العدد 2365 - الأربعاء 25 فبراير 2009م الموافق 29 صفر 1430هـ

مسجد الخميس و«بنو معالي»... سلالة دينية حاكمة

القيادة الدينية تتحول لسياسية

رجحنا في حلقات سابقة أن معالي بن الحسن باني مسجد الخميس كان هدفه تأسيس مركز ديني،هذا المركز الديني يتناوب على قيادته شيوخ من نفس سلالته، أي بمثابة المركز القيادي الوراثي،وهذا النظام ليس غريبا في تلك الحقبة من الزمان،فيذكر لنا جعفري في كتابه عن الأصول والتطور المبكر للشيعة في الإسلام أن القيادة الدينية هي الأساس، حيث يؤسس رجل دين له مكانته الاجتماعية بين الناس هذا المركز،و يفضل أن يكون من نسل معين عرف عنه التدين والأخلاق الرفيعة. ويرى جعفري أن من الطبيعي مع مرور الزمن أن تتحول هذه القيادة الدينية لقيادة سياسية تتسلم الحكم. ويستشهد لنا جعفري بما وثقه لنا المستشرق سرجينت الذي درس نظام «الحوط» وتاريخها في الجزيرة العربية. «فالحوطة» هي بمثابة المركز الفقهي وكذلك مركز القيادة،وغالبا ما تبنى بالقرب من المركز التجاري في المدينة،ويجتمع فيها أشراف المدينة التي توكل لهم القيادة كالسادة العلويين في حضرموت،وتكون القيادة وراثية.

نلاحظ هنا تشابها كبيرا بين هذا النظام وما حدث في البحرين في تلك الحقبة، ولاسيما وجود التزامن في الأحداث، فهذه الأنظمة متزامنة لما يحدث في البحرين. نحن نرجح هذه النظرية،أي وجود قيادة دينية أسست مركز ثم تحولت لقيادة سياسية تسلمت إدارة الحكم. ولكي نثبت هذه النظرية، علينا التدرج في النقوش بحسب الفترة الزمنية ونستنبط منها الحقائق الأولية التي سنبلورها في نظرية واحدة.

«معالي» وسلالة الشيوخ

حصلنا على هذه الحقيقة من نقش لأحد القبور عثر عليه في المقبرة المجاورة لمسجد الخميس، لم نحصل له على صورة إلا أن نص النقش نشره عبدالله السعيد في صحيفة «الوسط»، والنص كالتالي:

«...الشيخ... السعيد... بن الشيخ سعيد بن معالي تغمده الله ونور ضريحه. توفي في الرابع عشر من سنة ستمئة وسبعة وأربعين» (يوافق ذلك قرابة العام 1249م).

لا نعلم بالتحديد مركز هذا الشيخ، وهل معالي هذا هو نفسه معالي بن الحسن باني مسجد الخميس؟ كل هذا لا يهمنا،ما يهمنا وجود شخص اسمه معالي وله سلسلة أحفاد من الشيوخ، والحقيقة المقبلة ستوضح لنا كل ما نريد.

«بنو معالي»

من شيوخ لأمراء

في الفترة الواقعة بين الأعوام 1250 و1320 تحولت سلالة بني معالي من سلالة شيوخ لسلالة أمراء وتغير لقبها تماما، وتم حذف لقب «شيخ» من مسماها، ويمكننا أن نستنتج هذه الحقيقة من النقشين التاليين:

نقش بناء أو ترميم المنارة

عثر في غرفة الحارس في مسجد الخميس على نقش على صخر حذفت منه أجزاء ويمكننا قراءة ثلاثة أسطر كالتالي:

(1) أمر بعمارة هذه كذا] المنارة المباركة السيد المعظم المخدوم

(2) محي الجهاد...

(3) ...سنة أربع وعشرين وسبعمئة

يعود تاريخ النقش لقرابة العام 1323 ولا نعلم إذا كان هذا أمر ببناء منارة أخرى وفي هذه الحالة تكون المنارة الشرقية أو هو في الواقع أمر بترميم إحدى المنارتين. ويلاحظ وجود اللقب «السيد المعظم» إلا أن اسم هذا السيد المعظم مُسح من النقش. ويلاحظ وجود لقب «محي الجهاد» ويبدو أن هذا «السيد المعظم» كان يحفز الناس للتخلص من القوى الخارجية المسيطرة،وأن قراراته لها منطلق ديني فهو يستخدم مصطلح «الجهاد».

لحسن الحظ أنه حتى وإن مُسح الاسم من هذا النقش،إلا أنه بالإمكان التعرف على الاسم من نقش آخر نشر في نفس الفترة الزمنية إلا أنه ليس في نفس المكان،وهو النقش التالي:

نقش بناء مسجد «علي بن حمّاد»

يوجد مسجد علي بن حماد في قرية باربار وقد عثر بداخله على نقش يتكون من قطعتين،وقد نقش على القطعة الأولى نقش مكون من ثلاثة أسطر تقرأ كالتالي:

(1) أمر بعمارة هذا المسجد الشريف المولى الصاحب المعظم الأكرم المكرم ملك الوزراء في العالمين

(2) شمس الدنيا والدين محمد بن أحمد بن سعيد بن معالي أدام الله معاليه متقربا بذال كذا] إلى الله تعالى وكملت لدى آخرها

(3) شعبان المبارك من شهور سنة تسع وعشرين وسبعمئة والحمد لله وحده وصلى الله على محمد النبي...

أما الجزء الآخر من النقش فيتكون من سطرين ويقرأ كالتالي:

(1) عمل الأستاذ فضل بن مواليا

(2) غفر الله له ولوالديه

يعود تاريخ هذا النقش للعام 1329 أي بعد نحو ست سنوات من نقش المنارة،وقد يكون «السيد المعظم» هو نفسه الصاحب المعظم هنا،أو ربما يكون شخص آخر خلفه الصاحب المعظم. ما يهمنا بالدرجة الأولى اسم الجد «سعيد بن معالي» وهو نفسه الشيخ سعيد بن معالي السالف الذكر،وهذا يعني أن سلالة الشيوخ السابقة تحولت لسلالة أمراء وتغيرت ألقابها ربما بسبب تغير السيطرة السياسية الخارجية التي تفرض ألقابا معينه.

وإن كنا نشكك أن «معالي» قد أسس سلالة،فالنقش الذي سنناقشه لاحقا بعد ما يلي يرجح وجود سلالة «بني معالي» الحاكمة.

القلاقل مع الهرمزين

في العام 1330 سيطر أمير هرمز قطب الدين تهمتن على جزر البحرين،ولا توجد أية إشارات إلى أن حاكم جزر البحرين السابق قد تغير،حتى العام 1345 حين انقلب كيقباذ ضد أخيه قطب الدين تهمتن،إلا أن المنية عاجلت كيقباذ الذي خلف ابنين هما شادي وشنبه الذين فشلا في الاحتفاظ بالسلطة وهربا من هرمز لجزيرة البحرين،وسيطر شادي على جزر البحرين بعساكره. وعند ما توفي قطب الدين العام 1347 استغل شادي الوضع وخرج بجيشه من جزيرة البحرين وسيطر على جزيرة قيس. إلا أن فكر الدين تورانشاه الذي خلف أباه قطب الدين قرر أن يحسم الأمر مع أبناء عمه،فجرد حمله عسكريه ضد شادي وطرده من جزيرة قيس ففر شادي هاربا لجزيرة البحرين وتوفي فيها بعد فترة قصيرة،ولحقن الدماء أعطى تورانشاه حكم البحرين لابن شادي الصغير.

في هذه الأثناء كان ابن العم الآخر شنبه يراقب الموقف عن كثب وهو في شيراز،فسارع لجزيرة البحرين واستولى على السلطة فيها بعد أن قتل ابن أخيه. وقد أشاع شنبه الرعب في جزيرة البحرين فأخذ يهرب منها سكانها خشية من بطشه.

ثار علي بن محمد الملقب بالبهلوان ضد شنبه، إلا أن شنبه تمكن من القبض عليه وسجنه. وثار بعد ذلك الأمير عجيب أو عقيل و تمكن من مهاجمة شنبه في قصره و قتل شنبه وبذلك أصبحت سلطة جزيرة البحرين في يده، وسعى للاستقلال بالجزيرة.

بعد خروج علي البهلوان من السجن اختلف مع عجيب وتحالف مع أحمد بن راشد بن مانع من عصفور لكي يتم توحيد شرق الجزيرة العربية و جزر البحرين من جديد،وقاما بالاتصال بأمير القطيف ماجد العصفور،إلا أن ماجد العصفور خذلهما وقام باعتقالهما وإرسالهما لتورانشاه. في هذه الأثناء كان تورانشاه قد وصل جزيرة البحرين لكي ينهي القلاقل السياسية التي بها. فقام بالقبض على عجيب وإعدامه،و بعدها استرضى أحمد بن راشد وعلي البهلوان وأطلق سراحهما. و يبدو أن تورانشاه قد أعاد الرئاسة في جزر البحرين لسلالة «بني معالي» وهذا ما يثبته النقش التالي:

نقش قبر الصدر المعظم

هذا النقش أيضا لا نمتلك له صورة وإنما قراءة نشرها عبدالله السعيد في صحيفة «الوسط» العدد 176 بتاريخ 1 مارس/ آذار2003،ونصه كالتالي:

«المرحوم السعيد نور الله مرقده،عاش أربعة وعشرين سنة،هذا ضريح الصدر المعظم المرحوم السعيد زين الدنيا والدين علي بن المولى المعظم زين الدنيا والدين محمد بن أحمد بن معالي،توفي الثالث عشر من جمادى الآخرة سنة سبعمئة وسبعين».

يعود تاريخ هذا النقش للعام 1368 ومن الواضح هنا أن «بني معالي» قد أسسوا لسلالة من الأمراء الذين تولوا الشئون الداخلية لجزر البحرين بعد العيونيين.

ملاحظات واستنتاجات على النقوش

1 - هناك سلالة لشخص يعرف باسم «الشيخ سعيد بن معالي» وربما يكون هذا الشيخ حفيد «معالي بن الحسن بن علي بن حماد» باني مسجد الخميس. وربما كان للشيخ سعيد مكانة بين شعب البحرين وكذلك ابنه الذي وجد له نقش على قبره وهو شيخ أيضا ولكننا لا نعرف اسمه. وقد تسلم حفيد الشيخ سعيد بن معالي سلطة إدارة الشئون الداخلية لجزر البحرين لصالح القوى الخارجية وقد عرف باسم «الصاحب المعظم».

2- يلاحظ أن الهرمزيين لم يحكموا جزر البحرين مباشرة وإنما المرجح أنهم استعانوا باثنين من سلالة بني معالي،الأول وهو محمد بن أحمد بن سعيد بن معالي وقد لقب باسم «المولى المعظم»،أما الثاني فهو ابن الأول علي والذي لقب بالصدر المعظم. وقد حكم الاثنان 38 سنة على الأقل لصالح الهرمزين. إلا أن الأخير علي بن محمد توفي وعمره 24 سنة أي أنه لم يخلف أحدا يمكنه تسلم الحكم من بعده. وكان هذا آخر ذكر لبني معالي،وقد أسند الهرمزيين بعد ذلك السلطة الداخلية لهرمزيين على الأرجح.

حول «علي بن حماد»

المصادفات كثيرة، فاسم علي بن حماد مشهور على ألسن العامة وأنه عاش في البحرين وله أشعار في مدح أهل البيت ولكنهم اختلفوا على متى عاش. ويبدو من المعطيات أن علي بن حماد فعلا عاش في البحرين في نهاية القرن الرابع الهجري (أي الحادي عشر الميلادي) وقد ناقشنا ذلك في الحلقة الخامسة من هذه السلسلة. و يبقى أن نقول أن كل المصادفات في الأسماء والتوافق في التواريخ من الصعب أن يكون مجرد مصادفات ونرجح أن يكون «علي بن حمّاد» الشاعر وراوية الحديث عاش وتوفي في البحرين ولكن قبل وفاته أسس مدرسة فقهية سار على نهجها أبناؤه فبنى أحد أحفاده مسجد الخميس وأسس هو الآخر مدرسة وسلالة،وازدادت قوة هذه السلالة حتى تسلمت السلطة السياسة الداخلية للبلد.

الحرية الدينية في عهد بني معالي

لا بد وأن يكون شعب البحرين في هذه الفترة تمتع بقدر كبير من الحرية الدينية التي ضاعفت من العطاء الفكري والديني لعلماء البحرين،ولا ننسى أن عائلة «بني معالي» نفسها ينتمي لها شيوخ وهي في الأصل سلالة شيوخ وعلماء دين. وقد كان أبرز علماء هذه الفترة الشيخ ميثم البحراني (1239 - 1300). العطاء الفكري والفلسفي والعقائدي للشيخ ميثم لهو دليل على ما تمتع به الشعب من انفتاح فكري عقائدي.

الهرمزيون يديرون جزر البحرين

بعد زوال سلالة بني معالي تولى الهرمزيون إدارة البحرين،فهل سينتهي عصر «الانفراج الديني» وتبدأ حقبة سوداء؟ وما هي يا ترى السياسة التي ستتبع من قبل الأمراء الهرمزيين؟ وماذا سيكون مصير مسجد الخميس؟ أسئلة كثيرة سنحاول الإجابة عليها في الحلقة المقبلة

العدد 2365 - الأربعاء 25 فبراير 2009م الموافق 29 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً