العدد 2631 - الأربعاء 18 نوفمبر 2009م الموافق 01 ذي الحجة 1430هـ

من سجن جدا إلى القلعة إلى زنزانة رقم 1

«أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» (5)

صدر مؤخرا في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب يتناول سيرة المناضل البحريني أحمد الشملان بعنوان «أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» من تأليف زوجة المناضل الشملان فوزية مطر. صدر الكتاب في 1024 صفحة من القطع الكبير، ويضم أحد عشر فصلا متبوعة بملحقي صور ووثائق.

أوائل أغسطس 1971 وصل أحمد الشملان إلى بيروت لحضور اجتماع استثنائي للجنة المركزية وبجانب موضوعها الرئيس (توحيد الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل والجبهة الوطنية الديمقراطية لتحرير عمان والخليج العربي)، تطرقت مناقشات الدورة الاستثنائية لأمور تنظيمية كان من ضمنها طرح انتقادات وإدانات وجهت لأحمد الشملان. كانت فترة انعقاد الاجتماع الاستثنائي للجنة المركزية أغسطس 1971 فترة عصيبة بالنسبة للشملان سواء داخل الاجتماعات أو خارجها، فقد وجد تيارا محاربا له في غير جانب، قال أحمد إنه كان هناك توجه لدى بعض الرفاق لطرح نقد مشدد له حول عدة قضايا تم تجميعها وشعر بمحاولات هدفها تضييق خناق النقد عليه والسعي لإدانته وإقصائه. دارت مناقشات عدة داخل الاجتماعات وعلى هامشها حول عدد من المهام التي كانت مناطة به وحول بعض مواقفه ورؤاه الفكرية والسياسية، وقال انه ناقش مع الرفاق الانتقادات والإدانات الموجهة له ودافع عن وجهات نظره ومواقفه. يعلق الشملان قائلا: «انقضى أغسطس 1971 وقد تكوّن لديّ شعور بأن طريقي النضالي في هذا التنظيم مليء بأشواك ليس الاختلاف الفكري والسياسي فحسب بل وبمحاولات التشكيك والمحاربة والإقصاء».

يذكر أحمد الشملان أنه منذ دار في فكره ترك العمل النضالي في صفوف الحركة الثورية الشعبية كان أكثر ما يعذبه مسألة التوقف عن النضال الوطني الذي نذر له حياته مذ كان طالبا في المدرسة، وقال انه في ذلك الوقت شعر فعلا بقربه الفكري والسياسي من رؤى وطروحات جبهة التحرير الوطني البحرانية ورأى فيها التنظيم الذي سيمكِّنه الانتماء إليه مواصلة عطائه النضالي وفق قناعاته.

وجبهة التحرير الوطني البحرانية كانت التنظيم السري الذي تأسس في 15 فبراير 1955 كأول تنظيم حزبي ينشأ في البحرين برؤية مستمدة من نظرية الاشتراكية العلمية.

بعد أن أخذ ما يكفي من الوقت للتفكير حسم أحمد الشملان أمره بمغادرة صفوف الحركة الثورية الشعبية ووصل في يناير 1972 إلى بيروت قادما من الكويت، وهناك التقى ببعض الرفاق من اللجنة التنفيذية وأخبرهم بقراره النهائي. وفي الفترة ذاتها التقى الشملان مع صديقه عبدالله البنعلي القيادي بجبهة التحرير الوطني البحرانية وأطلعه على ما اتخذه من قرار بترك صفوف الحركة الثورية الشعبية، وتحدث معه عن رغبته في الانضمام لصفوف جبهة التحرير، وقد أوصاه البنعلي بعرض الأمر على الرفاق في البحرين.

وصل أحمد الشملان البحرين مساء الجمعة 29 يناير 1972 قادما من دمشق بعد غياب دام عاما ونصف تقريبا، وفي التاسعة من صباح اليوم التالي السبت 30 يناير 1972 تم اعتقاله ليبقى في المعتقل مدة عامين. يقول الشملان: «أجرى معي الضابط الانجليزي «هيجنز» تحقيقا لم يستمر أكثر من سبع دقائق، ويبدو أنه كان مخططا منذ البداية لاعتقالي اعتقالا طويلا، ففي خلال نصف ساعة لا أكثر كنت أعبر البحر على متن سفينة الشرطة متجها مباشرة إلى سجن جزيرة «جدا» التي ينقل لها عادة من تنتهي المخابرات من أمره فترسله بقرار اعتقال طويل، وكانت تلك هي ثاني زيارة لي إلى سجن «جدا». ظل الشملان في سجن بيت الدولة طوال فترة اعتقاله من 30 يناير 1972 حتى الإفراج عنه في 26 يناير 1974.

بعد اطلاق سراحه عاد أحمد الشملان إلى الحياة في البحرين بعد غياب استغرق ثلاثة أعوام ونصف قضى منها عامين في المعتقل، وبدأ يدخل شيئا فشيئا نسيج الحياة والحراك المجتمعي الذي كان يتصاعد في ظل ما أتاحه أول دستور يصدر لدولة البحرين المستقلة من حريات الرأي والصحافة وحريات التجمع وتكوين النقابات والمطالبة بالحقوق. كان على رأس ما يشغل الشملان العودة للعمل النضالي والمساهمة بدور فاعل في الحراك المجتمعي الذي كان في ذروته فترة المجلس الوطني.

تطلع أحمد الشملان للمشاركة الفاعلة وتطلع في الوقت ذاته الى أن يتحدد بشكل واضح ارتباطه مع جبهة التحرير الوطني البحرانية، وقد ظل الأمر معلقا فترة الاعتقال التي امتدت من يناير 1972 الى يناير 1974. وبعد الإفراج عنه بدأ الربط التنظيمي لأحمد الشملان بجبهة التحرير الوطني البحرانية ربطا فرديا من خلال أحد الرفاق في لجنة القيادة.

كان أمام أحمد الشملان خمسة أشهر فقط ليتمتع بأنفاس الحرية في حضن الوطن قبل أن يعاد اعتقاله في 24 يونيو 1974، وقد مرت الخمسة أشهر على أحمد زاخرة بالكثير من الفاعلية والنشاط وخاصة في مجال التوعية النقابية والتثقيف الجماهيري. خلال فترة عمل المجلس الوطني وفي ظل أجواء الانفتاح وهامش الحريات التي ضمنها الدستور نشطت عناصر جبهة التحرير الوطني ونواب كتلة الشعب ومعهم ناشطو النقابات العمالية والمهنية في العمل الجماهيري وتحريك الشارع فبدأت تعقد الأنشطة التوعوية واللقاءات الجماهيرية، وتبلور توجه نشط نحو تأسيس النقابات العمالية والمهنية.

في تلك الأجواء وجد أحمد الشملان المناخ ملائما لينشط ويسهم بعطائه في التوعية الجماهيرية، فبعد شهر ونصف على إطلاق سراحه كانت تجري على قدم وساق استعدادات الناشطين السياسيين والعماليين المدعومين من جبهة التحرير الوطني للاحتفال بأول مايو «عيد العمال العالمي» لأول مرة في تاريخ البحرين، وقد تحقق النجاح في هذا المسعى وأعلن عن تنظيم مهرجان احتفالي في نادي البحرين بالمحرق. انضم الشملان إلى عضوية اللجنة المنظمة للمهرجان، وأعد كلمة ألقاها في الاحتفال باسم اللجنة.

من جانب آخر، كان الحراك واسعا على تأسيس النقابات العمالية فقد تأسست نقابتا ألبا والصحة وأعقب إعلان النقابتين نشاط تثقيفي واسع فكثرت الندوات والاجتماعات العمالية في مواقع العمل وفي نوادي العاصمة والمحرق والقرى العديدة. في صيف العام 1974 وفي إطار النشاط التثقيفي قدم أحمد الشملان بعض المحاضرات والندوات في الأندية (نادي أم الحصم ونادي النسور بالمنامة) تناولت موضوع النقابات العمالية، كما شارك في دورة نقابية بنادي «رأس رمان».

كان الحراك الجماهيري واسعا على كافة الصعد وقد تعددت الإضرابات العمالية وبلغت في النصف الأول من 1974 63 إضرابا عماليا شملت العديد من المؤسسات التي تملك نصفها شركات أجنبية، تصاعد الحراك الجماهيري وتوسعت حركة المطالبات بالحقوق وتأسيس النقابات والإضرابات العمالية ورفع العرائض مما سبب إزعاجا كبيرا للحكومة التي قررت وضع حد لذلك، وفي جلسة سرية للمجلس الوطني حصلت الحكومة على تخويل باتخاذ الإجراءات الأمنية «اللازمة»، وهكذا بدأت الاعتقالات.

فجر 24 يونيو 1974 تم اعتقال أحمد الشملان وقد تتابعت دفعات المعتقلين حتى بلغ العدد 30 معتقلا غالبهم من تيار جبهة التحرير، وقد نقل الجميع في صباح اليوم نفسه إلى سجن «جدا».

في 14 يوليو 1974 وقّع المعتقلون رسالة نداء واحتجاج طالبوا فيها بالتحقيق معهم أو الإفراج عنهم وأرسلوها الى السلطة والى العالم، وقد نشرت الرسالة بمجلة «الطليعة» الكويتية، وبعد هذه الحادثة أخذوا ينقلونهم بغرض فصلهم عن بعض. وبعد نداء الاحتجاج أعلن المعتقلون إضرابا عن الطعام في سجن «جدا» مرض خلاله أحمد الشملان ووقع في أحد الأيام مغشيا عليه، كان الشملان يُنقل بين سجن «القلعة» وسجن «جدا» لدواعي العلاج، وفي مطلع شهر أغسطس نقل الى سجن «القلعة».

قال أحمد الشملان يصف ما حدث له: «كان يتكرر نقلي بين «جدا» و»القلعة» وفي أغسطس 1974 نقلت ضمن مجموعة الى سجن «القلعة» وقد أودعوني زنزانة رقم واحد التي كنا نطلق عليها «أم البول» والتي تعتبر أسوأ زنزانة وتستخدم للعقاب، ولا أعرف على ماذا كانوا يعاقبونني. في 15 أغسطس 1974 دخلنا أطول إضراب عن الطعام بناء على الأسباب التي جاءت في الرسالة الصادرة عن المعتقلين، كان جو سجن «القلعة» جحيما لا يطاق في حر أغسطس القاسي، وقد ساءت حالتي الصحية في تلك الزنزانة وحصلت لي مضاعفات خطيرة وشعرت أن الحياة لن تطول بي في ذلك الوضع الرهيب، أخضعوني للعلاج أكثر من مرة وحينما لاحظوا خطورة حالتي نقلوني للمستشفى وأكرهوني على فك الإضراب وحينما أعادوني لم أودع في رقم واحد بل نقلت الى إحدى زنازن السجناء المحكومين، ظللت هناك فترة ثم نقلت من جديد الى سجن جزيرة «جدا».

خلال عطلة المجلس الوطني أصدرت السلطة التنفيذية بتاريخ 22 أكتوبر 1974 مرسوما بقانون بشأن تدابير أمن الدولة الذي وقف أعضاء كتل المجلس وقفة واحدة ضده لتعارضه مع أحكام الدستور. وارتباطا بالتطورات المذكورة جرى التعامل مع المعتقلين تمهيدا لتطبيق المرسوم بقانون بشأن تدابير أمن الدولة عليهم وكان أحمد الشملان ضمن أول مجموعة معتقلين طبق عليها قانون أمن الدولة.

يوضح الشملان: «في أكتوبر 1974 أفرج عن جميع المعتقلين ما عدا خمسة هم أحمد الذوادي وأحمد الشملان وعباس عواجي وعبدالهادي خلف ويوسف العجاجي، وكان المجلس الوطني لا يزال يعقد جلساته وقد طُرح عليه إقرار مرسوم بقانون بشأن تدابير أمن الدولة. بقينا في سجن «جدا» الى نهاية ديسمبر وفي يناير 1975 نقلنا مرة أخرى إلى سجن «القلعة» بقصد تقديمنا للمحاكمة، ووفقا لقانون أمن الدولة لم يمدد لنا أنا وعبدالهادي خلف وأطلقوا سراحنا بتاريخ 25 فبراير 1975 وظل بالمعتقل أحمد الذوادي ويوسف العجاجي وعباس عواجي.

ما إن خرج أحمد الشملان من المعتقل حتى أخذ يرتب أمور سفره الى بيروت ومنها الى موسكو للدراسة.

العدد 2631 - الأربعاء 18 نوفمبر 2009م الموافق 01 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً