العدد 2715 - الأربعاء 10 فبراير 2010م الموافق 26 صفر 1431هـ

البحرين تحتفي بذكرى صاحب «عرس الزين»

بشراكة النادي السوداني و«كانو الثقافي»

على امتداد ثلاثة أيام حافلة بالثقافة والسرد الذي صنعه الطيب صالح، احتفت مملكة البحرين بالأديب الراحل الطيب صالح، صاحب «عرس الزين» بالتعاون بين مركز كانو الثقافي والنادي السوداني؛ إذ أفضى هذا التعاون إلى إقامة «ملتقى الأديب الطيب صالح» بنادي الخريجين، تحت رعاية مستشار صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء للشئون الثقافية، محمد المطوع، وضيف الشرف مستشار رئيس الجمهورية السودانية للشئون الخارجية، مصطفى إسماعيل.

وخلال الأيام الثلاثة تداول المنتدى مع جمهور الثقافة في البحرين عدة أوارق من ضمنها «قراءة في الأسلوب الروائي عند الطيب صالح» قدمها الأديب السوداني حسن الطيب، وعقب عليها الأكاديمي التونسي محمد النويري، وتم عرض فيلم وثائقي تناول سيرة الطيب صالح، وقراءة أخرى لآمال الطيب صالح «في السينما: تجربة عرس الزين نموذجا»، وانتدى فيها كل من الممثل المسرحي والسينمائي نائب رئيس هيئة المسرح الدولي السوداني، علي مهدي، والمخرج البحريني، بسام الذوادي.

«وقراءة للعامية والتراث في أدب الطيب صالح» تحدث فيها المستشار الثقافي لإمارة الشارقة، يوسف عايدابي وعقب عليه، الفنان التشكيلي السوداني إبراهيم الصلحي، وبشأن رحلة الطيب صالح الإعلامية من لندن إلى الدوحة، انتدى كل من رئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات البروفيسور، علي شمو، ورئيس تحرير صحيفة «السوداني» محجوب عروة، وبشأن المقالة الصحافية عند الطيب صالح تحدث كل من الصحافي السوداني طلحة جبريل والكاتب البحريني حسن مدن، فيما عقدت الجلسة الختامية للمنتدى بشأن مقترح مشروع مركز الطيب صالح الثقافي في الخرطوم، وإمكانية تقديم جوائز باسمه تحدث فيها كل من الأكاديمي السوداني، حسن الطيب والبروفيسور علي شمو.


الصديق الكاتب ... نبع الصفاء والمودة والحكمة

إبراهيم الصلحي

فنان تشكيلي سوداني

المحبة كلمة طيبة جامعة، كثيرا ما سمعتها تتردد على فم الطيب صالح، وهي كلمة كبرى لا يلقيها في كلامه جزافا؛ إذ هي ديدن حياته، وفي اعتقادي أنها المدخل الحقيقي النافذ مباشرة إلى لب شخصه وأدبه. عبَّر عنها كثيرا في كل ما كتب. كلمة أصلها ثابت في الأرض، وفرعها يعانق الهواء والإنسان والسماء.

والطيب قد أحب الأرض والناس عن معرفة أكيدة بحالهم وأحوالهم. فكانت له المحبة في القلوب. يقول بهذا الصدد قاضي المحكمة العليا في السودان، والمستشار القانوني حاليا لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية في دولة قطر، أخوه مولانا، بشير محمد صالح: «كنا حين يعود الطيب من سفرة له، وتلمحه جارة لنا قادما من مرفأ الباخرة، على ظهر حمار كالعادة، تسبق مقدمه مهرولة إلى بيتنا قائلة لوالدتنا: «البشارة... البشارة يا عايشة... ولدك جاء». ويضيف مولانا بشير ضاحكا: «وبينما كنت آتي أنا لزيارة الأهل في القرية، وقد كنت كثير التردد عليهم بين حين وآخر، وخصوصا أيام الإجازات، وأقوم بحل مشكلة من كانت لديه مشكلة، علاوة على كتابة الرسائل لمن كان لا يفك الخط منهم، ولكن كما تعلم بشيئ من التحقق بما يتطلبه الوضع، ولربما كان بشيئ من الدقة والخشونة التي تعهدها في». ويضيف: «حين تلمحني تلك الجارة و «تتوكدني»، وقد كادت أن تهرول لنيل حق البشارة من والدتنا، رحمة الله عليها، على ظن أن القادم على ظهر الحمار من مرفأ الباخرة هو أخي الطيب، تكتفي بقولها: «هي بس... ده بشير، مو الطيب».


الأسلوب الروائي عند الطيب صالح

حسن الطيب

أديب وكاتب سوداني

وتبرز قدرة هذا الفنان البارع على توظيف هذه اللغة الشعرية الموحية لاستكشاف أبعاد مبدعة للعمل الروائي في رسمه شخصيات نابضة بالحياة، مشبعة بالحركة، قادرة على التفاعل سلبا وإيجابا مع مقتضيات المكان والزمان.

وهو من بعد ومن قبل لا يقدم لنا هذه الشخصيات في أسلوب سردي تقريري مباشر؛ بل يجعلنا نتعرف عليها، ونأنس إليها في معظم الأحوال من خلال تفاعلها مع مجرى الأحداث وتطورها في الرواية. يفعل ذلك بمقدرة متميزة تحتفظ لكل من هذه الشخصيات بلغتها الخاصة. ولا جدال أن ذلك لا يتأتى إلا بقدرته على استبطان العالم النفسي لكل من هذه الشخصيات الحية استبطانا مكَّنه من تجسيد الرؤى والتصورات والانفعالات الساذجة منها والمعقد، الفطري منها والفلسفي المركب، وعكس كل ذلك في تفاعلها مع المواقف والأحداث. وحتى في الحالات القليلة النادرة التي يلجأ فيها الطيب صالح إلى الوصف المباشر لمواقف بعض شخصياته، فإنه يفعل ذلك في اختزال، وفي لغة مكثفة، كقوله عن بنت عبدالله، التي استهلت الزغاريد في عرس الزين: «صوتها عذب وصرختها قوية من كثرة ما زغردت في أعراس الآخرين، ظلت عانسا عمرها فلم تتزوج، لكنها تفرح لأفراح كل أحد في الحي».


الصوت والصدى... قراءة في حوارات وآراء الطيب صالح

محمد المهدي بشرى

نجح الطيب صالح في تصوير شخصياته وجعلها تنبض بالحياة وتمشي بين الناس، ويبدو هذا واضحا في شخصيات الزين ومحجوب وحسنة بت محمود وبت مجذوب وبالطبع شخصية مصطفى سعيد التي حظيت باهتمام القراء وشغف النقاد والدارسين. ويكاد الكثير من القراء يتفقون على كون مصطفى سعيد هو الطيب صالح عينه، ومن النادر أن يخلو حوار مع الطيب صالح من سؤال يحمل هذا المغزى، وتتباين إجابات الطيب صالح بشأن السؤال من الغضب إلى السخرية، وصار يتوقع مثل هذا السؤال في الحوارات والمقابلات التي تجري معه، ففي الحوار الذي أجراه محمد خير عوض الله وفتح الرحمن محمد يوسف نجدهما يقولان: «نسأل عن شخصيات موسم الهجرة إلى الشمال هل هي شخصيات حقيقية (عوض الله ويوسف) ويجيب الطيب صالح قائلا: «هذه قضية تتصل بواقع الأدب فأنا لا أكتب أدبا واقعيا... وحقيقة لم أقابل امرأة كمثل بت مجذوب... ولكن الجواب عموما ليست الشخصيات واقعية». (نفسه).


أنماط التعبير الصوفي في روايات الطيب صالح

أحمد أبوشوك

أحدث الطيب صالح نقلة نوعية في الأدب الروائي العربي، عندما انتقل من عالم الواقعية التقليدي إلى المشهد الصوفي والأسطوري في تصوير سلوكيات شخصياته الروائية، التي تجسد أنماطا حياتية مختلفة في جدل الماضي والحاضر والمستقبل، وتتفاعل مع موروثات التاريخ الثقافي في قالبها المحلي وانبساطها العالمي القائم على ثلة من المتناقضات. فلا مندوحة أن هذه النقلة النوعية قد أضفت على النص المروي نوعا من الحركة والتجدد في إطار الفعل الإنساني المقيد بقيم الواقع الاجتماعي، لأن الراوي كان يحاول دائما أن يصنع التحدي ويبعث الاستجابة داخل نسيج الروائي، وكانت الاستجابة في كثير من الأحيان تأتي في شكل إرادة إنسانية قادحة في موروثات الواقع المعيش، وأحيانا معضدة بالسند الصوفي الذي يجسد إرادة الله في الأرض.


الطيب صالح كاتب المقالة الصحافية

طلحة جبريل

صحافي سوداني

عندما فتحت المجلة صفحاتها للطيب صالح كاتبا أسبوعيا، ساد انطباع مؤداه أنه سيخصص تلك المقالة للأدب، لكنه لم يقتصر على ذلك بل ذهب بها فعلا نحو «آفاق بعيدة» إذ راح ينقب في ثنايا الأدب، وكتب مقالات رائعة في مجال النقد الأدبي، وخاصة تلك التي فنَّذ فيها آراء طه حسين بشأن أبي الطيب المتنبي، وتصدى لأطروحته وبتواضع، بشأن المقارنة بين المتنبي وأبوالعلاء المعري، ولم يخف الطيب صالح انحيازه ومنذ الوهلة الأولى إلى المتنبي لكنه دافع عنه بمنطق قوي ومتماسك وبأدلة قاطعة، وهو الذي قال لي شخصيا: «قصيدة واحدة للمتنبي تساوي كل ما كتبت».

وحتى وهو يتناول شعراء كبار مثل المتنبي والمعري، لم ينس بلده «الوطن الحبيب اللعين» كما كان يقول، وفي أحد مقالاته يقدم للقارئ العربي شاعرا سودانيا كتب بالعامية ويبذل الطيب صالح جهدا استثنائيا في شرح العامية، يقول «في ديوان محمد أبوسن الملقب بالحردلو، أربعة أبيات فقط بقافية الشين وهي ليست بذات بال وأحسن منها أبياته التي يصف فيها هطول المطر في أرض البطانة وكان بعيدا عنها، وقافيتها ليست الشين ولكن الشين تشيع في جنباتها من أولها إلى آخرها:

الخبر الأكيد قالوا البطانة اترشت

سارية تبقبق لي الصباح ما أتشفت

هاج فحل أم صريصر والمنايح بشت

ويت أم ساق على حدب الفريق اتعشت


الطيب صالح... الإذاعي المبدع

البروفيسور علي شمو

فسمعت فيما سمعت، أن إذاعة لندن تطلب مذيعين وذات يوم قلت لصديقي بل أخي فتح الرحمن البشير ما رأيك؟ قال لي: «ولم لا» قدمت بعد انتهاء موعد تقديم الطلبات بين الجد والمزاح. ومن هنا إلى هنا وجدتني فجأة في لندن في عز الشتاء» ولعله شتاء 1953 ثم قال الطيب ساخرا من نفسه: «الشارب اختفى مع مرور الأيام كما اختفت سجادة الصلاة التي أحضرتها معي من السودان تحت ركام التجارب» فيما بعد كان أول من استقبله في مطار لندن المذيع صلاح أحمد محمد صالح وكان زميلا له في مدرسة وادي سيدنا الثانوية ويسبقه بعام في فصول الدراسة كان هذا يعرف أن ذاك صلاح وصلاح يعرف أن ذاك الطيب صالح ولم تكن بينهما صلات حميمه. ولعل وصف الطيب لذلك اللقاء يقف شاهدا على تلك الصلة الهشة التي تتسم بالجفاء والسطحية.


أعمال الطيب صالح في السينما

«عرس الزين كنموذج»

علي المهدي

ممثل مسرحي وسينمائي

عرسي وعرس الزين: في خواتيم الستينيات كنت أبحث عن طريق في مشوار الفنون التمثيلية، أذهب هنا وأعود من هناك وتختلف عندي الاتجاهات بين فوضى الاكتشاف. اقترب من الذي أفكر فيه وأشارك بالقدر المستطاع في الذي كان يتاح لي يومها، حتى استدعاني الراحل أحمد عاطف عرض علي مشهدا في برنامج تلفزيوني يناقش رواية «عرس الزين» ويستعرض مشهدا تمثيليا قصيرا، واختارني لأداء دور الزين، ودخلنا في تمارين يومية كان وعيي وقتها وإدراكي بأدوات ومفاتيح الأداء التمثيلي في مطلع العتبات، حاولت والشخصية عصية ومركبة وأنا في إصرار عظيم على التعرف عليها، كانت مفاتيحي وأدواتي لا تخرج عن الثلاثة الأولى، البعد الجسماني النفساني والاجتماعي، كان هذا منهجي يومها ومن حسن حظي وأنها تدابير لم أفهمها يومها لم يقدم المشهد للتلفزيون، وانتهت علاقتي كمشخصاتي بالزين في «عرس الزين»، لكنه ظل داخلي أفكر فيه، المحه في كل منحنى حيث اذهب، وحركتي في مدن السودان كانت يومها كثيرة، نتجول نقدم العروض المسرحية التي ينتجها المسرح القومي السوداني. وظللت في كل الشخوص التي أقدمها ألمح «الزين» أفكر وأحلم به، وكنت كثير الإعادة لقراءة الرواية كما الشعر، أحفظ المقاطع والجمل الحوارية وبعدها بسنوات عندما قدمت الشخصية في الشريط السينمائي «عرس الزين» من إخراج الكويتي، خالد الصديق بعض الحوارات لم تحتج مني للحفظ أو إعادة التأمل في مشهد الزين وسيف الدين إمام الدكان وحديثه مع عصابة محجوب وحتى دخول الحنين. كنت في أوقات التصوير أعيد تركيب الجملة كما هي في عقلي وكما أفهمها في حياتي لا كما هي في المشهد التمثيلي. وتلك حكاية أخرى أعود إلها بالتفصيل لاحقا عند الحديث عن فيلم «عرس الزين».

العدد 2715 - الأربعاء 10 فبراير 2010م الموافق 26 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً