العدد 1942 - الأحد 30 ديسمبر 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1428هـ

سترة تتذكر الشيخ الجمري... الأب الحنون

أبا جميل من أين أبدأ؟ من منصة مأتم دار الحسين بسترة - الخارجية أو منصة المنزل المجاور لمنزلك يوم الاعتصام أو يوم خروجك من السجن أو أيام حصارك في منزلك أو يوم الثامن عشر من ديسمبر/ كانون الأول العام 2006؟... صبيحة ذلك اليوم الذي فجعنا فيه، إذ وصلتني رسالة عن طريق النقال من صديق عزيز في الساعة التاسعة وخمس دقائق هذا نصها «انتقل إلى رحمة الله تعالى صباح اليوم سماحة الأب الشيخ عبدالأمير الجمري». وانتهت. فذهبت إلى بني جمرة مسرعا بمعية اثنين من أصحابي، وعندما اقتربنا من منزل الشيخ سألنا أحد افراد عائلته عن موعد الجنازة فقال الساعة السادسة مساء لإعطاء محبيه وعشاقه فرصة الوداع الأخير.

كل المواقف والحوادث التي ذكرتها ليست نهاية قصة أو حكاية، ولكنها رجل وتاريخ وأمة رجل صنع تاريخا وأمة عشقته حتى النخاع... هذه الحوادث والآهات والآلام لن تنتهي وستبقى كما كانت كالإمام الخميني وغاندي وجيفارا... هكذا الرجال الذين صنعوا التاريخ وليس أي تاريخ، تاريخ المطالبة بالحقوق والعيش الكريم واجتثاث التوظيف الطائفي... هذه المطالب التي كانت تخالج أفكارنا وشغلنا الشاغل، وبالتالي وجدنا من يقودنا ويرشدنا للحصول على هذه الحقوق بالطرق السلمية المشروعة.

قادنا شيخنا الجليل الى الطريق القويم من منطلق شرعي وإيمان زاخر مفعم بالمحبة حتى لألد معارضيه. ذبنا فيك يا أبا جميل لأنك ذبت فينا. ضحينا بكل شيء لأنك ضحيت بنفسك وأهلك وأولادك وكل ما تملك. ليس شرطا أن تحصل على الحقوق التي كنت تنادي بها يا أبا جميل، ولكن الإصرار على المطالب والثبات على المبادئ هو الأهم لحفظ كرامة الأمة.

نعود من حيث بدأت عنواني، بسترة، ولعل بعض القراء الذين لم يحالفهم الحظ لسماع خطب الشيخ المجاهد أثناء الانتفاضة يقولون إن صاحب المقال منحاز لأهل قريته أو مسقط رأسه... لا والله إن أبانا الحنون هو الذي أكد ذلك في أكثر من خطاب إ قال «أنتم يا أهالي سترة لكم مكانة خاصة لدي وأحبكم محبة يعقوب ليوسف»، اي والله يا أبا جميل ونحن بادلناك الحب والعشق المحمدي الأصيل، وليس عندي أدنى شك في أنك حصلت من علم العرفان الكثير، وقرأت أنفسنا واستقرأت افكارنا بالبرهان والدليل القاطع، وها هن أمهات الشهداء والمساجين غبان الانتفاضة لم يذكرن أبناءهن إذا ما قسنا ذكرهن لك بالدعاء والفرج والنصر والشفاء العاجل.

والدتي رحمة الله عليها وعلى رغم وجود ابنها في السجن لمدة سنتين وسبعة أشهر، فإنها بعد كل صلاة تدعو لك بالخروج من السجن أولا ثم تدعو لابنها. وصديقتها والدة الشهيد محمد الصياح أطال الله في عمرها مازالت تترحم عليك أولا ثم ابنها والشهداء ثانيا. أما القصص التي حصلت عليها كثيرة وإن دلت على شيء إنما تدل على العشق والولاء لأبي جميل، ولكن أعظم شيء قد يحد من قدرة الإنسان على الجري ومواصلة الدرب لتحقيق الهدف هو الجرح النازف بالآلة الحادة: حدثني أحد أبناء سترة - الخارجية، يقول بعد زيارة الشيخ الجمري لسترة - الخارجية وخطابه في مأتم دار الحسين، لم أتشرف بالسلام عليه للحشود التي أحاطت به، وعندما تحركت السيارة التي أقلته جريت وراءها لعلي أتشرف بالسلام عليه ولو بالإشارة، وفي هذه الأثناء وطأت على مسمار كبير وتشبث في رجلي ولم أحس بالألم والدماء التي تنزف إلا بعد اليأس من السلام على شيخنا المجاهد، فقلت له كيف واصلت في الجري والمسمار في رجلك؟! قال لا تلمني لأن همي الأول الوصول إلى هذا الرجل والسلام عليه لأنني أحبه إلى درجة الجنون.

أما يوم رحيلك فكان البردُ قارصا، ولكني أصررت على اصطحاب طفلي ابن الثانية عشرة والسابعة وكنا خلف الجنازة من دوار القدم حتى المقبرة التي ووريت فيها، وعند الانتظار للصلاة على الجنازة بكى ابني الأصغر، فقال لي أحد المشاركين لماذا اصطحبت أطفالك في هذا الجو البارد؟! فقلت له: هذا قليل في حق هذا الرجل! فقال: صدقت.

يا أبا جميل ليس المسمار ولا البرد القارص فحسب، فوالله لو قطعونا بالحديد والنار لنحيد ونتبرأ ما حدنا ولا تبرأنا. ها أنت يا أبا جميل في قلوبنا ومازلت تحن وتعطف علينا بروحك الطاهرة الزكية ومن تحت قبة ضريحك الشامخ والزاهر، وأنا شخصيا تمنيت أن يكون ضريحك ومرقدك الشريف في أرض خاصة، تتبرع الناس ببنائه ليكون منارا ندعو لك فيه بالمغفرة والرضوان والرحمة ولنا بالهداية والصبر على البلايا، لأن الدعاء بجوار قبر العبد الصالح مستجاب.

أخيرا، وليس آخرا، ها هم أهالي سترة، وخصوصا الشهداء عائلات الصافي والحاج طاهر وآل طوق وآل سديف والصياح يبلغونك السلام، فسلام عليك يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا.

عبدالجليل سلمان العالي

العدد 1942 - الأحد 30 ديسمبر 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً