العدد 2680 - الأربعاء 06 يناير 2010م الموافق 20 محرم 1431هـ

تجهيز متطلبات البناء

بناء العريش قديما...

لقد حدث تطور ملحوظ في طريقة بناء البيوت في البحرين منذ القدم حتى وقتنا الحاضر، وقد عرف شعب البحرين منذ قديم الزمان العديد من طرز البيوت وطرق بنائها وبذلك تعتبر طرق بناء البيوت ثقافة مستقلة بذاتها إلا أننا لا يمكن أن نفصلها عن ثقافة النخلة فهناك كمٌّ كبير من القواسم المشتركة بينهما، فقد كانت البيتوت التي تبنى بأجزاء مختلفة من النخلة من أوائل البيوت التي عرفت منذ القدم حيث بنى شعب البحرين في الماضي بيوتا من سعف النخيل وجذوعه وأليافه ومع مرور الزمن تطورت طريقة بناء تلك البيوت وتباينت فنتج عن ذلك أنواع مختلفة منها تصنع لأغراض مختلفة، وقد كان أبسط تلك الأبنية التي بنيت هي «الطيارة» ثم بدأت بعدها التعقيدات في البناء حيث يلي «الطيارة» من حيث التعقيد في البناء «العنة» ثم «العشة» وبعدها «العريش» ومنه طرز مختلفة كالمدچچ والمگنبر والمعرش وغيرها والتي سنناقشها لاحقا، ويلي العريش في التعقيد «البرستج» وأخيرا هناك البيت الذي يبنى نصفه بالجصّ والحجارة وهو «الكبر». وكانت تلك البيوت تبنى لتسكن بصورة دائمة أو تبنى في المضاعن بصورة مؤقتة. والمضعن هو منطقة تسكن في فترة مؤقتة كقضاء فترى الصيف فيها، أو فترة صرام النخيل، أو لأي سبب آخر. وقد تفنن الناس قديما في بناء تلك المنازل، و قبل أن نتناول أنواع تلك المنازل، نعرض أولا التجهيزات لبناء تلك المنازل والأشخاص الذين تخصصوا للقيام بوظائف أو مهن معينة لتحضير تلك التجهيزات.


المهن المختلفة اللازمة لبناء البيوت القديمة

هناك طاقم كبير من المهنيين يساهمون في بناء البيوت القديمة وكل شخص فيهم يقوم بمهنة معينة مستقلا عن الآخر بحيث يوفر كل شخص منهم جزء من متطلبات بناء البيوت القديمة كالعريش أو غيره وهؤلاء المهنيين هم:

1 - المموِّلون للمواد الأولية

في جزء سابق ذكرنا بعض القوانين التي تنظم عملية قطع السعف أو أي جزء آخر من النخلة دون استشارة المالك وهناك عقوبات وغرامات لمن يخالف تلك التنظيمات ولاحظنا أن قطع سعفة واحدة بدون أي سبب يستلزم العقوبات، كل ذلك بسبب أن تلك الأجزاء لها ثمن، فهناك باعة متخصصون في بيع أجزاء النخلة كالسعف والجريد والخوص، وأحيانا يتم استيراد تلك الأجزاء لو لزم الأمر، فيحدثنا بعض من كبار السن الذين عملوا في تجارة الخوص حيث كانوا يستوردونه من شرق الجزيرة العربية وكانوا يضطرون للسفر عدة مرات في الشهر لتوفير الخوص وجلبه في خياش حيث يباع بالوزن وكذلك هو الحال مع السعف والجريد والليف والجذوع.

2 - المسجن أو المجدع

وتسمى المهنة التجديع أو التسجين وهي صناعة عمل الجذوع وقطع الجسور ويقوم بهذا العمل المسجن أو المجدع، الذي يعمد إلى جذوع النخل فيقسمها إلى قطع كبيرة، ثم يفصلها إلى شرائح، وهي الجذوع التي تستخدم لتسقيف المنازل، وعادة تتخذ من جذوع النخلة الصلبة، كنخلة الخنيزي والغره وغيرها، أما إذا كانت من فئة الخلاص فتقسم النخلة إلى قطع كبيرة وتنجر وتستعمل للجسور لقوتها. أما النخيل الهشة أو الميتة، فتقطع إلى قطع صغيرة وتستعمل للوقود.

3 - صانع الحبال

تعرف حرفة صناعة الحبال باسم «فتل الحبال» وتعتبر من الحرف الشاقة التي كانت تمتهن في السابق. ويصنع الحبل من «ليف» النخيل وهو عبارة عن نسيج رقيق ينمو على جذع النخلة، و يتم الحصول على الليف بقطع النخلة التي لا يستفاد منها أو لا تنتج ثمرا جيدا و يمكن الحصول عليه أيضا بقطع السعف مع الجزء الغليظ المرتبط بجذع النخلة أي (الكربة) وأحيانا يستخرج الليف من النخلة بواسطة عملية يدوية تعرف «بالتمشيع» دون اللجوء إلى أية عملية قطع. وتعتمد عملية فتل الحبال على تمزيق نسيج الليف ثم يوضع في الماء حتى يبتل ويلين ويسهل استخدامه، وينفش جيدا ويتم استبعاد الليف غير الصالح لفتل الحبال. يقوم الحرفي بعد ذلك ببرمه على شكل سلفات كثيرة ويقال لها تية، وذلك بحجم ما تحتاج إليه لفتل الحبال، إذ تؤخذ هذه التية براحة اليد، ومعها تية أخرى، ثم يتم برم هذه التيات بواسطة راحتي اليدين وتفتل بشكل جيد حتى يتكون منها حبل طويل متين متجانس الشكل.

ويتم برم أنواع عدة، ومنها: مربوع ومثلوث ومثني، و عملية البرم هذه تتم كالتالي: يكون العامل جالسا ويمدّ أحد رجليه مستخدما إصبع الرجل «الإبهام» مع الإصبع المحاور له كماسك ويكون الحبل من ثلاثة خيوط يلفه بالتناوب بما يشبه الحلزون حول بعضها مستغلا أن لا ينتهي اثنين مع بعض حتى يضع إضافة عليهما وذلك حتى لا يضعف قوة الحبال وهكذا تستمر العملية إلى الطول المطلوب للحبال، وعندما يراد حبلا أسمك فإن هذه الحبال الدقيقة تستخدم كخيوط وهكذا تتكرر العملية.

4 - المزفن

وهو الذي يقوم بصنع «الزفن» وهو عبارة عن مصدّات أو سور يصنع من جريد النخل وتسمى عملية صنعها «زفانة» وهي لفظة وردت في المعاجم العربية فقد جاء في لسان العرب «الزَّفْنُ: عَسيب من عُسُب النخل يضم بعضه إلى بعض شبيه بالحصير المَرْمول، قيل: هي لغة أَزْدِيَّة». أما العسيب فكما جاء في لسان العرب «عَسِيبٌ؛ قال ابن الأَثير: أَي جريدَةٌ من النخل، وهي السَّعَفَة، مما لا يَنْبُتُ عليه الخُوصُ».

وتتم عملية الزفانة بأخذ السعف و قطع كربه وتنظيفه من الخوص والسلاء (السلة) وبعدها يؤخذ الجريد ويوضع في ماء لمدة ثلاثة أيام. بعد ذلك يُقسَّم الجريد إلى مجموعتين متساويتين، ويجتمع على تصنيعه عدد من الرجال، بحيث توضع نهاية كل قطعة من المجموعة الأولى بخـلاف نهاية القطعة المجاورة لها من المجموعة الثانية ويبـدأ الرجال بربطهـا بالحبال حتى ينتهوا من ذلك مشكّلين الزفانة.

5 - الخواص أو السفاف

يسمى الشخص الذي ينسج الخوص «خوّاص» جاء في لسان العرب «الخُوصُ، بالضّمِّ: وَرَقُ النَّخْلِ...والخَوّاصُ ككَتّانٍ: بائِعُه، وناسِجُه. والخِيَاصَةُ: صَنْعَتُه». ويسمى أيضا سفاف من عملية السفّ أي نسج الخوص، ومن أسمائه أيضا خصاف وقد اشتق الاسم من الخصفة أي الجلة الكبيرة، ويبدو أن الخصاف لفظة أكثر خصوصية تعني صانع الجلال.


أجزاء العريش

يتكون العريش أو أي بيت آخر يبنى من أجزاء النخلة من أربعة أجزاء رئيسية: القوائم أو الأعمدة التي تكون هيكل البيت، ومن الجوانب ويسمى كل جانب «رادة»، والباب، أما الجزء الرابع فهو السقف.

أولا : الأعمدة أو القوائم

الأعمدة أو القوائم هي التي ترسم الهيكل الخارجي للمنزل، وعليها تعتمد قوته. وكانت القوائم تصنع في القديم من جذوع النخيل ثم أستخدم بعد ذلك «الدنجل».

1 - جذوع النخيل

كانت جذوع النخيل تقطع طوليا إلى نصفين، و بعدها يقطع كل نصف إلى نصفين، و بذلك يتحول جذع النخلة إلى أربع قوائم في عملية تعرف «بالتجديع» أو «التسجين». وتستخدم جذوع النخيل الهرمة بعد موتها وسقوطها بفعل عوامل الطبيعة، بعدها يقوم المسجن بنشر رأس النخلة وتقشير الجدع و تنظيفه، ومن ثم يفلق الجدع طوليا إلى أربعة أجزاء.

2 - الجندل

الدنجل هكذا تلفظ عندنا في البحرين، و في مناطق أخرى في الخليج تلفظ «جندل» أما اللفظ الفصيح فهو «الكندلي». جاء في لسان العرب «الكندلي: شجر يربع به» وجاء في لسان العرب أيضا أنه يسمى الكندلاء و جاء فيه «و ماء البحر عدو كل شجر إلا الكندلاء والقرم». وهذا صحيح فالكندلي أو الجندل أو القندل هو نوع شبيه بأشجار القرم أو الشورى أو المانجروف حيث ينمو على سواحل البحر و يكون مغمورا بها، وهو يعرف باسم المنجروف الأحمر والذي يمتلك جذورا داعمة، تبدأ هوائية ثم تنغرز في الطين مُمكّنة النبات الواحد من استعمار مساحة كبيرة حوله، وهو منتشر في الأقليم الهندو- الهادي ويسود منها ثلاثة أنواع مهمة هي: القندل أو الكندلي المعروف واسمه العلمي Rhizophora mucronata، وهو نوع محب للمياه المالحة، وهو الأكثر شيوعا، وينتشرأيضا على سواحل شرق أفريقيا إلى سواحل غينيا الجديدة، والنوع R. stylosa، الذي ينتشر أيضا من سواحل ماليزيا إلى سواحل أستراليا، والنوع R. apiculata الذي يوجد في الإقليم نفسه؛ إلا أنه يمتد في انتشاره غربا إلى سواحل الهند. وقد ذكرت الجندل هنا لإتمام الفائدة فقد استخدم في بناء العريش عوضا عن جذوع النخلة وكذلك في سقوف البيوت الحجرية.

ثانيا: الرادة

بعد أن يتم تجهيز أدوات الهيكل العام وإعداد الحبال يتبقى السقف والرواد. والرواد ومفردها رادة وهي الجوانب التي تقوم مقام الجدران التي تحيط بالمبنى وتصنع الرادة إما من السعف أو الجريد.

1 - رادة سعف

وتصنع من السعف بعد أن يقطع الكرب منه وتتم عملية تنظيفه من السلاء. بعدها تربط السعف بالخيوط لتكون كالحائط. ويسمى العريش الذي يبنى بهذه الرادة «عريش راده سعف».

2 - رادة زفن

وهي الرادة التي تصنع من جريد النخل، و يسمى العريش الذي يبنى بهذه الرادة «عريش راده زفن».

ثالثا: الباب

كان الباب يصنع قديما من الزفن، ويكون هذا الباب أما بشكل رادة زفن أو باب خاص عرفته العامة باسم غميلة. والغميلة لا تفتح كباقي الأبواب وإنما تفتح طوليا من أعلى لأسفل حيث يكون على شكل رادتين مربوطتين من أسفل ومفتوحة من أعلى وعندما تفتح الغميلة تصبح على شكل حرف (V)، وأكثر ما تستخدم الغميلة للبساتين والحضائر. وهناك مثل شعبي مشهور وهو «ألف باب إلا غميلة» وهذا المثل يضرب احتقارا بالشيء القليل إذا سقط من الشيء الكثير فهناك ألف باب وغميلة واحدة لو فقدت لن تلاحظ.

ومع التطور أصبح الباب يعكس الطبقة الاجتماعية للفرد حيث أصبح بعض الأفراد تستخدم الباب الخشبي بينما آخرون بقوا يستخدمون الجريد.

رابعا: السقف

يسقف العريش عادة بالسعف والجريد الذي يغطى بالسمة والبعض يسمي السمة خصفة، والسمة أو الخصفة في الأصل هي سفائف (سفرة) كبيرة تصنع من خوص النخيل وتستخدم في أمور مختلفة أما ما يخص العريش فهي تستخدم للسقف. ويطلق أيضا اسم خصفة على الجلة (الگلة) التي تصنع من الخصفة. و كل ذلك وارد في اللغة العربية الفصحى، جاء في لسان العرب:

« إنما الخصف سَفائِفُ تُسَفُّ من سَعَف النخل فَيُسَوَّى منها شُقَقٌ تُلَبَّسُ بُيوتَ الأَعراب، وربما سُوّيت جِلالا للتمر»

و جاء في لسان العرب عن السمة:

«والسُّمَّةُ: حصير تُتَّخذ من خوص الغَضف، وجمعها سِمامٌ؛ حكاه أَبو حنيفة. التهذيب: والسُّمَّةُ شِبْه سفرة عريضة تُسَفُّ من الخوص وتبسط تحت النخلة إذا صُرِمت ليسقُط ما تَناثَر من الرُّطَب والتمر عليهما، قال: وجمعها سُمَمٌ».

والعامة في الخليج العربي استخدمت السمة والخصفة لنفس الوظائف القديمة المذكورة.

العدد 2680 - الأربعاء 06 يناير 2010م الموافق 20 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً