العدد 273 - الخميس 05 يونيو 2003م الموافق 04 ربيع الثاني 1424هـ

اليابان والعراق... الفارق بين احتلالين

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

ظهرت حديثا اراء حاول اصحابها عقد مقارنة بين احتلال الولايات المتحدة لليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية (اغسطس/آب 1945) وبين احتلالها للعراق، زاعمين ان نموذج الاحتلال الاميركي لليابان قد ينطبق على العراق الذي قد يستفيد لجهة تطويره اقتصاديا واجتماعيا، ناهيك عن ان الاحتلال سيكون قصيرا في مدته. غير ان نقاد هذا الطرح يقولون إن ذلك لا يقدم اي درس للوضع في العراق، اذ من السهل تحريك الجيوش لغزو دولة اجنبية ولكن من الصعب اخراجهم منها.

فاحتلال اليابان لا يقدم سوى القليل مما يمكن مقارنته كنموذج لما يمكن توقعه من العراق. فقد تعاون رئيس حكومة اليابان آنذاك يوشيدا وبالتالي كل مواطنيه مع المنتصرين. ولم تكن هناك احتجاجات ضد الاميركيين بعد هزيمة اليابان، ولم يقع حادث عنف او اي عمل مقاومة ضد قوات الاحتلال، وتفسر الظروف التي احاطت بالوضع في اليابان ذلك.

فالبنيان الاساسي للحكومة اليابانية ظل سليما بعد الحرب، بدءا من الامبراطور في القمة حتى البيروقراطية المركزية القوية إلى المستويات الشعبية العادية. وتماسكت كل الاطياف السياسية الواسعة من المحافظين إلى الحزب الشيوعي على الموضوع خلافا لما هو عليه الوضع الديني والاثني والعشائري القبلي في العراق. كما ان الحاكم العسكري - المدني بول بريمر قام بتدمير بنيان الدولة العراقية.

كما أن قوات الغزو الاميركي لم تصل إلى طوكيو كما وصلت إلى بغداد قاطرة معها شرذمة من المعارضين في الخارج اعدهم «البنتاغون» لقيادة العراق. ولم يخل احتلال اليابان بالتأكيد من الفوضى والفساد، وجرى سلب الامدادات العسكرية في الاسبوعين ما بين اذاعة استسلام الامبراطور ووصول اول دعم من القوات الاميركية. وقام بالنهب مسئولون عسكريون ومدنيون وكبار رجال الاعمال وتم تحويل المسروقات إلى السوق السوداء في الفترة ما بين 1945 حتى العام 1949.

ولم تقم عصابات منظمة بتحميل سيارات الشحن والباصات من المتاحف الكبرى، ولم يجرد الرعاع المكاتب من اثاثها ومحتوياتها. ولم تقم قوات الاحتلال بهدم والغاء مؤسسات الدولة وطرد موظفيها إلى الشوارع.

وقدم الاميركيون بقيادة الجنرال ماك آرثر جدول اصلاحات كاسحة اهمها دستور جديد اقام سيادة شعبية وجعل الامبراطور مجرد «رمز» وضمن الحقوق المدنية الامر الذي جعل الناس يقبلون بالديمقراطية والاصلاحات.

والعراق في حاله الراهنة لا يماثل التجربة التاريخية لليابان.

نموذج مغاير

ان الحالة اليابانية تقدم اختلافا حادا لما يظهر في العراق من الناحية الاقتصادية، لان الاميركيين الذين يؤمنون بشكل قوي بحكومة صغيرة وتجارة كبيرة يتحركون لفرض نموذج من الرأسمالية سيذهب على الاقل جزءا كبيرا من ثروة العراق الطبيعية إلى الشركات الاميركية، بينما كانت اليابان تفتقر إلى الثروة الطبيعية، ولم تكن هناك مصالح اقتصادية خارجية تتحفز للدخول اليها كما هي الحال الآن بالنسبة إلى العراق الغني بالنفط وتوجد معارضة داخلية للتدخل الاميركي. وفي اليابان لم تكن هناك جهة خارجية تريد الاستحواذ على الاقتصاد عموما كما الحال الآن.

كما توجد خلافات صارخة بين السياسات الاقتصادية التي اتبعت في اليابان المحتلة والاجندة التي يجرى تقديمها إلى العراق من الإدارة الاميركية. وبعيدا عن الافكار المثالية الدولية للدمقرطة الاقتصادية، فإن المخططين الاميركيين اتبعوا اجندة صارمة تماما يمكن تلخيصها بالقول «انها موالية للدولة ومعادية للاجنبي». اوكل للادارة دور رئيسي في وضع الاولويات وتوجيه ما يسمى إعادة الإعمار في العراق.

غنائم الحرب

عمدت الإدارة الأميركية فور احتلالها العراق إلى نشر الكثير من السيناريوهات الاقتصادية المتداخلة التي تشمل السيطرة على النفط وعقود إعادة الاعمار المربحة وجداول الاعمال الايديولوجية بالخصخصة الكاسحة، إلى الحديث عن غنائم الحرب اعطيت عقودها إلى شركات اميركية ترتبط بشكل وثيق مع الحزب الجمهوري وإدارة بوش مثل شركة «بكتل» و«هاليبرتون».

إن ايديولوجية بوش المعلنة عن «حرية السوق» لا يمكن الا ان تؤثر على الولاءات السياسية التي يتبعها الزعماء الاميركيون او على كيفية محاولتهم اقامة حكومة عراقية جديدة والتأثير عليها او سن القوانين.

وخلافا لما كان الحال عليه في اليابان فإن الكثير من العراقيين الذين يعتزمون السيطرة على مصيرهم والمحافظة على مصالحهم فإنهم يرون انهم يواجهون امبراطورية اميركية جديدة. وليس غريبا ان الصيحات التي ارتفعت ولا تزال في وجه قوات الاحتلال «اخرجوا من بلادنا وعودوا إلى بلادكم بسرعة» تحولت على الفور إلى اعمال مقاومة مسلحة يرى الكثير من المحللين انها ستتعاظم

العدد 273 - الخميس 05 يونيو 2003م الموافق 04 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً