طالب وزير العدل جواد العريض - في مذكرة قدمت الى مجلس النواب تتعلق بتعديل مواد قانون السلطة القضائية في الجانب الخاص بالنيابة العامة - بالاحتكام إلى المحكمة الدستورية في شأن تعديل القانون المذكور بما يلغي تبعية النيابة العامة لوزير العدل، ويعطي جميع الحقوق المعطاة الى الوزير في القانون الى النائب العام. وبشأن منعه من الحديث في جلسة مجلس النواب الثلثاء الماضي قال الوزير ان ما حدث «يعد مصادرة غير مسبوقة لحق الحكومة في ابداء وجهة نظرها دون سند، ومخالفة دستورية صارخة». يذكر أن النواب وافقوا على تعديل القانون ورفعوه للحكومة، وسيمر بمجلس الشورى قبل أن ينظر في شأنه جلالة الملك.
وتحت عنوان «ضرورة الاحتكام إلى المحكمة الدستورية» قال الوزير إنه «إذا لم يشاطر المجلس (مجلس النواب) الوزارة في رأيها (بخصوص تعديل المواد الخاصة بالنيابة العامة)، فإنه لا مندوحة من حتمية الالتجاء إلى المحكمة الدستورية للنظر في شان دستورية المواد المقترح تعديلها، نظرا إلى أن مبنى التعديلات المذكورة ينحصر في القول بشبهة تداخل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية ولا يتعلق بقواعد موضوعية مجردة ما يضفي ظلالا كثيفة من النعي على المواد محل التعديل المقترح بالوقوع في حومة المخالفة الدستورية التي يشير إليها الإخوة أعضاء المجلس المحترمون مقدمو الاقتراح، فيما ينسبونه إلى تلك المواد من مخالفة مبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه في المادة 32 فقرة (أ) من الدستور، وكذلك مخالفة مبدأ استقلال السلطة القضائية المنصوص عليه في المادة (104) فقرة ب من الدستور أيضا، ما يوجب في حال الاختلاف في الرأي بشأن جدية هذا النعي بين الحكومة والبرلمان الفصل في المنازعات المتعلقة بالدستور باعتبار ان هذه المحكمة هي التي اولاها القانون ودون غيرها الفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين، عملا بالمادة (16) من المرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2002 بإنشاء المحكمة الدستورية، والتي يجري نصها على أن «تختص المحكمة دون غيرها بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح» وغني عن البيان أن القانون المذكور خول رئيس المجلس حق إحالة هذا الموضوع الى المحكمة الدستورية».
وأضاف الوزير «نشير الى أن استقلال السلطة القضائية الذي يتعين التقيد به والنزول على مفهومه ومقتضاه هو ما نص عليه المشروع الدستوري في المادة 104/ ب، ج من الدستور من أنه (ب - لا سلطان لأية جهة على القاضي في قضائه، ولا يجوز بأي حال التدخل في سير العدالة، ويكفل القانون استقلال القضاء، ويبين ضمانات القضاة والاحكام الخاصة بهم)، ومن انه (ج - يضع القانون الأحكام الخاصة بالنيابة العامة، وبمهمات الإفتاء القانوني، وإعداد التشريعات، وتمثيل الدولة أمام القضاء وبالعاملين في هذه الشئون). وإذ يتبين من هذين النصين ان عملية سير العدالة هي وحدها مناط استقلال السلطة القضائية عن باقي السلطات، وهو ما عبر عنه المشروع الدستوري صراحة في قوله إنه (لا سلطان لأية جهة على القاضي في قضائه). وعلى ذلك فإنه إذا انتفى ذلك السلطان وامتنع هذا التدخل من أية جهة عموما ومن وزارة العدل خصوصا في عمل القاضي وفي سير العدالة سواء كان القائم بها هو أحد القضاة أو أحد أعضاء النيابة العامة، فإن استقلال السلطة القضائية لا يكون قد تعرض للنيل منه أو التدخل في شئونه على أي وجه مهما كان ارتباط السلطة القضائية بالسلطة التنفيذية، حتى ولو كان ثمة تبعية وإشراف إداري أو مالي من اي نوع لوزير العدل في شأن من شئون أعضاء تلك السلطة، فما بالك وأن ذلك الارتباط وهذا الاشراف لا يتعدى الناحية الإدارية أو المالية المجردة واللتين هما من صميم الشئون الإدارية التنفيذية البحتة ولا يمتان بصلة الى سير العدالة ولا الوظيفة القضائية ذاتها».
وأكد الوزير أن «الإشراف الإداري هو الذي عناه المشروع في قانون السلطة القضائية في المواد المقترح تعديلها، دون الاشراف القضائي الذي يظل قاصرا على أعضاء النيابة العامة أنفسهم بحسب تدرجهم الوظيفي الذي حدده القانون في المادة 51 من قانون السلطة القضائية فيما تنص عليه من أن (يقوم بأداء وظيفة النيابة العامة ووكلائها ومساعديها، وفي حال غياب النائب العام أو خلو منصبه أو قيام مانع لديه يحل محله المحامي العام الأول، وتكون له جميع اختصاصاته)، إذ لم يُشر هذا النص في مباشرة النيابة العامة لوظيفتها إلى دور ما لوزير العدل في هذا الصدد. ويترتب على ذلك أنه لا يجوز لوزير العدل أن يتدخل في أي شأن من شئون الأعمال القضائية للنيابة العامة كأن يأمر أحد أعضاء النيابة العامة مثلا بتصرف في الدعوى الجنائية بصورة معينة، ولا أن يطلب إلى النائب العام نفسه التصرف على نحو ما في شأن من شئون تلك الدعوى سواء بالحفظ أو بإصدار أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى او بأي تصرف آخر. وخلاصة القول ان تبعية أعضاء النيابة العامة لوزير العدل هي تبعية إدارية لا تخل البتة باستقلال النيابة العامة باعتبارها شعبة أصيلة من شعب السلطة القضائية ولا تثير أية شبهة في هذا الخصوص. وقد أيد الفقه الجنائي هذا النظر في شأن تبعية النيابة العامة لوزير العدل، ولم يرَ فيه أحد أي تدخل من جانب السلطة التنفيذية في أعمال النيابة العامة»
وفي رسالة لوزير العدل بشأن منعه من الحديث في جلسة مجلس النواب الثلثاء الماضي قال العريض «ان ما حدث في مجلس النواب في جلسة الثلثاء يعد مصادرة غير مسبوقة لحق الحكومة في ابداء وجهة نظرها دون سند، ومخالفة دستورية صارخة، فضلا عن انه ينطوي ايضا على مخالفة للائحة الداخلية لمجلس النواب ذاته وخصوصا المادة 45 التي تنص على عدم تقيد الوزراء بترتيب من يطلبون الكلام، وان لهم الحق دائما في ان يتكلموا كلما طلبوا ذلك».
وقال الوزير إن طلب الحديث جاء بعد أن رأى أن لجنة الشئون التشريعية والقانونية لم تضع في تقريرها أية ملاحظات على رد الحكومة على تقرير وآراء اللجنة، واكتفت بإرفاق رأي الحكومة دون أن تغير من تقريرها أي شيء على رغم أن تأخير مناقشة التقرير أتى أساسا من أجل مناقشة الموضوع مع الحكومة.
وأضاف الوزير «رأت الوزارة ضرورة ان تطلب الكلمة عند طرح الموضوع لايضاح الامر وخطورته، غير ان رئاسة المجلس لم تُتح الفرصة للحكومة لتعرب عن وجهة نظرها في الموضوع بل ومنعتها تماما من ذلك بالمخالفة الدستورية الصريحة للمادة 93 من الدستور التي تجيز في جميع الاحوال لرئيس مجلس الوزراء وللوزراء حق حضور جلسات مجلس الشورى ومجلس النواب، وتنص صراحة على ان يستمع اليهم متى طلبوا الكلام. أما تذرع رئاسة المجلس بمقولة ان الاقتراح بقانون لا يناقَش وانما يرفع الى الحكومة استنادا الى المادة 95 من اللائحة، فاستناد في غير موضعه إذ لم تنص هذه المادة على الاطلاق على عدم المناقشة وانما ورد نصها حرفيا بالآتي (فإذا ما وافق المجلس على نظر الاقتراح أحاله الى الحكومة لتضع صيغة مشروع القانون) ونحن نتساءل عن مدلول عبارة (إذا ما وافق المجلس)، وكيف يمكن للمجلس الموافقة على نظر الاقتراح دون سماع وجهة النظر بشأنه سواء من اصحاب الاقتراح بقانون وايضا من جانب الحكومة لايضاح ما ورد في تقرير اللجنة والذي جاء مُبتسرا وغير متضمن لأي رد على مذكرة الحكومة».
وفي طرحه لتفاصيل المشكلة قال الوزير «بدأ مجلس النواب تناوله لهذا الاقتراح بقانون بأن احاله الى لجنة الشئون التشريعية والقانونية لتعد تقريرا بشأنه، فأعدت هذه اللجنة تقريرها فيه دون دعوة الحكومة ولا الوزير المختص لابداء الرأي فيه، على رغم خطورة واهمية وحساسية المقترح نظرا لتعلقه بالسلطة القضائية عموما والنيابة العامة خصوصا ومدى ارتباطها بالسلطة التنفيذية، وقدمت اللجنة تقريرها الى المجلس، وتبين وزير الدولة لشئون مجلسي الشورى والنواب هذه المخالفة من جانب اللجنة المذكورة فطلب اعادة التقرير الى اللجنة ومن ثم اعيد اليها التقرير للوقوف على رأي الحكومة. وتقدمت وزارة العدل بمذكرة مكتوبة في هذا الشأن استعرضت فيها الرد على الاقتراح بقانون ولكن اللجنة لم تأخذ به».
وبين الوزير في الكلمة التي كان سيلقيها أمام مجلس النواب والتي منع من إلقائها «ان تقرير اللجنة المعروض اليوم لم يُشر الى مذكرة الوزارة على الاطلاق على رغم انه اثبتها ضمن مدوناته، ومن ثم لم يتناول التقرير ما ورد في هذه المذكرة من أدلة وأسانيد تدعيما لرأي الحكومة. وكنا نود لو تضمن هذا التقرير شيئا من ذلك حتى تكون ثمة مناقشة موضوعية مجردة حسبما تقتضيه المباشرة السليمة للديمقراطية، ويكون كذلك ثمة تفعيل جدي للمبدأ الجوهري الذي نص عليه الدستور في المادة 32 منه من قيام نظام الحكم على مبدأ فصل السلطات مع تعاونها وفقا لاحكام الدستور، وليس تنافرها او عملها بمعزل عن بعضها البعض».
وأشار الوزير إلى أن «اللجنة التشريعية استندت فيما خلصت اليه في تقريرها إلى ان الاقتراح بقانون يتفق مع ما نص عليه الدستور من ان تنفرد السلطة القضائية بتصريف شئون اعضائها، وان تتحرر من كل قيد او ضغط او اشراف او تداخل من أية جهة كانت. وبالرجوع إلى الفصل الرابع من الدستور والمتعلق بالسلطة القضائية لا نجد نصا صريحا بهذا المعنى المحدد والقاطع على الاطلاق لا بالنسبة إلى القول بانفراد السلطة القضائية بتصريف شئون اعضائها، ولا بالنسبة إلى القول بتحرر هذه السلطة من كل قيد او ضغط او اشراف او تداخل من أية جهة. وانما كل ما ورد في هذا الشأن من بيان هو ما جاء في المادة 104 / ب، ج من الدستور فيما تنص عليه من انه (لا سلطان لأية جهة على القاضي في قضائه، ولا يجوز بحال التدخل في سير العدالة، ويكفل القانون استقلال القضاء، ويبين ضمانات القضاة والاحكام الخاصة بهم) و(يضع القانون الاحكام الخاصة بالنيابة العامة... الخ). وايضا المادة 105 / د فيما تنص عليه من ان (ينشأ بقانون مجلس اعلى للقضاء يشرف على حسن سير العمل في المحاكم وفي الاجهزة المعاونة لها، ويبين القانون صلاحياته في الشئون الوظيفية لرجال القضاء والنيابة العامة). واذا كانت هذه النصوص جميعها قاطعة الدلالة فيما تقضي به من عدم جواز التدخل في سير العدالة وفي انه لا سلطان لأية جهة على القاضي في قضائه، وكذلك في الاختصاص الاشرافي للمجلس الاعلى للقضاء، فهي بالتأكيد - اي النصوص المذكورة - لا تحمل اي معنى في شأن انفراد السلطة القضائية بتصريف شئون اعضائها، بدليل ان قانون السلطة القضائية لم يخول المجلس الاعلى للقضاء فيما نص عليه من صلاحيات له في الشئون الوظيفية لرجال القضاء والنيابة العامة سوى اقتراح التعيين والترقية وفي كل ما يتعلق بشأنهم، وابداء الرأي في مشروعات القوانين المتعلقة بهم، ولا يخفي ان صلاحية الاقتراح وابداء الرأي المقررة بنص القانون تختلف تماما عن صلاحية الانفراد بتصريف الشئون على النحو المقول به في تقرير لجنة الشئون التشريعية والقانونية. ومن ثم يكون ما يذهب اليه هذا التقرير في هذا الشق الاساس والجوهري منه هو محض استنتاج منه لا يسايره نص دستوري صريح قاطع الثبوت والدلالة وخصوصا فيما يتعلق بالنيابة العامة التي انصب الاقتراح بالقانون الماثل على طلب تعديل النصوص الخاصة بها وحدها».
وأكد الوزير العريض ان مسايرة اللجنة في تقريرها ستترتب عليه مخاطر دستورية جمة أهمها «عدم امكان مباشرة مجلس النواب لدوره الرقابي بالنسبة إلى بعض الاختصاصات الاشرافية غير القضائية التي ناطها القانون بالنيابة العامة، وعلى رأس تلك الاختصاصات الاشراف على السجون واماكن تنفيذ العقوبة المقرر بالمادة 56 من القانون المقترح تعديلها. اذ ان أحدا لا ينكر ان الاشراف على تلك السجون والاماكن لا يدخل ضمن العملية القضائية التي تزاولها النيابة العامة والتي ليس لأية جهة حق التدخل فيها، وانما يعد هذا الاشراف من الضمانات التي رأى المشرع في اسنادها للنيابة العامة كفالة لحقوق المواطن ودرءا لما عساه ان يقع من رجال الشرطة من تجاوزات في حق نزلاء هذه السجون والاماكن. ومن ثم فإنه اذا كان ثمة تقصير او اخلال بحقوق هؤلاء النزلاء، فكيف ستكون مراقبتكم البرلمانية بشأنه، بعد ان تنسلخ النيابة العامة عن عباءة وزارة العدل ولا يكون لها من ممثل داخل الحكومة مشكّلة في مجلس الوزراء، ام ان هذه الامور من تجاوزات وتقصيرات وما شابهها ستضحى بعد التعديل المقترح بمعزل عن الرقابة البرلمانية؟ فضلا عن أن الموافقة على المقترح ستتطلب ضرورة النظر في تعديل بعض مواد قانون الاجراءات الجنائية الصادر بالمرسوم بقانون رقم 46 لسنة 2002 ذي الصلة برئاسة وزير العدل للنيابة العامة وتبعية الاخيرة له».
وأردف الوزير في كلمته «ان القول بتعديل بعض المواد المقترح تعديلها ومنها المادتان 62 و63 المتعلقة اولاهما بأداء اليمين وثانيهما بتحديد مقر عمل ودائرة اختصاص اعضاء النيابة، سيؤدي إلى حجب وزير العدل عن اداء اليمين المذكورة وتقليص دوره في تحديد دوائر اختصاص اعضاء النيابة العامة، وهو ما يؤدي إلى تمايز وتغاير في الوضع بالنسبة إلى هؤلاء عنه بالنسبة إلى السادة القضاة دونما سند ولا مقتض من اسس النظام القضائي المعمول به في المملكة. اذ المعلوم ان قانون السلطة القضائية يقضي بأن يكون اداء القضاة لليمين القانونية قبل مباشرة وظائفهم - بما فيهم رئيس محكمة التمييز طبعا، والذي هو رئيس المجلس الاعلى للقضاء بالنيابة - امام الملك بحضور وزير العدل. كما ينص على جواز انشاء محاكم كبرى مدنية وصغرى في المحافظات بقرار من وزير العدل بعد موافقة المجلس الاعلى للقضاء، وهو ما يعتبر تحديدا لنطاق الاختصاص الاقليمي لتلك المحاكم التي وافق المجلس الاعلى للقضاء على انشائها. فإذا كان ذلك هو الشأن بالنسبة إلى القضاء الذي هو اساس السلطة القضائية وعمادها، فهل يقبل او يستقيم منطقا آلا يكون لوزير العدل دور مماثل بالنسبة إلى أداء أعضاء النيابة العامة لليمين القانونية وتحديد مقار عملهم، في الوقت الذي تعتبر فيه هذه النيابة العامة شعبة اصيلة من شعب السلطة القضائية».
وفيما يتعلق بالتعيين قال الوزير «انه على رغم مما يخوله القانون لوزير العدل حاليا من سلطة التعيين الفوري بالنسبة إلى وظيفة مساعد نيابة، وما ينص عليه قانون السلطة القضائية كذلك من اختصاص المجلس الاعلى للقضاء باقتراح تعيين القضاة واعضاء النيابة مباشرة فقد تم التنسيق بين الوزارة والمجلس الاعلى للقضاء في هذا الشأن على ان يكون اختيار من يرشحون للتعيين في وظائف القضاء والنيابة عن طريق الاعلان لإتاحة الفرصة لجميع من تتوافر فيهم اشتراطات التعيين للتقدم لشغل هذه الوظائف، وليكون الاختيار من بين هؤلاء على أسس موضوعية مجردة، وقد تم الاعلان عن ذلك فعلا، بل ان التنسيق والتعاون بين الوزارة والمجلس في هذا الصدد امتد لأبعد من ذلك، إذ قرر المجلس الأعلى للقضاء تشكيل لجنة لتلقي طلبات الالتحاق بسلك القضاء والنيابة ويكون من بينها عضو يختاره وزير العدل، إلا ان الوزير تنازل عن ذلك واخطر من جانبه نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس محكمة التمييز بأنه يفضل ان يكون تشكيل هذه اللجنة بالكامل من بين السادة المستشارين والقضاة العاملين في القضاء والنيابة العامة ايمانا منه باستقلال السلطة القضائية واختصاصها بكل ما يتعلق بشئون اعضائها، وعلى هذا الاساس من التفاهم المشترك وروح التجاوب العملي لما فيه الصالح العام يكون التعاون البناء والايجابي بين السلطة القضائي والسلطة التنفيذية دونما حاجة الى نصوص جامدة صماء تقيم كثيرا من الحجب وتعرقل بل وتحول دون تفعيل مثل هذا التعاون المنشود والذي ينص عليه الدستور».
وعن التعديل المقترح للمادة 55 من القانون بما ينقل تبعية أعضاء النيابة العامة من وزير العدل للمجلس الأعلى إلى القضاء قال الوزير إنه «اقتراح لا يستقيم مع طبيعة ذلك المجلس وتكيفه القانوني؛ وذلك لأن المجلس الاعلى للقضاء بحكم تشكيله من بعض رجالات القضاء والنيابة العامة الذين يأتي على رأسهم رئيس محكمة التمييز ثم النائب العام لا يعد البتة لا دستوريا ولا قانونيا جهة إدارية ذات شخصية معنوية وهيكل تنظيمي محدد تتبعه عدة إدارات وأقسام وما شابه ذلك على نحو ما تتميز به الاشخاص المعنوية العامة، وهو بهذه المثابة - أي المجلس المذكور - لا يعد شخصا قانونيا على أية حال، ولا يسوغ لذلك ان يكون متبوعا إداريا من جهة أخرى».
وبشأن ماهية القانون الحالي قال الوزير «إن قانون السلطة القضائية الحالي الصادر بالمرسوم بقانون رقم 42 لسنة 2002، جاء في جملته وتفصيلاته مسايرا لأحدث القوانين المماثلة في أعرق الدول الديمقراطية وأرسخها في النظم القضائية الأوروبية منها والعربية وعلى رأس هذه وتلك فرنسا وإيطاليا على النحو السابق تفصيله في مذكرتنا المقدمة أمام لجنة الشئون التشريعية والقانونية الموقرة، لاسيما وأن ثمة اختلافا كبيرا لا ينكره منصف بين عمل القاضي الذي هو جوهر السلطة القضائية ومحوره، وبين عمل عضو النيابة التي هي شعبة اصيلة من شعب السلطة القضائية تختص بالتحقيق والاتهام وليس الفصل في القضايا التي هي قوام العملية القضائية واساس سير العدالة. هذا النظام الحالي يتفق مع معظم التشريعات المتقدمة ويساير ما تأخذ به الدول الأوروبية الأعرق ديمقراطية كما هي الحال في فرنسا وايطاليا ومعظم الدول العربية والدول الخليجية أيضا على رغم ايمان كل تلك الدول باستقلالية السلطة القضائية بما فيها النيابة العامة، فإنه لا يكون من شائبة تلحق بهذا النظام البتة، ولا يكون من سبب حقيقي يدعو الى تعديله وهو لم يزل في مراحلة الاولى ولم يشتد عوده بعد، بل ولم تثبت في حقه اية شبهة تنال منه او تؤثر في استقلالية السلطة القضائية من قريب او بعيد. وفوق ما تقدم جميعه فإنه واذا كان المسلم به ان مرافق القضاء في ذاته بعناصره ومقوماته كافة ينبغي النظر اليه من زاويتين، تخلص الزاوية الأولى منهما في كونه مرفقا عاما يختص بالفصل في الخصومات الموجودة بين الناس وانزال العقاب على الخارجين على القانون، وهو بهذه الصفة ومن هذه الزاوية يندرج تحت عباءة وزارة العدل المنوط بها تسيير شئون العدالة دون التدخل فيها، وتتعلق الزاوية الثانية في العملية القضائية ذاتها وتطبيق العدالة في شأنها وتلكم هي وحدها جوهر السلطة القضائية وقوام وجودها سواء ما تعلق منها برجال القضاء أو بأعضاء النيابة العامة، وهذه هي وحدها التي لا يجوز لأية جهة بما فيها وزارة العدل التدخل فيها او التأثير في ضوابطها ومقوماتها على نحو او على آخر حسبما ينص عليه الدستور». إن مرفق القضاء ذاته والأمر كذلك يكون مصطبغا بصبغتين احداهما تنفيذية ادارية بحتة والأخرى قضائية تخصصية محضة، والأولى وحدها دون الثانية هي التي تدعو جميع دول العالم الى إفراد وزارة لها تسمى وزارة العدل، والثانية هي وحدها ما تعرف بالسلطة القضائية والتي لا يجوز التدخل في سير العدالة بموجبها».
وأفاد الوزير بأنه وبما أن «الأمر الذي دعا اللجنة الى تأييد الاقتراح هو التخوف من وجود شبهة التدخل في السلطة القضائية فإن الحكومة لا ترى وجها لذلك التخوف البتة، مما ينتفي معه سبب الاقتراح بالقانون القائم، وكان ذلك الخوف يعني قيام شبهة عدم الدستورية في النصوص المقترح تعديلها وهو ما تنكره الحكومة، فإنه ينبغي لذلك احالة الأمر اذا ما رأى المجلس تأييد لجنة الشئون التشريعية والقانونية فيما انتهت اليه في تقريرها من تبني الاقتراح بالقانون الماثل الى المحكمة الدستورية لتقول كلمتها في شأن مدى دستورية تلك النصوص المطالب بتعديلها».
وأشار الوزير في مذكرة أخرى الى أن تبعية أعضاء النيابة العامة له هي تبعية إدارية فقط وليست قضائية، وأن دوره بالنسبة إلى السلطة القضائية عامة وبالنسبة إلى النيابة العامة فهو دور سياسي تنفيذي.
بالنسبة إلى المادة (55) من القانون (التي نقل تعديلها تبعية أعضاء النيابة من الوزير إلى المجلس الأعلى للقضاء) فإن وزير العدل وإن كان يتولى الإشراف والرقابة على النيابة العامة وأعضائها فإن ذلك الإشراف وتلك الرقابة هما لأغراض دستورية وإدارية فقط، ولا يتطرقان إلى أعمال النيابة العامة القضائية، وبالتالي فإن هذا الإشراف والرقابة يكونان بالقدر وفي الحدود التي تتطلبها الناحية الإدارية والمساءلة الدستورية، ولا يمتدان إلى مظاهر السلطة الرئاسية.
وبالنسبة إلى المادة (59) من القانون (التي يعطي تعديلها حق تعيين مساعدي النيابة إلى النائب العام بدلا من الوزير) بينت الوزارة ان قرار الفصل الذي يصدره وزير العدل بالنسبة إلى مساعدي النيابة العامة ليس حقا مستقلا ولا إنشائيا من عند الوزير، وإنما هو حق تبعي تنفيذي يأتي بناء على اقتراح المجلس الأعلى للقضاء.
وفيما يتعلق بالمادة (62) من القانون (إذ يقضي التعديل بأن يؤدي أعضاء النيابة اليمين أمام النائب العام بدلا من الوزير كما يلغي حضور الوزير في مراسم يمين النائب العام أمام الملك) فإن حضور وزير العدل أداء النائب العام وباقي أعضاء النيابة لليمين أمام الملك مسألة شكلية رسمية تتعلق بالبروتوكولات وتنص بالتشريف والتوقير، ولا تعد تدخلا في شئون السلطة القضائية أو مساسا باستقلالها.
وبشأن المادة (67) (التي يقصر تعديلها حق إعطاء توجيه تنبيه شفهي أو كتابي لعضو النيابة العامة الذي يخل بواجبات وظيفته على النائب العام إذ كان الحق معطى للوزير بالتوازي مع النائب العام) بينت الوزارة أن هذا الأمر وإن كان يتعلق بالنواحي الإدارية فإن وزير العدل لا يستقل به بصفة نهائية، وإنما يكون لعضو النيابة أن يتظلم من التنبيه أمام المجلس الأعلى للقضاء الذي تكون له الكلمة العليا في مسألة التنبيه.
وفي التعليق على تعديل المادة (68) (التي يعطي تعديلها الحق للنائب العام في إصدار قرارات تفتيش أعضاء النيابة بدلا من الوزير) جاء رأي وزارة العدل أن التعديل الوارد في الاقتراح لا مساس له باستقلال السلطة القضائية؛ لأن قرار وزير العدل بنظام التفتيش لا يصدر إلا بناء على اقتراح النائب العام وبعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء
العدد 616 - الخميس 13 مايو 2004م الموافق 23 ربيع الاول 1425هـ