العدد 1938 - الأربعاء 26 ديسمبر 2007م الموافق 16 ذي الحجة 1428هـ

تحريم رسم ذوات الأرواح أَخَّرَ العرب والمسلمين فنيا

الجزائرية أنعام بيوض في محاضرة بمركز الشيخ إبراهيم:

لم تقدم الكاتبة الجزائرية أنعام بيوض إجابة عن سؤال «هل هذا الفن - الفن التجريدي العربي - نبع من رؤية فلسفية وروحية عميقة ومتواصلة أم هو وليد تقليد، ووليد ما توصل إليه الفن الغربي إلى حد الآن؟»، الذي طرحته في محاضرتها التي ألقتها مساء يوم الاثنين الماضي في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، تحت عنوان «الفن التجريدي العربي: التجرد وغياب التصوف»، وإنما اقتصرت في محاضرتها التي قدمها رئيس جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي حسن مدن، على إبراز مكانة الفنون التشكيلية في الثقافتين العربية والغربية.

وتعلل الكاتبة عدم إجابتها بوضوح عن هذا السؤال بالقول إن هذا السؤال كما غيره من الأسئلة المتعلقة بمآل الفن والفن التشكيلي خصوصا، لايزال مطروحا بين المختصين وغير المختصين.

لكن أنعام بيوض تقر بأن البحث في أسس الحركة التشكيلية العربية وتقصي جذورها صعب جدا على خلاف الحركة التشكيلية الغربية التي تتوافر على سلسلة متواصلة من الإبداع مكّنت الإنتاج الفني من المحافظة على تواصله وتطوره. وتؤكد في هذا الصدد أن الفن التشكيلي في الغرب ارتبط بالحرف التي سكبت خلالها الفكرة الجمالية على القطع الحرفية.

على أن ارتباط تطور الفن التشكيلي بالصناعات الحرفية في الغرب كان نابعا من خصوصية البيئة الغربية، ذلك أن متطلبات العيش في الغرب ساعدت وبشكل جذري في تطور عديد الحرف على غرار صناعة الدبابيس والخشب والمعادن، وتطورت هذه الأعمال الحرفية لتنتظم في إطار رابطات ساهمت في تأسيس حركة فنية، وذلك بخلاف الحركات الفنية في المشرق التي لم تتطلب بيئته ولا حياته الأساسية ولا حتى نمط العيش فيه، ازدهار صناعات تنعكس فيها صور فنية وإبداعية.

وتبين الكاتبة في محاضرتها أن تصالح الثقافة الغربية مع التصوير من حيث هو رسم لذوات الأرواح يعد من أهم أسباب تطور الفن التشكيلي، إذ كانت لهذه الفنون روافد دينية وروحية، وذلك بخلاف الحضارة الإسلامية التي حرم فيها التصوير مما أثر سلبا على تطور الفنون فيها، وتشير في السياق ذاته إلى أن العرب والإيرانيين تخلصوا من رسم الأرواح إلى رسم الظلال.

وتلاحظ الكاتبة في هذا الخصوص أن الكثير من المراحل التاريخية مرت بها الثقافتان العربية والغربية كلتاهما، فكلتاهما تأثرتا بشكل كبير بالحضارة البيزنطية التي كانت ملهمة للفنانين التشكيليين الذين استلهموا إبداعاتهم الفنية من الثقافات الشرقية، ولم تشكل الفتوحات الإسلامية - بحسب ما أشارت اليه الكاتبة في محاضرتها - قطيعة مع الفنون البيزنطية، بل أن الحركات الاستعمارية التي استهدفت البلدان العربية كانت في حد ذاتها مصدرا للإلهام بالنسبة إلى الفنانين، ذلك أنها حملت معها أفكارا جديدة.

وفي عرضها لمجموعة من اللوحات التشكيلية ومقارنة درجات الإبداع فيها، أبرزت الكاتبة أن الإلهام هو في النهاية ثمرة ذاكرة أو رؤية جماعية ولذلك حملت عديد الرسومات سواء منها الغربية أو العربية أفكارا مشتركة، من ذلك اعتماد الشكل الأيقوني أو محاولة استنطاق التاريخ، ومثال ذلك استحضار الكثير من الفنانين التشكيليين لملحمة جلجامش، أو استعمال الحرف أو الرمز وخصوصا في الرسومات العربية. وتشير الكاتبة الجزائرية في هذا الخصوص إلى أن استعمال الحرف في الرسومات في البلدان العربية ارتبط دائما بمسائل روحية تمنحها قوى حافظة وقوى علاجية في أوقات كثيرة.

وتخلص أنعام بيوض في نهاية محاضرتها إلى تأكيد أن الفن التشكيلي العربي افتقد إلى عنصر مهم كان سببا رئيسيا في تطور نظيره في الغرب، ذلك أنه لم توجد استمرارية للفكر المتخلص من شوائب الأشياء ويأتي على صميم الموضوعات. وتتساءل في الوقت ذاته: هل يمكننا اليوم إعطاء تعريف موحد للفن العربي المعاصر؟ وتضيف أن التجريد في الفن كان وليد محاولة لتخليص العالم من الأشياء وإبراز الأفكار أو المعاني التي تكمن في بواطنها، وبالتالي كان الفن التجريدي محاولة للخروج من الشيء للولوج إلى كنهه، ولذلك تتضمن هذه اللوحات أساسا شحنات عاطفية وانفعالية يسعى رساموها إلى ان تكون واضحة وجلية.

وفي إجابتها عن سؤال يتعلق بمدى جرأة الفنان العربي في طرح الموضوعات، أكدت الكاتبة أن الفنان العربي مسكون بهموم وإحباطات كثيرة يحاول الخروج منها، ولذلك تبرز موضوعات البحث عن الهوية محاور رئيسية في لوحات الفنانين التشكيليين العرب. إلا أنها ترى أن الفنان العربي لا يحتاج إلى تحدي المجتمع الذي يعاني في حد ذاته من التناقضات ليظهر بمظهر الجريء، وإنما كان عليه دائما أن يبحث عن صيغة توافقية للتعايش مع كل هذه التناقضات.

العدد 1938 - الأربعاء 26 ديسمبر 2007م الموافق 16 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً