أرسل الزعيمان الكرديان جلال الطالباني ومسعود بارزاني خطابا إلى الرئيس الأميركي جورج بوش بتاريخ 1 يونيو/ حزيران الجاري، يهددان فيه بمقاطعة الانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في يناير/ كانون الثاني المقبل، ما يعني خطوة فعلية باتجاه الانفصال عن العراق، إذا لم تعترف الأمم المتحدة بقانون إدارة الدولة المؤقت الذي أقر في مارس/ آذار الماضي.
ويتضمن قانون إدارة الدولة المؤقت فقرة أصر الأكراد في مجلس الحكم المنحل على تضمينها في القانون على رغم التحفظات التي أبداها نصف اعضاء مجلس الحكم على الأقل عليها، وتسمح بوقف الدستور الدائم إذا رفضه ثلثا سكان ثلاث محافظات عراقية من الثماني عشرة محافظة. ومضمون هذه الفكرة يتيح للأكراد فعليا الاعتراض على أية محاولة لتقويض حكمهم الذاتي، ولا سيما أن الحزبين الكرديين الرئيسيين بزعامة الطالباني والبارزاني يسيطران على ثلاث محافظات عراقية. وأثارت هذه الفقرة اعتراضات من جانب قوى دينية وشعبية واسعة ولاسيما في وسط الغالبية الشيعية، فاعترض المرجع الشيعي آية الله السيدعلي السيستاني على حصول قانون إدارة الدولة على أي تأييد للوثيقة في قرار الأمم المتحدة.
ويشعر الزعماء الأكراد بالقلق من انه قد يتم التغاضي عن ضمانات لحكمهم الذاتي بالطريقة التي يقولون إنه تم بها التغاضي عن المرشحين الأكراد في المنصبين الكبيرين وهما منصب الرئيس ورئيس الوزراء في الحكومة المؤقتة التي عينت الأسبوع الماضي.
وطالب الزعيمان الكرديان في رسالتهما المشتركة إلى بوش بإدخال قانون الإدارة المؤقت في قرار مجلس الأمن أو الاعتراف به كقانون ملزم للحكومة الانتقالية، قبل وبعد الانتخابات.
وهددا انه في حال إبطال قانون إدارة الدولة المؤقت أو عدم العمل به فإن الأكراد سيمتنعون عن الاشتراك والمساهمة في الحكومة المركزية ومؤسساتها، ومقاطعة الانتخابات، وحظر وجود ممثلي الحكومة المركزية في كردستان، مطالبين بتعهد من الجانب الأميركي بحماية شعب وحكومة كردستان إذا ما أدى العصيان والفوضى إلى انسحاب قوات التحالف من العراق. كما طالبا بإعادة مدخولات برنامج النفط للعام والخاصة بحصة المناطق الكردية، فضلا عن أنهما طالبا بحصة خاصة تتناسب ونسبة الأكراد في العراق من المبلغ الاجمالي البالغ 19 مليار دولار، الخاص بمساعدة إعادة اعمار العراق والذي خصصه الكونغرس الأميركي. كما طالبا بفتح قنصلية أميركية في اربيل والعمل على تشجيع دول التحالف الاخرى لاتخاذ الخطوة ذاتها في خطوة تمهيدية على ما يبدو للحصول على اعتراف دولي لإقامة كيان كردي مستقل.
وفي إطار الموقف ذاته حذر رئيس الوزراء الكردي نيجيرفان برزاني من ان وحدة العراق قد تكون في خطر إذا لم يؤيد قرار وشيك من الأمم المتحدة الحكم الذاتي الممنوح للأكراد بموجب قانون إدارة الدولة المؤقت. ولم تشر أحدث مسودة لقرار دولي إلى ذلك القانون. ويتمتع الأكراد بحكم ذاتي عن بغداد في جيبهم الشمالي منذ حرب الخليج العام 1991، إلا ان الكثيرين يخشون من ان الحكومة التي ستتولى السلطة من الإدارة التي تقودها الولايات المتحدة في 30 يونيو/ حزيران ربما تحاول أن تعيدهم إلى الحكم المركزي. وقال برزاني إن القيادة الكردية ستنسحب من الحكومة المركزية في بغداد إذا لم يعترف قرار الأمم المتحدة بالقانون الذي يحمي حكمهم الذاتي.
وقال نيجيرفان إن شكل الحكومة المؤقتة كان مؤشرا على أن مطالب الأكراد لا تؤخذ بشكل جدي، موضحا انه حتى صدام حسين كان عين أكرادا في بعض المناصب في السلطة، كما كان أيضا نائب رئيس منهم. وتابع ان الولايات المتحدة تريد إرضاء وتهدئة الآخرين على حساب الأكراد، لكن لا شك في أنه بإمكان الأكراد أيضا أن يخلقوا مشكلات.
وأضاف نيجيرفان أن الأكراد حصلوا على معلومات بأن السيستاني لم يؤيد الحكومة العراقية الجديدة إلا بشرط الا تكون هناك إشارة إلى قانون إدارة الدولة المؤقت في قرار الأمم المتحدة.
وفيما يأتي نص رسالة البارزاني والطالباني إلى الرئيس بوش، كما نشرها موقع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البارزاني على شبكة الانترنت:
سيادة الرئيس جورج دبليو بوش
رئيس الولايات المتحدة الاميركية
البيت الأبيض - واشنطن (دي. سي.)
فخامة السيد الرئيس
نكتب إلى سيادتكم هذه الرسالة لنستعرض فيها وجهات نظرنا بشأن الامور التي باتت تقلقنا فيما يخص الحكومة العراقية الانتقالية. نحن نعتبر شعب كردستان العراق كأخلص اصدقاء للولايات المتحدة الأميركية. قبل سنة، قاتلت قوات بيشمركتنا جنبا إلى جنب مع القوات الأميركية من أجل تحرير العراق، متكبدين خسائر أكبر من أي حليف أميركي آخر، واليوم تبقى كردستان أمينة هادئة وجزءا ثابتا من العراق، ونلاحظ انه على العكس من المناطق العربية من العراق لم يقتل جندي واحد من قوات الحلفاء في المناطق الخاضعة تحت سيطرة حكومة إقليم كردستان.
شعب كردستان مستمر في احتضانه للقيم الاميركية السامية وفي ترحيبه بالجنود الاميركان ودعمه اللامحدود لخططكم في تحرير العراق. تنازلت حكومتنا لاقليم كردستان عن الكثير من حقوقها وحرياتها من أجل المساهمة في تقديم العون لسلطاتكم الادارية بغرض الوصول إلى تسويات للخلافات مع العراقيين الآخرين.
لذا كانت خيبة أملنا كبيرة عندما اطلعنا سفيركم الخاص بانه لا يحق لكردي ان يشغل ايا من منصبي رئيس الوزراء أو رئيس جمهورية العراق. تم إخبارنا بأن هذين المنصبين محتكرة خصيصا لشيعي عربي وسني عربي على التوالي.
العراق وطن يتألف من قوميتين رئيسيتين، العرب والكرد، يبدو من الصواب ان يحصل العرب على احد المنصبين (بحسب خيارهم) بينما يحصل الكرد على الاخر. كما نعتقد بان استخدام النسب الطائفية في اشغال هذين المنصبين العليين يأتي بالضد مباشرة مع موقف الحلفاء المعلن تكرارا بأن حكومة عراق ديمقراطي ينبغي ألا تكون قائمة على اساس عرقي أو ديني، وهو الموقف الذي اقرته الولايات المتحدة في القانون الاداري الانتقالي. شعب كردستان لن يقبل بعد بان يكون مواطنا من الدرجة الثانية في العراق. في عهد صدام وقبله منح الكرد مرارا منصب نائب الرئيس والمناصب النيابية والتي كانت واجهات من دون أية صلاحيات فعلية. كنا نأمل بان العراق الجديد سيكون مختلفا فيما يتعلق بحقوق الشعب الكردي، منذ تحرير العراق شعرنا بانحياز السلطات الاميركية ضد كردستان لأسباب لا نفهمها. في بداية الاحتلال استحوذ الحلفاء على مداخيل برنامج النفط مقابل الغذاء والتي افردت خصوصا لكردستان وتم اعادة توزيعها على بقية العراق على رغم حقيقة ان حصة كردستان للفرد الواحد من هذه المداخيل كانت أقل بكثير من بقية العراق وان كردستان كانت أصيبت بأضرار أكبر تحت حكم صدام حسين. عملت سلطة الحلفاء المؤقتة بنشاط في إعاقة العمل على المساواة بين اللغتين الكوردية والعربية، كما حاولت تكرارا نزع الاعتراف بحكومة اقليم كردستان (الحكومة الوحيدة المنتخبة في العراق ابدا) لصالح نظام قائم على محافظات صدام الثمانية عشرة. قلل المسئولون الاميركيون من شأن البيشمركة وسموا هذه القوة العسكرية المنضبطة التي كان اعضاؤها رفاق الاميركيين بالسلاح في ساحات المعارك «ميليشيا» في بياناتهم الرسمية، ونادرا ما تذكر الحكومة الاميركية أو إدارة الحلفاء المؤقتة اسم كردستان أو الشعب الكردي. ونحن سنبقى اصدقاء مخلصين لأميركا حتى لو لم يقابل دعمنا دائما بالمثل. مصيرنا مرتبط بوثائق وشيجة بمستقبلكم في العراق.
إذا انتصرت قوى الحرية في المناطق الاخرى من العراق فنحن نعلم ان حلفنا مع الولايات المتحدة ساهم في تحقيق ذلك، كما نعلم ان هذا الحلف سيجعل منا هدفا للانتقام. نحن نطلب بعض التطمينات في هذه الفترة الانتقالية لتمكيننا من الاشتراك والمساهمة اكثر في الحكومة الانتقالية. وبصورة خاصة نحن نطلب ادخال قانون الإدارة المؤقت في قرار مجلس الأمن للأمم المتحدة أو الاعتراف به كقانون ملزم للحكومة الانتقالية، قبل وبعد الانتخابات. في حال إبطال العمل به أو إلغائه فإن حكومة إقليم كردستان سوف لن يبقى أمامها اختيار سوى الامتناع عن الاشتراك والمساهمة في الحكومة المركزية ومؤسساتها، ومقاطعة الانتخابات، وحظر وجود ممثلي الحكومة المركزية في كردستان. ونطالب بتعهد الولايات المتحدة بحماية شعب وحكومة كردستان إذا ما أدى العصيان والفوضى إلى الإنسحاب من بقية العراق.
يفي الحلفاء بتعهداتهم في إرجاع عملية التعريب للاراضي الكردية إلى السابق والعمل سريعا بشأن إيجاد تسوية لوضع كركوك وفقا لرغبات مواطنيها، مستثنيا منهم المستوطنين، ولكن على أن يشمل ذلك ضحايا سياسات صدام في التصفية العرقية.
إعادة مدخولات برنامج النفط بكاملها، والتي أخذت على غير وجه عدل من كردستان في العام الماضي، وان تستلم كردستان حصتها العادلة وفق نسبة الكرد من المبلغ الاجمالي البالغ 19 مليار دولار أميركي الخاص بمساعدة إعادة الاعمار والذي خصصه الكونغرس، دعم الولايات المتحدة لخططنا في استملاك وإدارة المصادر الطبيعية في كردستان، وخصوصا جهودنا في تطوير مصادر نفط جديدة في إقليم كردستان، إذ حظر النظام السابق الكشف عنها أو تطويرها للحؤول دون استفادة شعب كردستان منها.
تفتح الولايات المتحدة قنصلية لها في اربيل، وتشجع شركاء التحالف الآخرين على حذو حذوها. من المهم وفي مصلحة شعب كردستان ان نحافظ على علاقاتنا وارتباطاتنا المباشرة مع العالم الخارجي وألا نعتمد بالأساس على بغداد وحدها إذ لا يعتد بنا كمواطنين مساوين تماما.
تعلن الولايات المتحدة والأمم المتحدة على السواء بصراحة ووضوح ان استخدام المعيار العرقي والطائفي في اختيار أعضاء الحكومة الانتقالية لن يشكل سابقة في اعضاء الحكومة العراقية مستقبلا، وأن الكرد مؤهلون تماما لمنصبي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في حال استخدام المعيار العرقي أو الطائفي بغرض استثناء الكرد من اشغال المنصبين الأعليين في الحكومة الانتقالية، نعتقد انه عدل وانصاف ان يتم تعويض كردستان بمقاعد وزارية تفوق تكافؤهم العددي نسبة إلى سكان العراق، في الحكومة الانتقالية.
فخامة السيد الرئيس نعلم بأن هذه الأوقات عصيبة لنا جميعا نحن الذين نؤمن بأن قضية تحرير العراق جديرة بالنضال والتضحية في سبيلها. الشعب الكردي مستمر في إعجابه وتقديره لزعامتكم الواثقة والجريئة، ورؤيتكم لعراق حر، وشجاعتكم الشخصية. نحن واثقون بانكم تتفقون معنا على انه لا يتوجب انزال العقوبة والقصاص بكردستان، لصداقتها الحميمة ودعمها اللامحدود للولايات المتحدة الأميركية للاتحاد الوطني الكردستاني
المخلصون لكم
مسعود بارزاني
الحزب الديمقراطي الكردستاني
جلال طالباني
الاتحاد الوطني الكردستاني
العدد 645 - الجمعة 11 يونيو 2004م الموافق 22 ربيع الثاني 1425هـ