفقراء الحائز جائزة نوبل للسلام للعام 2006 - مجدي علي سعيد بيروت: الدار العربية للعلوم وإسلام أون لاين ـ ط 2، 2007، 271 صفحة

العدد 1896 - الأربعاء 14 نوفمبر 2007م الموافق 04 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً