الريح لا تعرف أن تحفظ سرا
تقطف الأسرار المتدلية من الشبابيك، وتبعثرها مع الأوراق
الجافة وذرَّات الغبار، فتحتدم السرائر في الطرقات، ويعلم
القاطن هنا أهواء القاطن هناك.
***
يمدُّ السجين ذراعه من خلال القضبان
على راحة يده تحط قطرة ندى
من القطرة تولد وردة
والوردة تأخذ شكل امرأة تهمس في حنان:
صباح الخير يا زوجي.
***
يرتدي قناع طفل
وعندما يخرج من حجرته
تقتفيه رائحة الشيخوخة.
***
كانت على فراشها تحتضر حين شعرت بأصابع حانية
تلاطف جبينها، أصابع كأنها من ضوء، ففتحت عينيها
بتثاقل وهمستْ معاتبة: لم تأخرت؟
***
بخطى محتضرة
يبتعد الجندي الشاب
عن المعركة المتخمة بالجثث،
والموت الجالس على تلة
يدفن وجهه بين ركبتيه... في خجل.
***
خلسة يدخل الأيل غرفة الطفل المريض،
خلسة يخرج حاملا على ظهره غبطة الطفل.
والأم، وقتذاك، كانت تعد الحساء
لطفل مريض... يموت بعد قليل.
***
طيور سوداء تنقر الثلج
أطفال يتراشقون بكرات الثلج
وفي الغرفة المطلة على الساحة
جثة الخادمة الصغيرة تتدلى من السقف.
***
مظلات كثيرة في هذا اليوم الماطر
شعُرَ المطر بالكآبة
لأن أحدا لا يريد أن يلعب معه.
***
في الحقل،
تحط فراشة على جبين الصغيرة
فترفع رأسها نحو أبيها وتقول همسا:
أينبغي أن أموت في يوم جميل كهذا؟
***
لم يكن يدري أنها الزيارة الأخيرة.
تترك الزوجة شبابها وجمالها على سرير المستشفى
وتخرج مع الموت، متشابكي الأيدي، مثل صديقين.
***
يوبِّخ الثلج
لأنه مرَّ ولم يطرق نافذته.
***
الطائرات الورقية الجميلة
التي تتهادى برشاقة في الفضاء المرح
يحركها أطفال بوجوه مغبرَّة وملابس رثة.
***
الطفل الذي رأى
بنظرة ملأى بالحسد
الأوزات وهي تحوم في الأعلى
تمنى حدوث معجزة صغيرة:
أن تنفلت كفه من قبضة أبيه الصارمة.
***
الجلاد يحدِّق في عيني ضحيته
ليس بكراهية، بل بفضول بالغ
فقد رأى في مقلتيه وجه مسخ.
***
بأصابع حانية تلاطف شعر طفلها المحموم
ببكاء أخرس ترجو الموت أن يمهل طفلها سنوات
مرتبكا يهمس الموت:
ما جئت إليه، بل إليك.
***
كل شيء يطفو
في مجال انعدام الجاذبية
بين شرفة مأهولة بالأرامل
وشرفة مكتظة بالعساكر.
العدد 2687 - الأربعاء 13 يناير 2010م الموافق 27 محرم 1431هـ