قال الإمام علي بن أبي طالب (ع): «الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور الحق ولم يلجئوا منه إلى ركن وثيق». وحديث الإمام علي (ع) يجسد الحياة الواقعية الملازمة لكل جيل، إذ قسم الناس إلى ثلاثة، يمتلك الأول مقومات الإنتاج الفكري وصاحب معطيات ثقافية ويقدم الاستنتاجات المختلفة في كل قضية فكرية. والثاني وان لم يمتلك مقومات ومعطيات الأول وليس صاحب أية استنتاجات فإنه يحمل مسئولية القرار والحركة والعمل، إذ ينخرط في مغامرات العلم سعيا إلى الوصول إلى نتائج جيدة تكون كالمخزون الذي ينجي في يوم ما. أما الثالث فهم الناس الذين لا يمتلكون علما ولا ثقافة ولا وعيا فكريا، إذ انهم أتباع لفكر ما أو شخص ما أو حركة ما من دون وعي ومن دون فهم ما للواقع الذي يعيشه.

وكم يرثي العلماء لحال هذه الفئة من الناس، ويدعونهم إلى بناء القواعد الفكرية والثقافية التي يستريحون إليها وينطلقون منها، ويحثونهم على خلق شيء من إثارة بعض علامات الاستفهام في أنفسهم في ما يجري في الساحة الثقافية والفكرية والسياسية والاجتماعية، وألا يميلوا مع الرياح مستجيبين لكل ناعق، إذ انهم يعيشون الاهتزاز في حياتهم.

أحيانا تجد أحدهم يتحدث وكأنه وصل لما لم يصل إليه غيره من استنتاجات فكرية أو سياسية أو دينية، فما تسمعه إلا منتقدا بانتقاد لاذع هو أشبه بشتم أو قذف لعالم جليل أو مثقف أو فذ أو صاحب باع وخبرة في مجال من المجالات، وانتقاده اللاذع هذا إما ناتج عن جهل تربى في نفسه أو تأييدا لمواقف وأقوال غيره من دون وعي ومن دون ثقافة.

من حق كل فرد أن يعبر عن رأيه بحرية وأن ينتقد بحرية، وهذا ما تكفله لنا قوانين حقوق الإنسان، ولكنه ليس من حقه أن يشتم أحدا أو يسقط أحدا سواء كان أخبر منه أو لا في أي مجال، فللنتقد بقواعد، تنتج على أساسها المعطيات الفكرية والثقافية، إذ لا يكفي أن تقول أنا أنتقد فقط، بل لابد أن تمارس النقد تحت مظلة ثقافية واسعة تستطيع من خلالها أن تجد ردا لكل انتقاد يوجه إليك بعد انتقادك.

والغريب في هذه الفئة أنها تحلل لنفسها انتقاد غيرها وتحرم على غيرها انتقادها أو انتقاد المطابقين لها في الأفكار والتوجهات، وهذا ما نتج عنه جهل ربما يكون صعبا أن نخلصها منه، ولكن يكون من السهل أن ندعو لها بالهداية.

أحمد الدفاري