تحت شعار «عالم واحد - ثقافتان - عالم غير محدود» ينعقد في الفترة من 82 إلى 03 من هذ الشهر في مدينة ديترويت الأميركية المنتدى الاقتصادي العربي الأميركي. وحددت مطويات الترويج للمؤتمر رؤيته في «توثيق العلاقة وتوحيد الشعوب الراغبة في تبادل الفرص التقنية والارتقاء بالتطور البشري وفي الولايات المتحدة والبلاد العربية.
أما المهمة التي من أجلها انعقد المنتدى فهي (وبحسب المطويات أيضا) ممارسة دور العامل المساعد في التفاعل الهادف إلى العمل أو التغيير من خلال جمع القادة الأميركان والعرب لتسهيل مشروعات التعاون الاقتصادي والحوار الحضاري والإبداع.
وفيما يتعلق باستراتيجيات المنتدى (وبحسب المطويات مرة أخرى) فهي:
- ترويج وتقوية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة والعالم العربي.
- البحث عن فرص تقنية وإبداعية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم العربي.
- التركيز على مساحات التفاهم الحضاري المشتركة بين الولايات المتحدة والعالم العربي.
- فتح المجال أمام المشاركين للتعرف على حالات النجاح وأفضل سبل تنفيذ الاتجاهات والتطويرات بشأن قضايا أساسية.
- دفع الحضارة الأميركية - العربية من خلال تعزيز دور المرأة، وتطوير دور الأجيال الشابة وإصلاح التعليم وتحرير وسائل الإعلام.
- صهر تعاون القطاعين الخاص والعام من أجل تحقيق نجاحات في الاقتصاد العالمي الجديد
- دعم إسهامات الإميركان المنحدرين من أصول عربية في الاقتصاد والمجتمع الإميركي على حد سواء.
يشارك في هذا المنتدى (كما يؤكده موقع المنتدى على الإنترنت (http://www.usaeforum.org/2003/Home/) نخبة من الشخصيات المرموقة على الصعيدين السياسي والاقتصادي من بينها على سبيل المثال لا الحصر: وزير الخارجية الأميركي كولن باول، الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، ولي عهد مملكة البحرين سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، وزير خارجية المملكة العربية السعودية سعود الفيصل، رئيس شركة جنرال موتورز ريتشارد واغنر، الرئيس التنفيذي لشركة بوينغ د. فيليب كوندت... إلخ.
أهمية المنتدى الاقتصادي
إذا وضعنا جانبا الأهداف السياسية والاستراتيجية وسلطنا الأضواء على الجوانب الاقتصادية والمالية فقط، فبوسعنا حصر أهمها في النقاط الآتية:
- تتبلور الآن معالم اقتصاد عالمي جديد تمارس فيه التكتلات وليس البلدان الدور الأهم فيه. ومن ثم فالعلاقات الإقليمية لها السيادة بدلا من العلاقات القطرية.
- تتداخل التكنولوجيا في الأعمال بشكل جديد ومتطور بحيث بات البناء الاقتصادي العالمي يقوم على مدى متانة نسيج العلاقة بين التكنولوجيا والأعمال أو الاقتصاد.
- تعاني العلاقات العربية الأميركية على الصعيد الاقتصادي من بعض التوتر الذي تحاول الولايات المتحدة تقليصه.
- تواجه الاقتصادات العربية تحديا صارخا في العلاقات التي تطمح في بنائها مع الاقتصاد الأميركي من جراء التفات هذا الاخير نحو الأسواق الكبرى ذات المهارات البشرية العالية وغير المكلفة مثل الهند وبعض دول جنوب شرق آسيا.
- فشل مستوى وكفاءة أداء اقتصاد الخدمات العربي في منافسة أسواق أخرى في دول العالم الثالث، ما أدى إلى نزوح الاستثمارات الأميركية نحو تلك البلدان متجاوزة بذلك البلاد العربية التي لم تنجح حتى الآن في جذب تلك الاستثمارات.
مشروع أميركي واضح المعالم
إذا أعدنا النظر فيما ورد في مطلع هذا المقال بشأن شعار المنتدى ورؤيته وعناصر استراتيجيته، سنكتشف أن الولايات المتحدة تحضر المنتدى وفي جعبتها تصور كامل لما تريد تحقيقه من وراء عقده، وهو ما تؤكده الشخصيات الأميركية المشاركة. فبالإضافة إلى الأسماء الواردة أعلاه، هناك كريغ باتل من شركة إنتل لصناعة جذاذات الحاسوب، والسيدة كارلي فلورينا الرئيس التنفيذي لشركة هيولت و بكارد.
ومن ثم فإن الإميركان يريدون - وهذا من حقهم - نيل الأهداف الآتية:
1- إطلاع أصحاب القرار العرب - ساسة ورجال أعمال - على العلاقة المستقبلية التي يريدون تطويرها بين المؤسسات الأميركية ونظيراتها العربية سواء كان في القطاع العام او القطاع الخاص.
2- قطع الطريق او ملؤه بالصعوبات أمام الاقتصادات المنافسة أوروبية كانت أم آسيوية لتقليص حصتها في أسواق البلاد العربية.
3- استشفاف ما لدى البلاد العربية من توجهات اقتصادية مستقبلية (إن وجدت) لتحاشي أية تغييرات أو مفاجآت ليس في وسع الاقتصاد الأميركي ولا من مصلحته ان يتعرض لها، في هذه المرحلة بالذات.
هذا يعني أنه بعد الانتهاء من شكليات البرامج والفعاليات الرسمية ستأتي المؤسسات الأميركية - كل حسب اختصاصه وحقل انتاجه - لتضع امام الوفود العربية ما تريده من المنتدى ومن ثم من تلك الوفود.
بداوة عربية غير مبررة
ازاء هذا الحضور والوضوح الأميركيين من المتوقع ان نشاهد حالة مماثلة لدى الوفود العربية. لكن الواقع أبعد ما يكون عن الطموحات. فمن الواضح أن الوفود العربية على اختلاف تمثيلها ليس بين يديها أو في حقائبها مشروعات واضحة المعالم بوسعها ان تضعها على طاولات المفاوضات. هذا يعطينا الحق في وضع علامة استفهام كبيرة أمام مشروعاتها من جهة، ويبيح لنا وصف الحالة العربية على النحو الآتي من جهة ثانية:
1- يصعب القول عن مشروع عربي متكامل اللهم إلا إذا توهمنا أن الأمين العام لجامعة الدول العربية هو الذي سيتولى او المخول بطرح التصور العربي، هذا في حال ما إذا كان هناك تصور.
2- حتى دول مجلس التعاون لم يرشح في وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية ما يشير إلى ان هناك أي شكل من أشكال التنسيق - حتى في حدوده الدنيا - بينها.
4- الأمر ذاته ينطبق على كل دولة على حدة، فلم يتنام إلى أسماعنا عن دولة لديها النية في طرح مشروع متكامل أمام المؤسسات الأميركية.
لذلك فما أشبه الوفود العربية المشاركة بشعراء العرب الذين كانوا يشاركون في منتدى عكاظ إذ يأتي كل منهم بقصيدة عصماء يلقيها أمام الملأ لينال الإعجاب الذي يعقبه تصفيق. ربما كانت سوق عكاظ حالة متطورة بالمقياس الزمني، لكنها من غير شك لا تلائم مجتمع القرن الواحد والعشرين إذ العولمة والاقتصاد الرقمي. وحيث تتزاحم دول العالم الثالث أمام أسواق الاستثمارات الأجنبية بما فيها الأميركية.
لذلك فالمتوقع في المنتدى أن يتحفنا القادة العرب بكلمات عصماء تتحدث عن عموميات تطالب الأميركان بالإنصات إلى «صوت العقل العربي» إن كانوا - أي الأميركان - جادين من وجهة النظر العربية في بناء علاقات عربية أميركية حميمة. والنتيجة المتوقعة في هذه الحالة سيل من إلقاء اللوم على الآخر الذي فشل في فهم اطروحاتنا المتقدمة.
دبي الاستثناء العربي الوحيد
عند استعراض أسماء الوفود العربية يلفت النظر مشاركة الشيخة لبنى القاسمي من دبي. ويرتبط اسم لبنى القاسمي بحكومة دبي على المستوى السياسي، وبمشروع دبي للأعمال الإلكترونية المعروف باسم (بوابة تجاري) «www.tijari.com». هذا يعني أن دبي - كما يبدو هي الدولة العربية الوحيدة المشاركة في المنتدى وفق رؤية واضحة أو لتقديم مشروع محدد المعالم.
هذا لا يضع حول لبنى أو دبي إطارا من التأليه او انشداه، لكنه بالقدر ذاته يعطي كل ذي حق حقه. فمما لاشك فيه أن دبي لم تشغلها أنشطة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهي مكثفة وبحاجة الى تضافر جهود لا يستهان بها عن المشاركة في المنتدى و بمشروع محدد المعالم.
ومن الطبيعي هنا ان نتساءل أين موقع مملكة البحرين، وهي من بين الرعاة الأساسيين للمنتدى من الاعراب؟ كل ما رشح رسميا هو كلمة يلقيها سمو ولي العهد، وأخرى يلقيها وزير المالية عبدالله حسن سيف. أما القطاع الخاص فهناك وفد يمثل غرفة صناعة وتجارة البحرين يترأسه رئيس الغرفة خالد محمد كانو.
أي من الوفدين لم يقل ما أهدافه من المشاركة. وعلى حد علمنا - ونرجو ان نكون على خطأ - ليس هناك أي تنسيق بينها يصل إلى مستوى الحدث ذاته.
في هذا السياق من حق المواطن البحريني ان يضع امام الوفد الرسمي - ممثل المملكة - مجموعة من علامات الاستفهام من بين أهمها:
1- ما الأهداف البحرينية من وراء الرعاية أولا والمشاركة ثانيا؟
2- ما المشروعات التي سيضعها وفد المملكة الرسمي أو ممثل القطاع الخاص على طاولة ورش العمل التي ستقام خلال فترة انعقاد المنتدى؟
4- ما المقاييس التي وفقها ستتم تقويم درجة النجاح أو الفشل بعد العودة من المنتدى؟
هذا غيض من فيض ونتمنى للجميع طيب الإقامة وحسن الأداء، لكن ذلك لا يمنع همومنا البحرينية من ان تطفوا على سطح منتدى مدينة ديترويت الأميركية.
العدد 383 - الثلثاء 23 سبتمبر 2003م الموافق 27 رجب 1424هـ