العدد 273 - الخميس 05 يونيو 2003م الموافق 04 ربيع الثاني 1424هـ

الحوار الهادئ بين مختلف التوجهات هو المطلوب

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

« إننا أحرار في اختيار مواقفنا، ولكننا لسنا أحرارا في اختيار عواقب تلك المواقف»... لعل هذه المقولة كانت قد غابت عن بال الرموز السياسية التي قررت المضي في نهج معين، سواء كان ذلك بالمقاطعة أو بالمشاركة في الانتخابات.

وفي الواقع فإن المتحركين سياسيا يتراوحون بين اتجاهين، نوع تهمه الدوافع والمبادئ والأيديولوجيا، ونوع آخر يهتم بالنتائج والعواقب.

والحكمة هي في التفكير في الجانبين معا لكي لا يخسر إنسان ما مبادئه وهو يسعى إلى تحقيق نتائج معينة، كما انه لا يخسر ما هو مستحق له - بالتركيز على الأيديولوجيا - بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى.

الأيديولوجيون تسهل عليهم عملية اتخاذ القرارات الحاسمة، وخصوصا مع وجود حشد جماهيري أو عاطفي يدفع باتجاه معين، ومع تصعيد لغة الحديث والحوار لإشباع رغبات الحشد فإن المواقف الأيديولوجية تزداد حدة وصرامة، ولا تفسح المجال لمواقف أخرى تنظر الى عواقب وتكاليف هذه القرارات.

الحديث يعود هذه الأيام عن المقاطعة أو المشاركة في العملية السياسية، والجانبان لديهما الكثير من المبررات. وهذا شيء صحي، أن يطرح كل جانب أفكاره وآراءه بعيدا عن الحماس الذي يرعب من لديه فكرة أخرى. والإرعاب والتخويف لم يكن من جانب الجماهير فقط، وإنما من جانب الحكومة أيضا.

ففي العام الماضي خاف كثير من الناس من عواقب ما سيحصل لهم فيما لو اتخذوا موقفا يناصر المعارضة، وبالتالي اتخذوا قرارا يخالف قناعاتهم. وعلى الطرف الآخر، فإن هناك أناسا يودون المشاركة ولكنهم خافوا من عواقب ما سيحصل لهم من الجماهير المقاطعة، فانكفأوا على أنفسهم.

وفي العام الماضي اتصل بي عدد كبير من الناس يسألون عن الموقف وكانوا محتارين فيما إذا كان الصالح في المشاركة أم في المقاطعة. ولكن أغرب شيئين كانا اتصالان، الأول من شخص قال إنه يمثل مجموعة من فئة «البدون» الذين حصلوا على الجنسية، وان هذه المجموعة تشعر بالامتنان للذين ضحوا من أجل حصول الجميع على حقوقهم. ولذلك فإنهم يودون الاصطفاف مع الأكثرية من هذا الجمهور ولكنهم أيضا يخافون عواقب قرارهم، وقد يتهمون اتهامات معينة لاحقا.

شخص آخر، وهو رجل كبير في السن، جاء بعد يوم من انتهاء الانتخابات وسلمني رسالة طلب ورجاء: أن يفتح باب التصويت ولو الى يوم واحد آخر لكي يتمكن من التصويت. أخبرته بأن التصويت انتهى ولا يمكن فتح المجال لمن لم يصوت في اليوم المحدد. إلا أن الرجل كان مصرا وقال: لقد كنت في السعودية ولم أكن موجودا، وأبنائي لم يصوتوا لأنهم من المقاطعين، وأنا خائف عليهم لأنهم كانوا معتقلين وغير مسموح لهم بالعمل، وأخاف أن يتهمونا بشيء في المستقبل. بعد فترة من الإقناع بأن القيادة السياسية والحكومة لن تفعل شيئا لأولاده خرج من المكتب وهو غير مقتنع بما أقول.

على الجانب الآخر، أعرف أناسا كانوا يريدون التصويت، ولكنهم فضّلوا الاختفاء عبر السفر أو إغلاق الباب على أنفسهم خوفا من اتهامهم بالخنوع والاستسلام واللهاث وراء «المنح» الحكومية.

اللغتان المستخدمتان في الدفع بهذا الاتجاه أو ذلك الاتجاه منعتا الحوار الأكثر نفعا، وربما نجد أن عددا من الرموز والكوادر النوعية تنسحب من الجمعيات السياسية ومن الساحة، وربما تبحث لها عن عمل خارج السياسية أو خارج البحرين هربا من «وجع الرأس».

ولكننا يمكن ان نتحاور بهدوء الآن مع انتهاء دورة البرلمان الأولى وبعد استعداد كثير من الناس لفتح الملفات ومناقشتها بهدوء سواء كانت بهذا الاتجاه أو ذاك. وحوار المصارحة الذي بدأ بين عدد من الجمعيات السياسية حديثا يعتبر صحيا، والجمعيات تحتاج إلى حوار مصارحة في داخلها أيضا، قبل أن تتفكك صفوفها.

مهما كان الأمر، فإن النتائج العملية هي التي تحرك الواقع. وفيما إذا وجدت الجماهير أن بعض أعضاء المجلس النيابي، ومع كل النواقص والعيوب، بدأوا يحققون ولو جزءا يسيرا من مطالب الناس، وانهم تمكنوا من تحسين وضع المتضررين من المشكلات المختلفة، فإن كثيرا من الناس سيبدأون في تغيير مواقفهم من دون إعلان ذلك.

القضايا الحساسة التي تهم المواطنين بدأت تتحرك على السطح، والذين يحركونها ليسوا هم أنفسهم الذين كانوا يتصدرون الساحة قبل عام، ولعل أهم الشخصيات المتصدية هم أعضاء في المجلس النيابي، وهؤلاء بدأت شعبيتهم تزداد في أوساط الناس الذين يتوجهون نحو من يدافع عنهم.

ما نحن بحاجة إليه هو الحوار البعيد عن التخويف الحكومي أو التخويف الأيديولوجي، وقد نصل إلى نتيجة معينة سواء كانت بهذا الاتجاه أو بذلك الاتجاه.

وهناك أيضا حاجة لفسح المجال أمام خيارات متعددة ضمن الاتجاه الواحد؛ فـ «الوفاق» تتصدر جماهير من كان يطلق عليهم في التسعينات جماهير «الانتفاضة»، وهؤلاء حجمهم كبير وآراؤهم متعددة، وينبغي أن يفسح المجال لمن لديه آراء أخرى ويود المشاركة، أو يود أن يكون مع المقاطعة

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 273 - الخميس 05 يونيو 2003م الموافق 04 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً