العدد 2010 - الجمعة 07 مارس 2008م الموافق 28 صفر 1429هـ

«8 آذار» وشهادات من البحرينيات

كنا قبل ثلاثة وأربعين سنة سابقة، وتحديدا عند مؤشر منتصف القرن الماضي قد اجتمعنا في نادٍ للسيدات، النادي لم تكن له صلة قوية بالحركة الاجتماعية والسياسية وتأثيراتها، فنحن فئة من نساء النخبة اللاتي حصلن على التعليم وتمتعن بخبرة في العمل الخيري الذي كنا نمارسه في أنشطة مدارس البنات. كنا نعلم النساء الحياكة والطهي، وعرفتنا الصحافة عبر كتابات لإحداهن عن السفور وأخرى عن مفهومها لتحرير المجتمع من الاستعمار والمطالبة بالحريات. صحيح أننا لم نتأثر كثيرا وبعمق بالآراء السائدة التي كانت تحيط بالمناخ السياسي، بيد أن نشاطنا امتد إلى محو أمية المرأة وإنشاء رياض للأطفال ومشاغل حياكة وتقديم تبرعات ومساعدات وإقامة معارض وأسواق خيرية، أليست هذه الحزمة بعضا مما تتضمنه مشروعات التنمية وتسعى إلى تحقيقه أهداف الألفية ومشروعات التنمية العصرية؟!.

أمهات وربات بيوت وعاملات

كنا وقبل ثمانية وثلاثين سنة مضت، قد حصل بعضنا على التعليم الجامعي من الخارج بل ونشطنا في مجالات النشاط الطلابي السياسي في الخارج، فتعرفنا على ماهية الأحزاب السياسية وحركات التحرر العربية والعالمية، مارسنا إلى حد ما أصول النشاط التنظيمي النقابي وتصفحنا الدساتير ووضعنا برامج لنشاطنا العام، وتوجهنا بعدها بكل حيوية الشباب واندفاعه إلى المرأة في المدينة والريف معا، كان من الطبيعي البدء ببرامج محو الأمية والتوعية الأسرية والاجتماعية، تارة كنا نفعل ذلك بعفوية ودافعية وأخرى بتخطيط مسبق. تحولت اتجاهاتنا الفكرية والاجتماعية والسياسية التي تمحورت في خضم هواجسنا وانفعالاتنا المفعمة بالبناء والعطاء والأمل والسعي لأن تكون شمس الوطن مشرقة لا تغيب، فنحن في نهاية المطاف نساء مسئولات وأمهات وربات بيوت وعاملات، انعكس كل ذلك على إحداث تغير جذري في أهدافنا واهتماماتنا، فكنا مع كل خطوة نكتشف العوالم الجديدة ونخوض التجربة بإصرار وتحدٍ. تحملنا المسئولية وعانينا من فرط التزاماتنا واندفاعاتنا، فالتحديات والصعوبات غالبا ما انتصبت كالأشباح أمامنا، كنا يافعات وكبرنا، ومن تقدم منا في العمر وغادر، تخلدن في الذاكرة الوطنية، يافعات، بيد أن أصواتنا ثابتة ولم تكن مترددة أو خافتة كضوء مصباح الليل الحالك، كان يعلوها الرغبة في البناء والعطاء، لهذا وذاك تعمقت وجهتنا ومسيرتنا نحو ترسيخ المطالبة بحقوق النساء في التعليم والعمل والصحة وقضايا الأحوال الشخصية والحقوق السياسية.

تمردنا وتمردنا ليس حديث مناسبات

يتشعب السرد ويطول ولن ينتهي، فالسرد هنا ليس حديث مناسبات، وخصوصا أن نشأة نشاطنا وتمردنا قد تأسست على انتشار التعليم وبروز التنظيمات الاجتماعية والثقافية والسياسية، أهدافنا كانت في حقيقتها تعبيرا عن حاجات ملحة للمجتمع وتوجهاتٍ لأفراده الاجتماعية والسياسية، إذ كنا محكومين بتنامي المتغيرات الظرفية الاجتماعية منها الاقتصادية والسياسية، تماما كما يحدث الآن أمامكم في ظل ما تشهده الساحة من تطورات عابرة للمجتمعات الإنسانية. لاشك في أن أهداف بعضنا لم تكن واضحة، ولاسيما مع وجود فجوة بين الشعارات وترجمتها على صعيد الواقع، لكن صفحات تاريخ شعبنا لم تغفل تدوين آمالنا وطموحاتنا وعزيمتنا، فكان البعض منا قد أنشأ طوعيا ومن دون مقابل مادي، ودونما بهرجة إعلامية استعراضية للعرض المحلي والزينة الخارجية، أنشأ مراكز استماع ودعم وإرشاد أسري، كنا نضع أيادينا بالضبط على مواضع الألم والخلل ونستشعر بوعي ظواهر الفقر والتهميش وما تفرزه من تفكك أسري وارتفاع لحالات الطلاق، فكان أن حاولنا، نعم حاولنا بقدر المستطاع ومن دون مقابل مادي وبما توافر في حوزتنا من أدوات وآليات، لم تكن مثالية، لكنها كانت حاضرة بتواضعها في ظل غياب لرعاية الجهات الرسمية وإهمالها وتجاهلها. صدقنا ومثابرتنا وجديتنا والتزامنا بالعمل التطوعي وإصرارنا على تجاوز التحديات والصعوبات كان جواز سفرنا الذي كسبنا به ثقة المجتمع، كما كان عدتنا لرفع مستوى وعي أفراد الأسرة بحقوقهم وواجباتهم الأسرية والتعامل مع المشكلات الاجتماعية والنفسية والقانونية والوقاية منها، فنحن لم نكن إطارا مجوفا، بل كنا ولانزال نمثل شريانا تجري فيه دماء الوطن.

شاركنا في صناعة التغيير

لنتوقف هنا في هذه المحطة بالذات، فاليوم هو 8 مارس/ آذار، يوم المرأة العالمي حيث نساء العالم يستذكرن ماهية هذه المناسبة، ويصلن ويجلن في استذكار تضحياتهن وما قدمنه في شتى الميادين، الهدف من ذلك هو إيصال رسالة عن ظلم النساء العاملات وغير العاملات في هذا الكون، ومواصلة المطالبة بمساواتهن في الحقوق والواجبات وعدم التمييز ضدهن وإنصافهن، وهذا ما يجعلنا نمنح الفسحة لأصوات البحرينيات لكي يعبرن عن مكنوناتهن وخلاصة تجربتهن... لنواصل الاستماع إلى تلك الشهادات وبأقلامهن.

في كل الأحوال، كان نشاطنا مرهونا بمستويات وعينا وإدراكنا للمشاركة السياسية والنشاط العام، صحيح أنه تم في إطار أبعاد فكرية وايديولوجية، وفيما بعد تداخل مع الأبعاد التقليدية والدينية، فمزاج المجتمع كما تدركون محافظا ومتدينا لا يجوز تجاهله، صحيح أنه لم يتجاوز في إطاره العام، عن مظاهر العمل الخيري ومحو الأمية وبرامج التوعية الأسرية والصحية وتقديم إرشادات قانونية وبرامج للتدريب والتنمية، إلا أن الصحيح الذي لا يمكن شطبه بقلم وإنكاره وتجاهله أن العامة من البحرينيات كن حاضرات ومساهمات في صناعة المتغيرات النوعية التي طرأت في المجتمع. كيف؟ لنواصل القراءة...

حتى عهد وقت قريب، كان بعضنا قد عانى من المضايقات الأمنية وأخريات منا تم اعتقالهن بسبب نشاطهن السياسي، وهناك من فصلن من أعمالهن وتعرضهن للتحقيق الأمني بسبب مواقفهن الوطنية ومشاركتهن في اعتصامات أهالي المعتقلين السياسيين، ذلك حدث قبل ثمانية وثلاثين سنة، وبعدها بعشر سنوات، وبعدها أيضا بعشر سنوات، كان ولايزال. وتحديدا وقبل ثلاث عشرة سنة رفعنا العرائض المطلبية وطالبنا بعودة الدستور والمؤسسات الدستورية ووقف القمع ضد المواطنين، طالبنا كما غيرنا بالديمقراطية وحملنا عريضة أخرى مذيلة بتواقيع المئات من نساء البحرين، كان إلحاحنا شديدا ولايزال على المشاركة في صنع القرار السياسي، فمنع البعض منا من السفر وسحبت وثائق سفرهن، وفصلت من بيننا بعض الناشطات من أعمالهن، فقط لأنهن لم يسحبن تواقيعهن من العريضة، والأنكى حدث عند مواصلة الاعتقال والتحقيق لبعض الناشطات من التيار الديني الإسلامي الشيعي المعارض.

بدأنا نسمع ونقرأ كثيرا عن المنظمات الدولية والحقوقية المعنية بقضايا المرأة، فتأثرنا بخطاباتها وتواصلنا معها وطالبنا بتعديل تشريعات تخص النساء كقانون العمل في القطاع الأهلي والقانون المنظم للجمعيات الأهلية، وضغطنا باتجاه أن توقع الدولة على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة "السيداو" وحقوق الطفل، أسسنا لجنة للمطالبة بإقرار قانون للأحوال الشخصية الذي لم تبالِ لمطالبها الجهات الرسمية آنذاك، واصلنا عملية التوعية والتثقيف إيماننا منا بفعل التراكم الكمي لإحداث حلحة في المواقف، حدث ذلك بحسب مقدرتنا وإمكانياتنا، وشاركنا وكنا حاضرات حينما حانت لحظة المشاركة في الانتخابات التشريعية والبلدية خلال السنوات الأخيرة.

عقبات وتحديات مستمرة

اليوم لايزال أمامنا الكثير، ولاتزال العقبات تعترض مسيرتنا وتمنعنا أحيانا من تحقيق طموحاتنا، بعضها ممنوعات تتمثل في إجراءات بيروقراطية وعقوبات تستند إلى الإقصاء والتهميش أو الإشراف برقابة صارمة، وبعضها يمثل إشكالات ذاتية تخصنا تتأرجح في ظل المتغيرات المتسارعة والمستمرة، الأهم من هذا وذلك، وما يوجع القلب ويشكل هاجسا، يكمن في ترفع فلذات أكبادنا الشابات عن تولى مسئولية العطاء التطوعي للمجتمع، فهن مع الأسف لا يهتمون وغير مباليات، وهناك من لايزال من جهة أخرى، يحصر أدوارنا في إطار تحقيق أهداف سياسية أو ايديولوجية له أو الاثنين معا، هل نعاني قصورا ما؟ حتما، وربما يكمن أحدها في أن ما نطرحه من أهداف وبرامج غير قادر على جذب النساء والشابات. البحث عن الأسباب مشروع، وإعادة البناء بالدماء الجديدة مطلوب، كما لا يعقل أن نلج القرن الواحد والعشرين ونحن لانزال نجتر الخطاب ذاته، ونقوم بإعادة إنتاج واقعنا وتحديد دورنا فقط في مجال البيت والأسرة، وبالتالي ترسيخ تبعيّتنا وخضوعنا وامتثالنا لثقافة مقيدة وعادات وتقاليد تنقصها عناصر المواجهة والتحدي لزمن العولمة. نحتاج البدء من حيث انتهت نساء المجتمعات الناجحة، لا من نقطة الصفر في دائرة المربع الأول!

سلام لنساء البحرين، ودعوات بالخير والصحة والتجدد لربات البيوت والأمهات والعاملات.

*كاتبة بحرينية

العدد 2010 - الجمعة 07 مارس 2008م الموافق 28 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً