العدد 594 - الأربعاء 21 أبريل 2004م الموافق 01 ربيع الاول 1425هـ

أميركا في العراق تحذو حذو العدو الصهيوني

في آخر مؤتمر قمة عربية عقد في بغداد في العام 1978م والذي ترأسه صدام، وأعلن فيه على الملأ أن العراق يمتلك من السلاح ما يكفي لإحراق نصف «إسرائيل»، والحمد لله إنه لم يقل كل «إسرائيل»، لكانت المأساة مضاعفة ليس على العراق فحسب، بل على الدول العربية كافة، لكون الكيان الصهيوني، ومن ورائه الولايات المتحدة الأميركية، أخذت هذا التصريح على محمل الجد، واعتبروه تصريحا خطيرا يهدد وجود ومصير الدويلة الصهيونية. فتحركت كل القوى الموالية لهذا الكيان وأعلنت حالة الاستنفار القصوى، فراحت تدبر وتخطط وتحيك المؤمرات والأحابيل، للانتقام من صدام ونظامه، وتدمير العراق وذلك بخلق الأعذار والمسوغات ليتمكنوا من إيجاد ذريعة أو حجة يستطيعون من خلالها وتحت غطاء الشرعية الدولية مهاجمة العراق والانتقام منه.

ففي البداية، تحالفوا معه ومدوه بكل الأسلحة المتطورة والحديثة، وشجعوه وساعدوه على تصنيع أسلحة الدمار الشامل، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أوعزوا للآخرين بمساندته والوقوف بجانبه، فأصبح قوة ضاربة في المنطقة لا يستهان بها، وسرعان ما أعطوه الضوء الأخضر ليشن حربه الأولى على إيران. ومن ثم شجعوه على غزو الكويت ليتمكنوا بطرقهم الخاصة من التدخل، ولقد نجمت عن هذه الحرب تداعيات وإفرازات ظلت آثارها ماثلة إلى يومنا هذا أهمها أنها أوجدت شرخا ساهم في تفاقم الانشقاق في الصف العربي، وفسحت المجال واسعا لتدخل أميركا والقوى الإمبريالية في المنطقة، أدى في النهاية إلى احتلال العراق، وتدهور الأمن في المنطقة.

ولم تكتف الولايات المتحدة بكل ما آل إليه العراق من دمار وخراب، ففرضت الحصار الاقتصادي الظالم الذي طال جميع الجوانب والشئون المعيشية والصحية والتعليمية وأعاد العراق إلى الوراء عشرات السنين، ومن ثم ابتدعوا قصة أسلحة الدمار الشامل المزعومة التي تم تدميرها بالكامل سابقا من قبل مفتشي الأسلحة الدوليين التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أنهم أصروا على وجودها، وشنوا حربهم على العراق.

وبذلك تمكنت أميركا وبريطانيا وبعض الدول المتحالفة معهما من احتلال العراق وفرض الهيمنة عليه في ظاهرة غريبة على العالم المتحضر الذي يدعو إلى التحرر من الاستعمار وتبعية الدول الكبرى، وكان ذلك بمثابة خروج واضح وصريح على الشرعية الدولية.

وهذه الحرب التي أصروا على شنها ذات أبعاد وأهداف مختلفة، باتت تتضح معالمها يوما بعد يوم، وأهمها الهيمنة والسيطرة على منابع النفط في العراق، وفرض القواعد العسكرية للسيطرة على الدول المجاورة له، والتحكم في مصير تلك الدول وتهديدها، وكذلك تقديم التسهيلات والمساعدات لتغلغل «إسرائيل» في المنطقة، ومن ثم إعادة رسم خريطة المنطقة، وتوزيع الأدوار من جديد لضمان وجودهم في تلك المنطقة الاستراتيجية من العالم، للمحافظة على أمنهم ومصالحهم، وإضفاء الشرعية على وجود الدويلة الغاصبة، ومحاولة إعادة علاقات دول المنطقة مع ذلك الكيان، لتحظى بالصفة الشرعية والقانونية، وليتمكنوا من تمرير المخططات الإمبريالية والصهيونية على دول تلك المنطقة الحيوية، وهذا ما قامت به أميركا أخيرا وروجت له الدول الأوروبية، بما يعرف بـ (مشروع الشرق الأوسط الكبير) المعروفة سلفا نواياه وأهدافه.

والأدهى من ذلك أن قوات الاحتلال الأميركية تمارس وتتبع الأسلوب الذي يمارسه الكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة، وهم كما هو معروف لدى الجميع يستعينون بخبراء من - الموساد والشين بيت - والعسكريين الصهاينة منذ بداية الاحتلال للعراق.

وكل ما تفعله أميركا الآن في العراق، وما تمارسه من حرب مدمرة للقضاء على الانتفاضة الشعبية العارمة التي تقوم بها فصائل وفئات متوحدة من الشعب العراقي في المدن العراقية، من الموصل شمالا حتى البصرة جنوبا، ضد الممارسات القمعية والاستفزازية التي تتخذ طابع المواجهة المسلحة ضد قوات الاحتلال كان نتيجة لما صرح به السيد مقتدى الصدر في إحدى خطبه يوم الجمعة.

ومن هنا بدأت أميركا تأخذ كلامه على محمل الجد، ولقد أغلقت صحيفته - الحوزة الناطقة - نتيجة لمقال نزل فيها تحت عنوان: (بريمر يحذو حذو صدام)، واعتبرت المقال يدعو إلى التحريض وتأليب الرأي العام عليه، وهذا تناقض واضح لما يدعيه بريمر من وجود حرية الصحافة والتعبير عن الرأي، وهذا يبرهن ويثبت أنهم لا يريدون ولا يتقبلون من يرفض سياستهم أو يخالف رأيهم، أو يتجرأ ويدلي بوجهة نظره المخالفة لهم، وخصوصا فيما يخص الكيان الصهيوني، لأنهم يعتبرون تهديد أمن ووجود ذلك الكيان، تهديدا لأمنهم ووجودهم، وهذا ما يصرح به كبار المسئولين في أميركا.

محمد الحوري

العدد 594 - الأربعاء 21 أبريل 2004م الموافق 01 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً