العدد 295 - الجمعة 27 يونيو 2003م الموافق 26 ربيع الثاني 1424هـ

استراتيجيّة المقاومة العراقيّة

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

لا تزال المساعي الحثيثة من قبل الاميركيين تسير باتجاه معرفة مصير الرئيس صدّام حسين. هل قتل؟ هل لا يزال على قيد الحياة؟ هل اختفاؤه وتسليم العاصمة بغداد بهذه السهولة هما من ضمن استراتيجيّة طويلة الامد اعتمدها وبدأنا نرى ملامحها الآن؟ هل يهمّ اميركا ان تثبت ان الرئيس صدّام اصبح في عداد الاموات؟ طبعا نعم، فالامر سيعتبر ضربة نفسيّة ومعنويّة كبيرة للمناصرين البعثيين التابعين له. هذا عدا عن إثبات قدرتها على ضرب القيادات، وخصوصا بعد ان عجزت عن قتل بن لادن. وهي حتما لا تريد ان تثبّت هذه الصورة النمطيّة السلبيّة عنها، وهي اعظم دولة في العالم.

وعلى رغم تقليل الوزير الاميركي دونالد رامسفيلد من اهميّة العمليات العسكريّة ضدّ القوات الاميركيّة في العراق فإنه لا يمكن لايّ خبير عسكري أو غيره ومراقب لما يجري إلاّ ان يضع هذه العمليّات في خانة المقاومة للاحتلال.

بماذا تتميّز أيّة مقاومة؟

تتميّز عمليات المقاومة للاحتلال عن غيرها من الحروب، بأنها تدور بين شعب البلد المحتّل والقوات المحتلّة عادة.

يكون ميزان القوى عادة لصالح القوات المحتلّة، وهذا طبيعي لان هذه القوات استطاعت اصلا السيطرة على البلاد بسبب قوتها. ومع الوقت وتآكل إرادة القوات المحتلّة على البقاء يصبح زمام المبادرة في يد المقاومة. إذا العلاقة هي ما بين قويّ وضعيف، إنها الحرب اللاتماثليّة Asymmetric Warfare والتي تبدأ عادة بمقاومة ضعيفة لا تملك الاجهزة البشريّة والعتاد اللازم. كذلك الامر، تبدأ مع قيادات شابة غير معروفة، ولكنها تؤمن بالقضيّة. ومع الوقت واستمرار المقاومة وتحقيق النجاحات، تتحوّل هذه القيادات إلى قيادات تاريخيّة. هكذا حصل مع القيادات في فيتنام، الجزائر وفرنسا وغيرها. كذلك الامر، تبدأ شرارة المقاومة في نقطة معيّنة من البلاد، وتنتشر مع الوقت لتعمّ كل الارض المحتلّة.

والسؤال: هل ينطبق هذا الوضع على ما يجري في العراق؟

في البند الاوّل، يمكننا القول إن حرب المقاومة التي تدور في العراق، هي بين قسم من الشعب وضد كل القوات المحتلّة. حتى ان القوات المحتلّة كانت أتت ايضا بناء على طلب ومساعدة المعارضة العراقيّة، حتى ولو اعتبرنا في تفسير آخر أن لاميركا مصالح حيويّة في المنطقة.

يميل ميزان القوى حاليّا وبامتياز، لصالح القوات الاميركيّة المحتلّة. فهي لا تزال في المراحل الاولى لعمليّة احتلالها للعراق. حتى ان أحد أسباب احتلالها للعراق، كان لنشر الديمقراطيّة، وهذا شيء فريد في تاريخ حروب الاستعمار، وفي تاريخ الامبراطوريّات المهيمنة. لذلك لا يمكن لنا الآن الحديث عن تآكل إرادة القوات المحتلّة، فالثمن المدفوع حتى الآن لا يزال مقبولا على الصعيدين العسكري كما السياسي. وبسبب هذا الوضع يبقى زمام المبادرة في يد الاميركيّين، ولكن هذه الحرب التي تدور الآن هي حتما لا تماثليّة وبامتياز.

أما فيما خصّ البند الثالث، فيمكننا قول ما يأتي:

تبدو العمليات العسكريّة حتى الآن، ضعيفة وخجولة. فهي لا تزال فتيّة، لم يمرّ عليها اشهر معيّنة.

ولكنها (أي المقاومة) تملك الموارد البشريّة وبكثرة. فالجيش العراقي لم يقاتل الاميركيّين كما يقاتل أي جيش دفاعا عن ارضه وشرفه. لكن الذي ينقصه، قد يكون في مجال ترتيب عملية القيادة والسيطرة، وما يستتبعها من امور تتعلّق بإدارة العمليات، والاستخبارات.

كما أننا لا نعرف حتى الآن، من هي القيادة الشابة والتي قد تصبح تاريخيّة، والتي ستقود العمليات الحاليّة ضد القوات الاميركيّة». لكن الاكيد أن هذه العمليات العسكريّة ضد القوات الاميركيّة، كانت قد بدأت في منطقة جغرافيّة معيّنة من العراق. وتركّزت كل العمليات حتى الآن في المناطق المحيطة بالعاصمة بغداد، والتي هي بأغلبيتها من الطائفة السنيّة.

ما الجديد على الساحة العراقيّة؟

بدأت المقاومة أخيرا، بضرب البنى التحتيّة المتعلّقة بالثروة النفطيّة. وهي تناولت البنى الموجودة قرب العاصمة بغداد حتى وصلت إلى شمالي تكريت وإلى الحدود السوريّة. كذلك الامر، اقدمت المقاومة العراقيّة على قتل 6 جنود من القوات البريطانيّة جنوبي بلدة العمارة. كما كمنت لنفس القوات شمالي العمارة، إذ جُرح 8 جنود من التابعيّة نفسها. وتقع بلدة العمارة، في جنوب العراق، وشمالي مدينة البصرة حيث الكثافة الشيعيّة.

ما تفسير هذه العمليات النوعيّة الجديدة؟

إذ لم يحدث في الجنوب العراقي حتى الآن سوى التظاهرات ضد القوات الانجليزية والاميركيّة، والتي انتهت كلّها تقريبا دون حوادث مهمّة تُذكر.

الشيء الجديد الآن، هو في العمليات العسكريّة ضد القوات الانجليزيّة، والخطير في هذه العمليات انها حصدت وبسرعة ثمنا عاليا تمثّل في ستّة قتلى.

الجديد ايضا، هو في المنطقة التي جرت فيها هذه العمليات، إنها في الجنوب الشيعي. فما الذي يجري حاليا؟ وعلينا الآن، ان نطرح الاسئلة الآتية:

هل المقاومون هم أنفسهم مقاومو الوسط العراقي والشمال؟ هل أصبحت المقاومة الآن، شيعيّة - سنيّة؟ وهل تحالفت القوى التي كانت تكره وتقاتل بعضها بكراهيّة منذ فترة؟أم هل أن المقاومة نفسها، والتي تقود العمليات حول العاصمة بغداد قد امتدّت إلى الجنوب؟هل لهذا الامر علاقة بما يجري من شدّ حبال، وعضّ أصابع بين إيران والولايات المتحدة؟هل اتخذت إيران قرار المواجهة المباشرة والمجابهة للولايات المتحدّة الاميركيّة؟ وهل هي قادرة على ذلك؟وأخيرا وليس آخرا، هل صدّام حسين أو أحد اولاده، هم من يقود هذه المقاومة؟

وللجواب على هذه الأسئلة، يمكننا تقديم التفسيرات الآتية: فيما يخصّ ضرب البنى التحتيّة، والمتعلّقة بانابيب النفط. يبدو أن المقاومة تعمل بمخطّط مدروس جدا، يهدف إلى إفشال المشروع الاميركي، وخصوصا المتعلّق منه بالنفط وبإعادة إعمار العراق؛ فالبنى التحتيّة تشكّل مراكز ثقل المشروع الاميركي، وإذا ما ضُربت، فقد يعني هذا الامر تأخّر التنفيذ، وبالتالي فشل الاميركيين. وإن ضرب مراكز الثقل قد يعني انعكاسا سلبيّا على حياة العراقيّين اليوميّة، وخصوصا في شقّها المعيشي. فهم لا يملكون حاليّا سوى النفط مصدرا للثروة. فإذا ما توقّف هذا المرفق، فإن اللوم سيقع حتما على الاميركيّين، الامر الذي قد يجعل الناس تنضمّ إلى عمليات المقاومة، فتزداد هذه المقاومة مع الوقت. في هذا الوضع، يصبح الوجود الاميركي هو المشكلة الاساسيّة، بدل ان يكون الحلّ.

وفيما يخص العمليات ضد القوات العسكرية الاميركيّة منها والانجليزيّة. يبدو ان المقاومة تريد توسيع مساحة عملياتها بحيث تجعل عمل القوات المحتلّة صعبا جدا. فمن المفروض مثلا وبعد العمليات في الجنوب ضد القوات الانجليزية أن تأخذ هذه القوات تدابير امنيّة مشدّدة. وقد تؤدّي هذه التدابير إلى إزعاج المواطنين هناك، الامر الذي قد يؤدّي إلى تأليبهم ضد الانجليز. كما ان العمليات ضد الانجليز في الجنوب، ستضع حتما الكثير من الضغوطات السياسيّة على طوني بلير، الامر الذي قد يؤدّي إلى استقالته، وخصوصا ان حزبه الخاص كان قد اصبح معارضا له.

إن توسيع العمليات العسكريّة إلى الجنوب وضد الانجليز، سيزيد ويرفع من معنويّات المقاومين، وسيرسل اشارات مهّمة الى من يعنيهم الامر بأنه لا يوجد مكان آمن للقوات المحتلّة. وقد يبقى هذا الامر منوطا بانتقال عمليات المقاومة إلى الشمال الكردي. إن العمليات ضد الانجليز، ستردع حتما حلفاء اميركا من إرسال قواتهم إلى العراق، وذلك بعد أن كثُر الحديث عن هذا الامر.

إن توسيع العمليات ضد القوات المحتلّة، سيجعل صورة أميركا ضعيفة امام الرأي العام العالمي، وخصوصا امام المسلمين، وتحديدا المجاهدين منهم.

إذا اعتبرنا أن اميركا أتت إلى العراق لتحقيق الاهداف الآتية: نزع اسلحة الدمار الشامل، ضرب الارهاب ولسبب إنساني. فلا يبدو أن اميركا الآن في مرحلة تحقيق هذه الاهداف. فأسلحة الدمار الشامل لم توجد بعد. والارهاب بحسب التوصيف الاميركي، بدأ بالظهور ضدّها، وهي عاجزة عن ضربه. فيبقى أمر السبب الانساني، فهل اميركا انسانيّة إلى هذا الحدّ؟ وهل يجب على اميركا ان تدفع ثمنا باهظا لاسباب انسانيّة فقط؟ إنه أمر قابل للطعن.

إذا، في ظلّ عدم العثور على اسلحة دمار شامل، وفي ظل استمرار المقاومة، وفي ظل ذهاب صدّام حسين. ستبدو عمليات المقاومة وكأنها عمليات دفاعيّة مشروعة، كما كانت المقاومة في جنوب لبنان.

في الختام، يمكننا القول إن المقاومة تستعمل استراتيجيّة اميركا نفسها لقتالها. فعندما دخلت اميركا العراق، كانت قد ركّزت على مراكز الثقل العراقيّة في حربها. نجحت اميركا حتى الآن، والدليل هو وجودها في بلاد ما بين النهرين. والآن تستعمل المقاومة اسلوب التركيز على مراكز ثقل القوات الاميركية؛ فهي تضرب البُعد الاقتصادي المعيشي عبر التركيز على البُنى التحتيّة النفطيّة. كذلك الامر تضرب العنصر البشري وهو الاهم على الصعيد الاميركي والانجليزي الداخلي. فهل ستنجح هذه المقاومة؟ إنه لأمر ممكن، ولكنه لا بد من الانتظار طويلا. فلننتظر..

العدد 295 - الجمعة 27 يونيو 2003م الموافق 26 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً