العدد 558 - الثلثاء 16 مارس 2004م الموافق 24 محرم 1425هـ

رد عربي على مشروع «الشرق الأوسط الكبير»

دقت ساعة العمل

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

حديث الصالونات الدبلوماسية والسياسية منذ أسابيع، الذي يجمع مختلف التيارات وكأنهم اتفقوا فيما بينهم على أن الإجابة السليمة عن مشكلات القرن الـ 21 هي بصراحة متناهية: مبادرة «الشرق الأوسط الكبير». وتحديدا، بدء العمل بالمبادرة الأميركية الأوروبية والتنسيق بين حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي لهدف القيام بحملة دبلوماسية واسعة لإقناع الأنظمة العربية ببدء عملية إصلاح شاملة في الدول التي تدير أمورها.

البعض في الغرب يصفها بالتطوير ونشر الديمقراطية والبعض الآخر لا يتردد باعتبارها خطوة تمهد إلى عودة الاستعمار الغربي لمنطقة الشرق الأوسط في سياق رد الغرب على مشكلات الإرهاب والعولمة.

بعد هجوم 11 سبتمبر/أيلول 2001 أجمع الأميركيون والأوروبيون على ما وصفوه بضرب جذور الإرهاب. ولأن الذين وضعوا المبادرة الخاصة بـ «الشرق الأوسط الكبير»، من أميركيين وأوروبيين، لم يأخذوا بآراء حكام وشعوب منطقة «الشرق الأوسط» حين وضعوا صيغتها وأعلنوا عنها بصورة مفاجئة، فإن هذا مدعاة للشك بنوايا الغرب تجاه المنطقة العربية.

ولاشك في أن تجاهل آراء العرب حين يفكر الغرب بالطريقة الاستعمارية أن يضع أطر مستقبلهم، يضعف صدقية المبادرة ويزرع الشكوك في نفوس العرب لأن علاقة العالم العربي الإسلامي مع الغرب لم تكن يوما تقوم على الصراحة والعدالة. فخلال عقود خمسة مضت لم يعمل الغرب صادقا من أجل حل المشكلة الفلسطينية والذين يروجون لهذا المشروع وينسجون سيناريوهات وخطط مستقبل الأنظمة والشعوب العربية، لعبوا دورا بارزا في ترسيخ الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وتمكينها كي تصبح قوة نووية في «الشرق الأوسط الكبير» لا يجاريها في القوة العسكرية أي طرف. كيف يمكن أن يكون هذا الغرب مخلصا بنواياه وصادقا فيما يعنيه؟

الثابت أن الغرب أصبح ينظر إلى العالم العربي - الإسلامي نظرة مليئة بالشك وذلك بعد هجوم 11 سبتمبر على رغم أن عدد قتلى الجنود والمدنيين في أفغانستان والعراق يزيد كثيرا عن عدد ضحايا هجوم (القاعدة) على نيويورك وواشنطن. والطرف الآخر في الحرب المناهضة للإرهاب، بلدان عربية إسلامية، تتفق تماما مع التصورات التي وضعها الغرب للتعامل مع العالم العربي الإسلامي.

يعتقد الغرب أنه، من خلال هذه المبادرة، سيقضي على جذور «الإرهاب» التي يراها في غياب الديمقراطية وانتشار الفقر. والبعض في أوروبا مثل وزير خارجية ألمانيا يوشكا فيشر يجد عدم حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي سببا للإرهاب. حتى الصيف المقبل سيناقش الغرب سبل تنفيذ المبادرة وسيبدأ ذلك بطرحها على قمة دول مجموعة الثماني ثم قمة حلف شمال الأطلسي في اسطنبول وفي قمة الاتحاد الأوروبي في دبلن.

إن مجرد التمعن فيما تدعو له مبادرة الغرب تجاه «الشرق الأوسط الكبير» يدل على أنها فكرة ممتازة لكنها مذلة لو لم تكن فرضت على العرب من قبل الغرب المتحيز لـ «إسرائيل» على الدوام ولو أنها لم تصدر في صورة نظام جديد لدول يفترض أنها مستقلة وتتمتع بسيادة ينبغي على الغرب أن يحترمها.

إن الدعوة إلى نشر العلم والديمقراطية ودولة القانون وتحسين دعائم الاقتصاد، فكرة حسنة جدا لكن لماذا طرح هذا المشروع مع بدء الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة وفي وقت تعاني أوروبا نفسها من الانقسام الذي عصف بها بسبب حرب العراق؟ وليس هناك غير وزير خارجية ألمانيا يدعو منذ وقت كي تصبح للاتحاد الأوروبي كلمة مسموعة في العالم ويجد أن طرح الحلول والمبادرات السهلة لحل اصعب نزاعات العالم، يساعد الأوروبيين كي يصبحوا على وتيرة واحدة مع الولايات المتحدة. يريد الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الفوز في نوفمبر/ تشرين الثاني بولاية جديدة في البيت الأبيض. ويعتمد في ذلك على ما يصفه بالنجاح الذي حققته الولايات المتحدة بعد هجوم 11 سبتمبر ويستعين بأفغانستان إذ تم دحر طالبان والقاعدة وفي العراق إذ أطاح بنظام صدام حسين ولا داع لتفاصيل أخرى. فالمهم عند الأميركيين تحقيق النصر ورفع العلم الأميركي في الأرض وفي المريخ وأينما كان. لكن ينبغي أن لا ننسى أن صدقية بوش تعرضت إلى بعض الخدش، بعد وقت قصير على إعلانه عن «خريطة الطريق» التي أقرتها اللجنة الرباعية الدولية (الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) التزم بوش الصمت وحتى اليوم يعمل بما نصحه به رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون: تجاهل عرفات وتجاهل العرب، «خريطة الطريق» اليوم ليست أكثر من حبر على ورق.

إن مبادرة «الشرق الأوسط الكبير» ليست خطة مارشال للمنطقة العربية وإنما تختفي في طيها نوايا وكغيرها من المبادرات فإنها معرضة للانتهاء في درج النسيان. إنها ليست مبادرة عربية ولأنها فكرة من الخارج ولأن هناك شكوك في نوايا أصحابها. كل ما يريده بوش أن يستغلها في المرحلة الحاسمة للحملة الانتخابية ليتحدث عنها وعن توقيع العراقيين على دستور مؤقت ومهدد بالفشل في كل لحظة كما يأمل بعودة طلائع القوات الأميركية في العراق إلى بلدهم ليضمن الفوز على منافسه من الحزب الديمقراطي وليس أكثر من ذلك. اكتشفت القوة العظمى في العراق أن لقوتها حدود ولا تستطيع عمل أكثر ما فعلته في العراق. الأوروبيون وخصوصا الألمان لهم أهداف من وراء مبادرة «الشرق الأوسط الكبير». صحيح أن خسارة بوش انتخابات الرئاسة ستريح الأوروبيين والألمان تحديدا وبدء صفحة جديدة مع إدارة تابعة للحزب الديمقراطي إلا أن أحدا في برلين لا يجاهر بذلك ويجري التعامل وكأن بوش سيفوز بانتخابات الرئاسة وهذا حلم مزعج لخصومه في أوروبا. بينما يقول وزير خارجية ألمانيا إن وضع المبادرة ليشجع القمة العربية المقررة في نهاية الشهر الجاري كي تتخذ قرارات مسئولة تتعلق بالصلح مع «إسرائيل» إلا أن هناك نوايا غير معلنة.

إن المبادرة الأوروبية التي لا تختلف كثيرا عن الأميركية، ترمي إلى عودة التصافي للعلاقات الأطلسية وقيام تعاون استراتيجي جديد يخلف مرحلة الانقسام والعالم العربي الإسلامي هو المكان المرشح لتطبيق التعاون الأطلسي الجديد في أراضيه. كما أن هدف المبادرة الأوروبية تجاه «الشرق الأوسط الكبير» زرع الثقة المفقودة في نفوس الأوروبيين الذين يوصفون بالقوة الناعمة.

ما هو البديل؟ مبادرة عربية يرافقها ضغط أميركي أوروبي على حكومة شارون كي تتوقف عن صلفها وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة وهدم الجدار الشاروني (العنصري) وقبول العودة إلى مائدة المفاوضات بعد أن تكون أقرت بحقوق الشعب الفلسطيني وقبول السلطة الفلسطينية شريكا كاملا في هذه المفاوضات. وينبغي أن يسلم العرب بأهمية وضرورة التغيير لمجاراة عصر العولمة والاستعداد لمواجهة تحدياته. فقد حان وقت التحديث لأن العالم العربي بأمس الحاجة إلى التحديث وظل جامدا في مكانه حين حصلت تغييرات ثورية في أوروبا الشرقية وأدت إلى انهيار الامبراطورية الشيوعية. لكن كل شيء في غالبية الدول العربية ما زال على حاله، باستثناء التغييرات التي تمت في البحرين وقطر والأردن والمغرب، بدلا من ترك الآخرين يصنعون مستقبلنا، ينبغي حمل المعول والقلم والمبضع لنصنع مستقبلنا بأيدينا.

دقت ساعة العمل فمن يستجيب؟

العدد 558 - الثلثاء 16 مارس 2004م الموافق 24 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً