العدد 1945 - الأربعاء 02 يناير 2008م الموافق 23 ذي الحجة 1428هـ

«حمى» مهرجانات تفتقد النجاعة

المصريون إنتاج ركيك... والآخرون غائبون في نخبوية بلا جماهير

يتحدث الكثير من نقاد السينما منذ مدة عن «حمى» مهرجانات سينمائية، ففي أكثر من بلد عربي فرشت السجادات الحمراء وحضر نجوم التمثيل في مشهد اقرب ما يكون إلى المهرجانات العالمية. وبين مهرجان الشرق الأوسط للسينما بأبوظبي ومهرجان القاهرة ثم مهرجان مراكش ومهرجان دبي مرورا بفعاليات سينمائية كثيرة، يتردد تساؤل ملح يبحث بين ردهات هذه الفضاءات السينمائية عن إجابة قد تغني عن التبرير المعتاد: لا أحد يمكنه منافسة المصريين في صناعة السينما.

عادة ما يطرح في كل تظاهرة من هذه التظاهرات السينمائية تساؤل يبقى معلقا: لماذا تقف الأفلام العربية غير المصرية، المغربية والجزائرية والتونسية واللبنانية والفلسطينية والسورية وغيرها عند إحراز الجوائز في المهرجانات والفعاليات السينمائية، من دون أن تصل إلى الجماهير العريضة؟ لماذا تظل السينما في كل الأقطار العربية ماعدا مصر، سينما مهرجانات لا غير؟

تفسر هذه الوضعية من عدة منطلقات، أولها ضخامة مؤسسات الصناعة السينمائية في هوليوود الشرق (مصر)، وثانيها عراقة الصناعة السينمائية المصرية التي كوّنت إجماعا عربيا على فهم مختلف اللهجات المصرية، في حين يحتاج المشاهد العربي عند مشاهدته لفيلم مغاربي مثلا إلى ترجمة مصاحبة، ولم تفلح غزارة الأعمال الدرامية التلفزيونية في تقليص هذه الهوة التي تفصل بين المشرق العربي ومغربه.

لكن هذا الإقصاء الذي تعاني منه الأعمال السينمائية العربية، هو إقصاء جماهيري، افرز نتيجة عكسية، استسهلت فيها شركات السينما المصرية الصناعة السينمائية، في ظل غياب المنافسة الحقيقية، ما أثر سلبا على مردودها الإبداعي، واقتصرت غالبية الإنتاجات على الجانب الترفيهي والكوميدي الذي تجاوز إلى مرحلة من التهريج الركيك، يغيب فيها السيناريو الجيد والقصة المحبكة، ليقتصر الفيلم السينمائي على مكون وحيد هو الشخصية النجمة، التي سيطرت فيها السينما الشبابية على الساحة السينمائية المصرية في الآونة الأخيرة سواء كانت أفلام «آكشن» على غرار ما يقدمه أحمد السقا أو أفلاما رومانسية مثل أفلام كريم عبدالعزيز أو الكوميدية وهي أفلام محمد هنيدي ومحمد سعد وهاني رمزي. ونتيجة لذلك صرنا نتحدث عن نمط السينما الاستهلاكية ذات الأهداف التجارية أساسا.

وفي مقابل هذا الاستسهال الذي غلب على المعالجة الدرامية في قسم كبير من الأعمال السينمائية المصرية توجهت الأفلام المنتجة في بقية البلدان العربية إلى معالجة جدية وعميقة للقضايا التي تطرحها انطلاقا من رؤية إبداعية وفنية جادة.

وعليه، تبدو الصورة معكوسة، في مصر حيث ازدهار الصناعة السينمائية، يفترض أنه آن أوان العمل على تحسين الأداء الإبداعي والفني، وبالتالي ضخ جملة من الأعمال ذات المستوى العالي من شأنها أن تنهض بالمستوى العام للأعمال المطروحة. وفي المقابل، يفترض أيضا أن تسعى السينما العربية الأخرى إلى الربح المادي من خلال تقديم أعمال ذات محتوى «فاضي»، لا يطرح إشكاليات وإنما يستقطب أكبر عدد من المشاهدين من خلال اعتماد تقنيات صارت متداولة، فبعض مشاهد جنسية حميمة، راقصة، ممثل «مهرج»، وكل ذلك تحت مسمى فيلم ترفيهي كوميدي.

لكن واقع الحال يؤكد أن الوضع السينمائي العربي هو على عكس ذلك تماما، فالسينما المصرية ماعدا بعض الأعمال التي تعد على الأصابع، سقطت في فخ الاستسهال في حين تعمل البلدان العربية الأخرى على الاستفادة من الدعم الذي يقدمه لها القطاع العام لتنفيذ أعمال ذات مستوى فني رفيع.

ولن أستطيع في معرض حديثي عن السينما العربية إغفال التعريج على الغياب شبه الكلي للسينما الخليجية، غياب يطرح أكثر من علامة تعجب ولاسيما أن هذا الشح في الإنتاج السينمائي يقابل بغزارة في الإنتاج الدرامي التلفزيوني وخصوصا في السنوات الأخيرة، ولئن كنا نتحفظ قليلا فيما يتعلق بمستواها الفني والإبداعي إلا أننا لا يمكن البتة إنكار مساهمتها في التعريف بالمجتمع الخليجي وفي احتلالها موقعا مميزا إلى جانب الأعمال الدرامية المصرية والسورية التي تسيطر على الفضائيات العربية وخصوصا في شهر رمضان، ويرجع البعض هذا الغياب للفيلم الخليجي عن الساحة السينمائية العربية، حتى على مستوى المشاركة في المهرجانات السينمائية، إلى عدم الإقبال على تمويل المشروعات السينمائية وغياب الثقة في إمكانية استقطاب الفنان الخليجي للجمهور وبالتالي تغطية تكاليف الإنتاج.

وحتى لا أتجاوز موضوع «حمى المهرجانات السينمائية» التي تحدث عنها النقاد خلال الفترة الماضية، وهي «حمى» محمودة باعتبار أنها تفسح المجال أمام الاطلاع على تجارب سينمائية أخرى (جديدة أو قديمة، لا يهم)... فهي تجارب مجهولة لدى الأغلبية الغالبة من الجماهير في كل بلد عربي يحتضن مهرجانا من هذا الصنف. وقد عايشت هذه الرغبة في اكتشاف «سينما الآخرين» في أكثر من دورة من أيام قرطاج السينمائية التي تنتظم في تونس كل سنتين، وعلى رغم الإعجاب الذي كانت تحظى به أعمال سينمائية سورية وفلسطينية ومغربية وغيرها، فإن المسألة لا تتعدى الإعجاب والتنويه، وتنتهي الفعالية وتغيب هذه الأعمال وغيرها عن قاعات السينما إلى دورة ثانية، فلا المسئولون سعوا إلى بثها في القاعات التجارية ولا القائمون على هذه الأعمال عملوا على ذلك.

العدد 1945 - الأربعاء 02 يناير 2008م الموافق 23 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً