العدد 1945 - الأربعاء 02 يناير 2008م الموافق 23 ذي الحجة 1428هـ

مقدمات في الفكر السياسي الأوروبي (2)

تستكمل حلقة هذا ارسبوع مقدمات الفكر السياسي الأوروبي وفق تسلسلاتها التاريخية.

الإصلاح الديني والتطور العلمي في أوروبا: Reformation

بدأ الإصلاح الديني من خلال أعمال مارتن لوثر (1483-1546)، الذي قال بأن النص الوارد في الإنجيل هو أعلى من الكنيسة، وبذلك تحدى احتكار الكنيسة لحق التفسير الديني. وقد أدت أفكار لوثر لظهور المذهب البروتستانتي (الذي انفصل عن المذهب الكاثوليكي). وردا على أفكار لوثر قامت الكنيسة الكاثوليكية بإجراء بعض التعديلات، وانتشرت الحروب المذهبية في أوروبا لمنع المذهب البروتستانتي من الانتشار، بينما عانى الكاثوليك في الدول التي سيطر عليها البروتستانت، والعكس كذلك.

صاحب فكرة الإصلاح الديني انتشار الثقافة والتعليم بعد أن بدأت في إيطاليا ووصلت إلى هولندا وإنجلترا وفرنسا. وهكذا بدأ عصر الاختراعات التكنولوجية المهمة مثل صهر الحديد، والإبحار بالسفن، والمدافع والمضخات المائية.

ومن أوائل العلماء جاليليو جاليلي (1564-1642) الذي استحدث نظرية البحث العلمي وكيفية اختبار النظريات العلمية واكتشف نظريات حركة الأجسام. إلا أن الكنيسة انزعجت من اختراعاته العلمية وفي العام 1613 اتهمته بالتجديف وتم اعتقاله في العام 1633 لإجباره على التراجع عن اختراعاته العلمية (واعلان توبته والا تم حرقه او قتله). وبهذا أثبتت الكنيسة للأوربيين بأنها ضد العلم والعلماء. غير أنه في السنة التي مات فيها الإيطالي جاليليو ولد العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن (1642) الذي ترعرع في إنجلترا حيث توسعت حرية الفكر والعلم والتعليم. وآثار نيوتن في العا لم لا زالت ماثلة للجميع. ولم يستطع أحد الاعتراض على ما جاء به سوى آينشتاين في القرن العشرين، الذي طور الفيزياء ونقلها إلى مستواها العصري (اينشتاين اكتشف ان نظريات نيوتن لاتنطبق على العلاقات الفيزيائية في مستوى الذرات الصغيرة، ولاتنطبق أيضا على المجرات الكبيرة والأجسام الفضائية البعيدة). واستمر العلماء في التطوير والاختراعات ودفعوا بالحضارة الأوروبية للتفوق المادي المستمر حتى عصرنا الحالي.

عصر التنوير الأوروبي في القرن الثامن عشر «Enlightenment»

في القرن الثامن عشر انتشرت الأفكار التنويرية في الدول الأوروبية، خصوصا فرنسا. لكن فرنسا كانت ملكية مطلقة وتحكم بواسطة لويس الرابع عشر (1638-1715)، وهو الذي حكم لمدة 72 سنة بصورة استبدادية، مما أدى لازدياد الحنق والغضب. وبعده جاء لويس الخامس عشر (1715-1774)، الذي واصل الحكم الاستبدادي، مما أحدث الاضطرابات. أما في عهد لويس السادس عشر (1774-1793) فقد حاول الملك تهدئة الأوضاع من خلال السماح بانعقاد مجلس الدولة الذي حله جده قبل 175 عاما. غير أن الثورة الفرنسية كانت قد وصلت ذروتها مع انتشار الأفكار الديمقراطية، مما أدى لانهيار الملكية وقيام الثوار بقطع رقاب العائلة المالكة ومن معها.

عودا إلى عصر التنوير المصاحب لهذه الأوضاع، فقد شهدت اروبا عصر الحرية الفكرية والدينية في أوروبا. ففي إنجلترا ألغيت الرقابة على حرية الفكر والنشر في العام 1695. أما في فرنسا فكانت الرقابة صارمة، وصدر قانون في العام 1757 يقضي بإعدام المؤلفين الذين يحاربون الدين أو يخلون بالأمن. ومن أكبر دعاة الحرية الفرنسي فوليير (1694-1778)، وقال فولتيير بأن الكنيسة حولت المسيحية الى أسوأ دين، وقال بان الكنيسة كلها مجموعة من الخرافات التي لا يصدقها العقل. وبدأت الدعوة لعلمنة الدولة (فصل شئون الدولة عن شئون الكنيسة) تنتشر في أوروبا بشكل متسارع.

انتشار العلمانية «Secularism» في أوروبا:

العلمانية مشتقة من كلمة «علم»، أي الدنيوية، بدأت كحركة وأصبحت بعد ذلك النهج المسيطر في عدد من مناطق أوروبا. وقد نظر إلى العلمانية على أنها فصل الدين المتمثل في الكنيسة عن الشؤون الدنيوية.

المفكر أوغست كونت (1795-1857)، قال بأن الحضارة مرت بثلاث مراحل: مرحلة اللاهوت (ارجاع الامور كلها لعامل الاله)، ثم مرحلة الميتافيزيقيا، ثم المرحلة العلمية-الإيجابية. واعتبر أن اللاهوت هي طريقة التفكير البدائية التي ترجع جميع الظواهر لكائن فوق الطبيعة بصورة خيالية. والمرحلة الميتافيزيقية هي عندما تأثر الناس بأفكار الفلاسفة مثل أفلاطون لتفسير الظواهر. ثم تأتي المرحلة الإيجابية العلمية، التي لا دخل لها بالدين اواللاهوت اوالميتافيزيقيا (على حد تعبير كونت). وهذه النظرة خاطئة لأنها تعتبر الدين مرحلة في حياة البشر انتهت إلى غير رجعة مع تطور العلوم الإيجابية.

أما المفكر الألماني فوير باخ (1804-1872)، فقد كان إلحاديا صريحا، وقال بأن الإنسان هو إله الإنسان، وأن الدين من ابتكار الإنسان.

مؤسس الشيوعية، كارل ماركس (1818-1883)، اعتبر فوير باخ، لوثر الثاني من حيث «تحرير» الناس من الأوهام. وقال ماركس بأن الإنسان لا يحقق ذاته ما لم يحقق خلاصة الاجتماعي، وأن غاية هذا الخلاص هو تأسيس المجتمع الشيوعي حيث يجد كل فرد إشباعا لحاجاته وتحقيقا لذاته وإمكاناته. وفي هذا المجتمع تلغى الملكية الفردية التي هي أصل الشرور. وقسم ماركس التاريخ إلى خمس مراحل. مرحلة المشاعة البدائية، ومرحلة انتشار العبودية، ومرحلة الإقطاع، والمرحلة الرأسمالية، والمرحلة الشيوعية. وقال بأن الوصول إلى المرحلة الشيوعية مسألة حتمية، وأن الطريق إليها يمر من خلال ا لاشتراكية. وقال ماركس بأن «المادة» المحسوسة بصورة مباشرة هي التي تحرك الإنسان باتجاه معين. ولذلك فإن التمايز الطبقي «المادي» هو أساس الصراعات المختلفة في المجتمع. ولكي يسعد المجتمع فلابد من القضاء على الطبقية لخلق المساواة في المجتمع.

أما سيغموند فرويد (1856-1939)، فقد قال بأن فكرة الله تتولد في طفولة الإنسان الساعية للحماية. وقال بأن جميع أفعال الإنسان في النوم واليقظة، نتيجة لدوافع كامنة في اللاوعي، واساسا في غرائزه الجنسية، وليس في ميوله الواعية. وقال بأن الدين والحرية وهم، أما العلم فليس وهما، وهو وحده الذي يوصل إلى الحقيقة.

ومن أهم فلاسفة الغرب في هذه الفترة أيضا فردريك نيتشه (1844-1900)، الذي أعلن إلحاده ورفضه كل فلسفة تقول بالقيم المطلقة. واستمر فكر نيتشه مسيطر على أفكار الكثير من الأوروبيين مثل سارتر (1905-1980) الذين يؤمنون بالفلسفة الوجودية (بأن كل شيء ليس له فائدة فورية أو آنية أو ملموسة في الحياة فهو ليس حقيقة).

العلمانية الأوروبية قائمة على عدة فلسفات من أهمها الفلسفة المادية Materialism والوجودية Existensionalism واولوية الحقوق الفردية Individualism والبراغماتية Pragmatism . والبراغماتية تعني التعرف على الطريق الأصح والفكرة الأصح من خلال التجربة وا لتعلم من الأخطاء Trial and error .

نظرية العقد الاجتماعي «Social Contract»

من أهم النظريات السياسية -الاجتماعية التي أثرت في تكوين النظام الديمقراطي -الغربي -الليبرالي هي نظرية العقد الاجتماعي التي جاء به الفيلسوف الإنجليزي جون لوك John Locke الذي عاش بين 1632-1704م. وقال لوك بأن التجربة هي الطريق الأقوى للمعرفة وطرح فكرة العقد الاجتماعي لمواجهة الاستبداد السياسي. وقال بأنه لا يجد هناك حق الهي للحكام والملوك، لأن الله خلق الإنسان على أساس المساواة. وآمن بحق الأفراد في التملك لن ذلك هو نهج «القانون الطبيعي». وقال بأن أهم الحقوق الطبيعية هي الحق في الحياة والحق في الحرية والحق في الملكية الشخصية، وأن هذه الحقوق غير قابلة للنقاش لأنها تولد مع الإنسان ولا يحق لأي إنسان آخر سحبها منه. وقال بأن أفراد المجتمع يتنازلون عن جزء من حرياتهم للحكام من أجل حفظ الأمن ورعاية المصالح المشتركة فقط، وان هذا التنازل عن بعض الحريات الفردية للسلطة المركزية مقيد باتفاقية أو عقد متفق عليه بين أفراد المجتمع، وأن شرعية الحاكمين ليس لها مكان إذا لم يوجد مثل هذا العقد (الدستور). وقد أثرت أفكار لوك على القادة الأميركان مثل توماس جيفرسون، ولهذا فإن الثورة الأمريكية ضد التاج البريطاني في العام 1776م تبنت جميع أفكار جون لوك وضمنتها في إعلان الاستقلال الأمريكي.

الثورة الفرنسية 1789م:

الثورة الفرنسية قلبت النظام الملكي وقطعت رقاب العائلة المالكة وبدأت مرحلة جديدة في أوروبا انتهت لاحقا بسقوط العوائل المالكة في البلدان الاروبية المجاورة، أو قبول تلك العوائل بالملكية الدستورية (المقيدة) على النهج البريطاني. أما الأفكار التي حركت الفرنسيين فقد كانت أفكار فولتير وروسو (1712-1778م). وروسو أكد بأن السيادة تعود للشعب -مصدر السلطات جميعا- وقال بأن الإنسان يولد حرا ولا بد من فكه من الأسر والقيود المفروضة عليه. وقال المفكرون الفرنسيون بأن الأمة موجودة قبل كل شيء وهي مصدر كل شيء وفوقها لا يوجد إلا القانون الطبيعي، وأن الفرد داخل الأمة هو «مواطن له حقوق» وليس تابعا لملك أو عبدا لأحد. غير أن الثورة الفرنسية أعطت بعدا أكثر تشددا للنهج العلماني والفهم الصارم لدور الدولة -المؤسسة.

* نقاشات في ورش عمل نظمت في العام 1998

العدد 1945 - الأربعاء 02 يناير 2008م الموافق 23 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:15 م

      الموضوع جميل جدا لكن لحاجة لمزيد من المعلومات التفصيلية من
      الاروبية المعاصر

اقرأ ايضاً