ذهبنا إلى منى للمبيت بها فلم نجد مكانا نبيت فيه إلا الطرقات والأرصفة، فهل يلزمنا أن نبيت بها؟ وإذا لم يلزمنا ذلك فهل يجب أن نبيت حيث تنتهي خيام منى؛ كأول مزدلفة مثلا؟
- فقد دلت النصوص الشرعية من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمره، ومذاهب فقهاء الصحابة على وجوب المبيت بمنى ليالي التشريق على من قدر على ذلك ووجد مكانا يليق بمثله، وإلى وجوب المبيت بمنى ليالي التشريق ذهب جمهور أهل العلم.
كما دلت الأدلة على أن المبيت يسقط عمن لم يجد بمنى مكانا يليق بمثله، ولا شيء عليه، وله أن يبـبيت حيث شاء، في مكة أو في المزدلفة أو في أي مكانٍ آخر، ولا يلزمه أن يبيت حيث انتهت خيام منى.
وليست الطرقات والأرصفة وشعف الجبال مكانا صالحا لمبيت الآدميين فلا يلزم أن يبيت بها من لم يجد غيرها.
ويدل لذلك ما يلي:
الدليل الأول: حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: استأذن العباس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية فأذن له. البخاري (1634)، ومسلم (1315).
والسقاية: إعداد الماء للشاربين بمكة، يذهب أهلها القائمون بها ليلا، يستقوا الماء من زمزم ويجعلوه في الحياض مسبلا للشاربين.
ووجه الدلالة: أنه إذا ثبتت الرخصة في ترك المبيت بمنى لأهل السقاية وهم يجدون مكانا للمبيت بمنى، فمن باب أولى أنْ تثبت لمن لم يجد بمنى مكانا يليق به؛ لأن الرخصة ثبتت لأهل السقاية لأجل الناس، مع أن السقاية تحصل من غيرهم، فكيف لا تثبت الرخصة لمن عجز عن المبيت، ولمن لا يجد مكانا يبيت فيه.
الدليل الثاني : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر. أخرجه مالك في الموطأ (1/408)، وأحمد (5/450)، وأبو داود (1975)، والترمذي (955)، والنسائي (5/273)، وابن ماجه (3037). والذي لا يجد مكانا يصلح للمبيت بمنى أولى بالرخصة من رعاة الإبل، وهذا ظاهر.
الدليل الثالث: ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه كان يقول: زإذا كان للرجل متاعٌ بمكة يخشى عليه الضيعة إنْ بات بمنى، فلا بأس أن يـبيت عنده بمكةس أخرجه سعيد بن منصور في سننه، وغيره.
وقد ألحق أهل العلم بمن تقدم كلَّ من له مال يخاف ضياعه، أو أمر يخاف فوته، أو مريض يحتاج أن يتعهده
العدد 511 - الخميس 29 يناير 2004م الموافق 06 ذي الحجة 1424هـ