العدد 2290 - الجمعة 12 ديسمبر 2008م الموافق 13 ذي الحجة 1429هـ

ما هي الحرب المقبلة؟

«تكلفة الفرصة البديلة» عبارة يستخدمها الخبراء الاقتصاديون لوصف ثمن عدم أداء عمل ما، أي تبعات اختيار أمر محدد على حساب آخر.

وعلى المستهلك الذي يقود سيارته إلى العمل يوميا شراء سيارة وتكبد المصاريف الإضافية كالتأمين وفواتير المرآب والبنزين. ورغم أن فوائد اقتناء السيارة واضحة، فإن تكاليفها تأتي على حساب عمليات شراء أخرى، كإعادة تزيين المطبخ أو شراء منزل أقرب إلى مكان العمل.

يقوم الأشخاص باختيارات تحمل «تكاليف فرص بديلة» عشرات المرات يوميا، غالبا من دون تفكير أو مع القليل منه.

وفي غالبية الأحيان، لا يكون للأمر أهمية إذ إن القرارات صغيرة، كما هي عواقبها. وبين الحين والآخر، تأتي القرارات مصحوبة بنتائج كبيرة وطويلة الأمد. وعندما يحصل ذلك، يجب قياس المخاطر والفوائد والأخذ في الاعتبار جديا نتائج الخيارات الخاطئة.

يعيش الجيش الأميركي في الوقت الراهن حالة كهذه. وفي وقت يصف القادة العسكريون العراق بأنه دولة «هشة وقابلة للتراجع»، وفي ظل جنوح اهتمام الأمة إلى الصعوبات المتزايدة في أفغانستان، يحتد النقاش الذي تتضح معالمه على صفحات الجرائد العسكرية وفي مجموعات التفكير في واشنطن وفي المعاهد الدفاعية حول المسائل التي ستؤثر مباشرة على حياة الجنود الأميركيين وعائلاتهم، وعلى رفاهية الدول النامية، وعلى التأثير الذي تتركه المشاريع الأميركية حول العالم.

ويتركز هذا النقاش على السؤال الآتي: هل على الجيش الأميركي تكييف مؤسساته ليعكس الدروس الصعبة التي تعلمها في العراق؟ وثانيا وليس بأقل أهمية هل تريد أميركا الالتزام في بناء الأمم؟ قد يبدو مفاجئا أن الأجوبة التي أعطاها الناس على هذين السؤالين غير متوقعة في السياسة. فكثير ممن عارضوا الحرب على العراق على أساس أنها خيضت بناء على ادعاءات استخباراتية خاطئة يودون لو ترسل القوات الأميركية إلى مناطق تعاني من أزمات إنسانية كدارفور. لكن الدروس من حربي العراق وأفغانستان والحرب الشاملة على الإرهاب ستكون مركزية في هذا النوع من التعهدات الطويلة الأمد.

في الوقت ذاته، فإن من يدعون أن الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين كان عملا شرعيا بالاستناد إلى مقولة أن الحروب الوقائية يجب أن تخاض لحماية المصالح الاستراتيجية لأميركا أو للاقتصاص من الذين يدعمون الإرهاب وهذا صلب عقيدة الرئيس الأميركي جورج بوش، قد يعارضون استخدام الجيش الأميركي لتأدية دور «شرطة العالم» وحماية تلاميذ المدارس في ميانمار أو بناء المستشفيات في هاييتي. ولكن قرار اهم هو ما دفع بالجيش إلى خوض نزاع بدا فيه عجزه عن تأمين الاستقرار وبناء السلام جليا إلى حد مؤلم.

إن التغيير المرتقب في الإدارة يشكل فرصة طبيعية لإعادة النظر في التحذير المألوف والباهت بأن العالم تغير بعد 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وبالتالي بات على الرغبة الأميركية في مواجهة أعدائها أن تتبدل. وفي هذا المفصل التاريخي، من المهم أن نسأل: هل ما زال الأميركيون يؤمنون بهذه المقولة؟ وإذا كان الجواب إيجابيا، هل هم مستعدون لتكبد الكلفة من حيث عديد الجنود والمال والوقت بالإضافة إلى ثمن عدم القيام بعمل آخر؟ يجسد وزير الدفاع روبرت غيتس الذي حل في منصبه خلفا لدونالد رامسفيلد المستقيل بعد انتخابات 2006 بالنسبة إلى كثير من الديمقراطيين والجمهوريين على السواء ذاك المتمرس الموزون الذي يؤمل أن يحل على رأس المؤسسة العسكرية. وقد أظهرت خطابته أنه رجل متزن.

وانتقد غيتس في وقت سابق هذا العام في كلمة ألقاها في معهد القوات الجوية في كولورادو ما اعتبره نقصا في التوازن العسكري، وهو داء أسماه بـ»التهاب الحرب المقبلة».

ويبدو هذا الداء الذي اختار له غيتس تعبيرا طبيا مزمنا أكثر منه عرضيا. وقد أراد به وزير الدفاع الإشارة إلى ميل المؤسسة العسكرية إلى التركيز على الحروب المستقبلية على حساب التحضير والتجهيز لخوض الحروب التي تشنها القوات الأميركية في الوقت الراهن.

وفي سبتمبر الماضي، هذه المرة في كلية الدفاع الوطني، اختار غيتس التطرق إلى هذه المسألة والتوسع في شرحها.

وقال «عندما تطرقت إلى التهاب الحرب المقبلة، لم أعبر عن معارضتي التفكير بالمستقبل والتحضير له. فذلك سيكون عملا غير مسئول، وهذا ما تقوم به الغالبية الساحقة في البنتاغون وأجهزة الاستخبارات. كان هدفي القول بأنه لا يجوز ببساطة أن نشغل أنفسنا بالتحضير للنزاعات العادية والاستراتيجية المستقبلية لدرجة أن نهمل على المديين القريب والبعيد كل القدرات المطلوبة للفوز بالنزاعات التي نعيشها اليوم».

قد يبدو غريبا أن يجد وزير الدفاع ضرورة في أن يقول للعسكريين «انتصروا في الحروب التي تخوضونها». ولكن الأمر ليس بهذه السهولة. وغيتس يسير على حبل رفيع يفصل بين حقائق العالم المعقد الذي نعيشه اليوم ويعيق القدرة على ردع أو شن عملية واسعة النطاق في نزاعات عادية مستقبلية.

ومن خلال قوله هذا يسأل غيتس: هل إن البلاد تسير في اتجاه عراق أو أفغانستان آخرين دولتان فاشلتان تحتاجان إلى إعادة إعمار بنيوية بدلا من اتجاهها إلى خوض حرب ضد دولة كروسيا والصين؟ غيتس وكثر غيره يظنون ذلك.

وسأل غيتس «صحيح أن الولايات المتحدة ستُدفع باتجاه خوض حرب تقليدية في مكان آخر في مهلة قصيرة، ولكن كما قلت في السابق، في أي مكان في الأرض سنفعل ذلك؟» وعلى رغم الأذى الذي سببته روسيا أخيرا في جورجيا، والذي جدد المخاوف من اندلاع الحرب الباردة، شرح غيتس في خطابه أن قدرات الكرملين وأهدافه تختلف تماما اليوم عما كانت عليه في السابق، وهي نتيجة لرغبته (أي الكرملين) «بطرد أشباح الإذلال الذي حصل والسيطرة على الجار القريب ، وليس شن حملة إيديولوجية للسيطرة على العالم».

والحال ، يقول غيتس: على الرد الأميركي ألا يعود إلى سباق التسلح النووي والعسكري الذي شهدناه في الثمانينيات. عوضا عن ذلك، ينظر غيتس في ما إذا كان يجب مأسسة عملية التكيف، التي حصلت على مدى السنوات السبع الماضية بإعادة الجنود الأميركيين النظر في التكتيك العسكري والمعدات والعتاد والأسلحة في العراق وأفغانستان.

وفي ما يشكك البعض بفاعلية التكتيك العسكري للجيش الأميركي، يسأل البعض الآخر هل على الجيش أن يشكل محطة واحدة ووحيدة لإعادة بناء دولة. وهم قلقون من خسارة الجيش لقدرته على القتال وعلى الانتصار في الحروب المقبلة خلال عمله في بناء الطرق وجمع النفايات وتأمين الكهرباء وتدريب الشرطة

العدد 2290 - الجمعة 12 ديسمبر 2008م الموافق 13 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً