العدد 2024 - الجمعة 21 مارس 2008م الموافق 13 ربيع الاول 1429هـ

الطائفية والمستفيد منها

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

بداية لا بد من الإقرار بأن التمييز الطائفي في البحرين واقع ملموس؛ لأن المجتمع البحريني على رغم تكون غالبيته من طائفتين فإن التمييز واقع في داخل الطائفتين، فهناك منعمّون وهناك محرومون، والولاء هو سيد الموقف.

ولو حاولنا وضع أيدينا على الموضوع لوجدنا أن أصل التمييز الطائفي سياسي، فبعض العائلات الشيعية التي كان ولاؤها للسلطة مضمونا حصلت على الكثير من المزايا، لم يحصل عليها الآخرون، فلم يكن معيار الكفاءة هو الأصل، ولذلك فإن التمييز بدأ سياسيّا وانتهى طائفيّا، فالتمييز الطائفي تمييز سياسي، وتمييز لاعتبارات الولاء والقبلية.

حاليّا، أصبحت الطائفية تتحكم في الكثير من المفاصل، وهذا يعني أن أمامنا الكثير لمعالجة الآثار المترتبة والوقوف على النتائج، فمن خلال التشخيص الحالي يتضّح أن هناك تمييزا طائفيّا، والمشكلة تتفاقم يوما بعد يوم، حتى صار الأمر بحاجة إلى حوارات مع القيادة السياسية؛ لكونها إلى الآن لا تعترف بوجود مشكلة قائمة، فكيف لها أن تخطط في القضاء عليها؟

إن التمييز الطائفي حقيقة، وإذا أردنا أن نفصّل أكثر في التشخيص نضطر أن نقول إن مشروع الطائفية المشروع المستورد من الخارج، وتحديدا من أميركا بعد أن جربته في العراق، ووجدت نتائجه، اشترته الأنظمة العربية منها بثمن بخس، كما استوردت الخبراء والمستشارين لتقديم أطروحاتهم وبرامجهم واستراتيجياتهم الطائفية. وما شهدناه في بعض التقارير جزء من الحقيقة الغائبة، والنتائج وللأسف الشديد بتنا نحصدها، فالبعض يحاول جاهدا إحداث شرخ بين السنة والشيعة وإيجاد توتر طائفي دائم؛ لتحقيق أهدافه، والقادم أسوأ إذا ما رأينا أن المجنّس المستقبل له والمواطنون سيظلون على قارعة الطريق.

ويلاحظ أن هناك اتجاها أخيرا إلى تقنين التمييز، ولعل أبرز مثال على ذلك هو توزيع الدوائر الانتخابية؛ لضمان غالبية في التمثيل السني، وبهذا فقد حصلت المحافظة الجنوبية قليلة السكان وذات الغالبية السنية على 6 مقاعد، في حين حصلت المحافظة الشمالية، ذات الكثافة السكانية الكبيرة والغالبية الشيعية على 9 مقاعد، فرقٌ شاسع غير مبرر.

عملت الحكومة على الاستمرار في سياساتها من أجل إحداث التغيير الديموغرافي؛ من خلال منح الجنسية لغير البحرينيين؛ لتقليل الغالبية الشيعية، وسمحت لهم بممارسة حقوقهم السياسية كناخبين.

والمحزن أن لدينا برلمانا المفترض أن نطرح فيه همومنا، ولكن ما يؤسف له أن التركيبة الحالية لمجلس النواب لا تبشّر بخير، ولا تسمح بتحقيق إنجازات فاعلة في هذا الملف السياسي الحساس، حاله كحال بقية الملفات السياسية المهمة التي يجب أن تنجز، والأسباب كثيرة ولعل أبرزها كونه هو الآخر مبتليا بالطائفية في الطرح والتعاطي مع الملفات. وأكبر مثال على ذلك ما سعت إليه كتلة الوفاق لتشكيل لجنة تحقيق في موضوع التمييز الوظيفي، وما لقيته من اصطفاف طائفي حال دون تشكيل اللجنة لتعارض الملف مع المصالح الشخصية لبعض قيادات الكتل في البرلمان من جهة، ولكونه لا يمثل أولوية أو مشكلة لدى بعض الكتل، فضلا عن أن إثارة الملف يعني حرمانهم من امتيازات لهم ولجماعتهم. وما تنقله الصحافة لنا من مقتطفات ودردشات تتمّ بين النواب لهو أكبر دليل على طائفية البعض، فضلا أن هناك عراقيل موضوعة من الجانب الرسمي لمنع تحريك هذا الملف برلمانيّا، والدولة إذا ما مارست التمييز سينعكس ذلك على ثقافة المجتمع. ما يعني أن هناك حالة من الصعوبة في إنجاز ملف التمييز؛ لغياب الإرادات الإصلاحية أولا وتجاهل السلطة للمشكلة ثانيّا. والأسباب والعراقيل الأخرى تأتي على شكل مسلسل متعدد الحلقات لا ينتهي.

ومما لا شك فيه أنّ استمرار الوضع على ما هو عليه من تخندق طائفي ليس في مصلحة البحرين، وعلى الحكومة أن تعترف بذنبها، فقد ساهمت في ذلك عندما رسمت الدوائر الانتخابية بشكل طائفي، ما نتج عنه مجلس نيابي مبتلى بالطائفية، وعليه يجب أن تعيد النظر في الدوائر الانتخابية بشكل جاد، وعليها أن تضع الخطط الاستراتيجية لمواجهة ما اقترفته، ولا بد من العمل على إصلاح دستوري حقيقي. وأظن أن إنشاء هيئة مستقلة تضمّ الجانبين الرسمي والشعبي مهمتها مكافحة التمييز الطائفي لهو أمر مهم، من مهماتها الرصد والمتابعة؛ والعمل على معالجة ومحاربة التمييز الطائفي، ومحاسبة المتسببين فيه، والعمل على تشريع قوانين تعاقب على ممارسة التمييز من خلال تفعيل الأدوات الرقابية وفتحها أمام المجلس النيابي ليكون المجال مفتوحا له لاستجواب الوزراء المتورطين.

إن العمل على إلغاء مظاهر التمييز بما فيها مظاهر الوساطة والمحسوبية وتوريث الوظائف العامة يحتاج إلى إرادة وإلى قناعة تامة ويحتاج إلى اعتماد معايير تعتمد على الكفاءة والنزاهة، فتداعيات التمييز الطائفي خطيرة وسلبية، ومن شأنها أن تؤثّر على استقرار البلد وازدهاره.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 2024 - الجمعة 21 مارس 2008م الموافق 13 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً