العدد 1988 - الخميس 14 فبراير 2008م الموافق 06 صفر 1429هـ

الطريق إلى نسخ نصوص التهلكة!

«حنيّه ياجذاب منّك

ماشفت»...

من سواه يبحث عن حنان استبدله الوقت بالمنافي والسجون وانتظار حبل يطوّق عنقه؟ من سواه ينتظر حنانا لم يجده إلا في الصالات التي يكون سيّدها؟ من سواه ينتظر حنانا سوى ذلك الذي ظل على رأس قائمة المطلوبين في كل منافذ الوطن العربي، باستثناء بلدين أو ثلاثة؟ من سوى مظفر النوّاب، (جرير) عصره في نسخته المعدّلة شرفا وموقفا وإباء وأنفة وعزة؟ ومعاذ الله أن نشبّهه بمتسلق متى ما رأى الأعطيات تترى يخرس لسانه ويتحول إلى بوق، وحين تدبر يعج بالبذئ من الكلام. والنوّاب أبعد عنه بعد المشرق عن المغرب.

لم يقبل الرجل عبر تاريخه المشرّف أي وهم من أعطية، ولم يساوم على القضايا جميعها: الصغير منها والكبير. ظلت القضايا المصنّفة على أنها صغرى، في الذروة من اهتمامه، وظلت القضايا الكبرى نذْر حياته ووقفا لها، وصدّا ودفاعا ومنافحة عنها.

مظفر النوّاب، بكل تاريخه البسيط والمركّب معا، نقطة فراق وتلاق. فراق لأن كثيرين يجدون فيه مشروع ازعاج وكشف لتسلّقهم وانتفاعهم وانتهازيتهم، وتلاقٍ لأن بعضهم كان معه على طريق ذات الشوكة.

أما عن تاريخه البسيط، فبسيطه صعب (فقط اقرأوا السيرة المرفقة بهذا الملف، وإلى من ينتمي هذا الرجل) وصعبه بسيط، بالنسبة إلى الذين نذروا أنفسهم للإنسان، بغض النظر عن انتمائه ولونه وجنسيته وقضاياه. يلتقي معه قليلون. لكن ذلك القليل يثبت أن النوّاب يتوغل في نبوءته ورؤيته بشكل مزعج ومقلق أحيانا. مزعج لأن الشعر الذي يطلع به على الناس يثبت أن أكثرهم على رأسه «بطحة»، ومقلق لأنه مع كل نص تضج به القاعات، ويصاب فيه الجمهور بحالات من الانهيار والمس، تتيقن أنها أمسيته الأخيرة، وعليك أن تشيّعه وهو حي يرزق!.

في ثمانينات القرن الماضي في البحرين، كان مجرد اعتقال شخص يتم تفتيش منزله (غرفته) ويعثر بالصدفة على شريط صوتي للنواب، كفيل بزجه في غيابات جب وزارة الداخلية (القسم الخاص) لثلاث سنوات من دون محاكمة، فيما يعرف بالسجن الإداري، وهو حق كان ممنوحا لوزير الداخلية السابق، الذي لم يتردد في تفعيله بدقة واحتراف!. ومع ذلك لم نتردد من جانبنا في التسابق على نسخ أشرطته الصوتية، بل قامت بعض محلات التسجيلات الاسلامية بنسخ أشرطته وبيعها بسعر مضاعف، فيما البعض من أصحاب تلك المحلات عمد إلى إجراء مسح ضوئي لملامحنا! فإذا شعر باطمئنان لأشكالنا يخرج الشريط وينسخه، وحدث أن بعض الأشخاص كان ماسحهم الضوئي معطوبا، بمعنى آخر، كان الأشخاص المترددون على تلك المحلات ملغّمين، يخرجون بالشريط من هنا، وتداهم قوات وزارة الداخلية منزل صاحب المحل بعد الساعة الثانية فجرا!!! عدا عن اقتحام محله وجعله قاعا صفصفا!.

عرفنا الكثير ممن اقتحمت منازلهم وخرّبت محلاتهم، ولكننا لم نتردد لحظة في نسخ النصوص الصوتية التي ستلقي بنا إلى التهلكة!!!... كانت تهلكة نعلم معها بأننا سنكون في الجهة الأخرى من الموقف. الجهة التي ستطول بها قاماتنا ووعينا ومداركنا ومواقفنا في الحياة.

العدد 1988 - الخميس 14 فبراير 2008م الموافق 06 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً