العدد 322 - الخميس 24 يوليو 2003م الموافق 25 جمادى الأولى 1424هـ

مواقف وحوادث جديرة بالتأمل والمقارنة

بين البرلمان البحريني والبريطاني:

الزخم الاعلامي المصاحب للتحقيقات المثارة من قبل أجهزة السلطة التشريعية في الولايات المتحدة وبريطانيا فيما يتعلق بقيام الادارتين بفبركة تقارير الاستخبارات عن أسلحة الدمار الشامل العراقية وإضافة بعض المعلومات غير الصحيحة أو تزويرها لتبرير شن الحرب على العراق تحت ذريعة نزع هذه الاسلحة وتدميرها ووضع حد لبرنامج العراق النووي تهيئ الاجواء ربما لمواجهات أسخن في مراحل قادمة مع اقتراب موعد الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة الاميركية وان كان مناهضو ا لحرب ومعارضو سياسة الإدارة الاميركية في الولايات المتحدة في هذه المرحلة والى حد ما أقل حيلة في مواجهة اللوبي المسيطر على البيت الابيض والذي يتحكم في كثير من مفاصل الحياة السياسية والاعلامية الاميركية فإن معارضي الحرب في بريطانيا ربما كانوا اكثر إصرارا وحزما في محاسبة حكومة بلير ومواجهتها بالحقائق التي اسفرت عنها التحقيقات لاسيما وان خروج اكثر من مليون شخص من كافة الاحزاب السياسية ومن غير المنتمين للاحزاب إلى شوارع لندن في واحدة من أكبر التظاهرات التي شهدتها بريطانيا لابد وأن يكون له تأثيره في دفع لجنة الشئون الخارجية ولجنة شئون الاستخبارات والأمن في مجلس العموم البريطاني للتحقيق في هذا الأمر ولتخصيص إحدى جلساته لمساءلة رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير عن التقارير التي استند اليها في جزمه بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل.

والموقف الجدير بالتأمل والمقارنة وعلى رغم الفرق في تاريخ التجربتين الديمقراطيتين في بريطانيا وفي البحرين هو ان الرقابة والمحاسبة المفترضة كنتائج للديمقراطية وفصل السلطات ودولة مؤسسات المجتمع المدني وسيادة القانون تبدأ عندنا بتشديد الرقابة على السلطة الرابعة اي الصحافة وذلك من خلال محاكمات الصحافيين ورؤساء تحرير الصحف لانهم يسمحون بنشر أخبار عن وقائع حدثت بالفعل لا يمنع القانون نشرها أو لسماحهم بنشر آراء لمواطنين يمارسون حقهم الذي كفله لهم الدستور والقانون في التعبير عن آرائهم فيما يخص عمل السلطات الثلاث ومن يمثلها أو فيما يخص القوانين والقرارات وآليات تطبيقها والتي لم تشرع الا لإدارة شئون الدولة والمجتمع والافراد في حين أن السلطة الرابعة في بريطاني تعتبر أحد اشكال الرقابة المجتمعية وحتى رئيس الوزراء الذي يعتبر رأس السلطة التنفيذية يخضع للرقابة والمحاسبة ويمكن لمراسل في هيئة الاذاعة البريطانية كـ (اندرو كليجان) ان يعلن في برنامجه الاخباري (اليوم) دون خوف أو تردد بأن الحكومة ضخمت تقارير الاستخبارات لتبرير شن الحرب ويعلن أنه حصل على هذه المعلومات من مصدر في الاستخبارات البريطانية ويرفض الكشف عنه ويقوم البرلمان بدعوة نواب من مختلف دول العالم لحضور هذه المحاسبة وربما شكل هذا كما يتصور البعض انتهاكا من قبل مجلس العموم لخصوصية الشأن المحلي لبريطانيا ونشر لغسيل السلطة التنفيذية وامتهان لكرامة رئيس الوزراء البريطاني ما يجعله في موقف لا يحسد عليه إذ سيكون مادة دسمة للصحافة العالمية و(فرجة) لنواب العالم وقد يؤثر ذلك على مكانة بريطانيا ولو حدث هذا في كثير من الدول العربية مع مسئول أقل شأنا في السلطة التنفيذية وفي مسائل أقل أهمية لسمعنا نظريات وهتافا وشعارات من الوزن الثقيل على شاكلة (تفتيت الوحدة الوطنية واثارة النعرات الطائفية والعبث بالأمن القومي ومؤامرة من تدبير القوى الامبريالية... إلى آخره من الشعارات التي تؤدي في نهاية المطاف إلى غلق الملف وبقاء الوضع على ما هو عليه) واجزم انه سيتم رفع دعوى قضائية بحجة القذف والتشهير والاساءة على كل من يتجرأ بفتح ملفات من هذا النوع إذ كيف يمكن مناقشة أو محاسبة أي مسئول في إدارات الدولة فيما اصدره من قرارات أو حتى الايحاء بتقصيره ودوره في نشوء وضع غير قانوني في الإدارة التي يرأسها وهو النزيه المترفع عن الصغائر القابض على حقائق الأمور لا يأتيه الباطل لا عن يمينه ولا شماله.

والمحصلة الجديرة بالتأمل - حسب اعتقادي - هي ان الصدقية كمعيار تعتبر عاملا جوهريا في تقييم سياسة الدولة والرجال الذين يمثلون هذه السياسة وان الدول والحكومات التي تعتمد في سياساتها مبادئ الرقابة والمحاسبة والشفافية وحرية الوصول إلى المعلومة والابواب المفتوحة و(نشر الغسيل) مهما أدى التمسك بهذه المبادئ إلى هزات أو ارباكات، لاتزال في مقدمة الركب الحضاري ولم يؤثر ذلك على اقتصادها أو على قدرتها على جذب الاستثمارات بشكل يعيق التنمية الاجتماعية ونحن العرب وعلى رغم كل محاولاتنا لستر عوراتنا واستخدام كل تقنيات الحضارة لتبييض ملابسنا من خلال التحرك غير المنظم والمفكك والذي لا يستند على منهجية واضحة لمواجهة آفة الفساد والاستبداد فإننا مازلنا في مؤخرة الركب سياسيا وتنمويا واقتصاديا وذلك باعتقادي لسببين أولا: أن النظام الراسخ القائم على أسس ديمقراطية حقيقية قادر على امتصاص الصدمات ووضع الحلول للمشكلات بأقل الاضرار للمجتمع. والسبب الآخر هو أن استيراد الديمقراطية كأية سلعة ربما يحقق الفائدة لبعض الوقت ولكنه لا يخلق اكتفاء ذاتيا دون فهم جوهرها واستيعاب تقنيتها وتهيئها وتهيئة الوضع لتصنيعها محليا من خلال نشر ثقافة الديمقراطية وربما هنا وجه الصعوبة لاسباب كثيرة ولكني ومع اختلاف الموضوع أجد اختزالا لها في مقطع من قصيدة للكاتب والشاعر أحمد الشملان قال فيه:

(من يخلق الماء ليس كمن غرف

العدد 322 - الخميس 24 يوليو 2003م الموافق 25 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً