العدد 683 - الإثنين 19 يوليو 2004م الموافق 01 جمادى الآخرة 1425هـ

البحرينية مقدامة... وعلينا التواصل مع التيار الديني المتنور

مية الرحبي في لقاء مع «الوسط»:

مية الرحبي، جادة ونشطة ومثابرة، وتستطيع تلمس التزامها من خلال حرصها على المشاركة بحيوية في جلسات المؤتمرات وورش العمل التي تشاركنا في حضورها، التقيتها أول مرة قبل عامين، على هامش المؤتمر التحضيري للحركة الديمقراطية العربية، نظرتها ومواقفها تجاه قضايا المرأة لا تنفصل أبدا عن قضايا النضال الديمقراطي والحريات في الوطن، فهي تجسد واقع الحراك السياسي خلال فترة الإصلاح السياسي والنضال الديمقراطي في سورية. اكتشفت فيما بعد أنها تكتب وبمثابرة في إحدى الصحف البيروتية. التقيتها هذه المرة في بيروت، على هامش مؤتمر تأسيس حركة التحرر الديمقراطي العربي، تبادلنا أطراف حوار تشوبه الهموم والطموحات المشتركة.

من هي مية الرحبي وما هو مجال نشاطها؟

- طبيبة وكاتبة من سورية، تهتم بقضايا الشأن العام، وناشطة في لجان المجتمع المدني، وباحثة في قضايا المرأة والطفل.

كيف ترى مية الرحبي واقع المرأة والحركة النسائية في سورية؟

- المرأة في سورية قطعت أشواطا مهمة باتجاه المشاركة السياسية والمجتمعية، فضلا عن مجالات التعليم والعمل، ولكن لاتزال أمامها أشواط بعيدة للوصول واحتلال المكانة التي تستحقها في المجتمع.

راجت في السنوات الأخيرة شعارات عالمية، مثل تمكين المرأة ووضع حد للعنف ضدها، ومشاركتها... إلخ، هل تجسدت هذه الشعارات في برنامج الحركة النسائية السورية؟

- للمرأة السورية خصوصية، وهذا لا ينفي أن وضعها مشابه لوضع المرأة في كثير من الأقطار العربية. فالتحرك النسائي المجتمعي ملجوم بسبب طبيعة الأنظمة السياسية التي تحظر أي عمل لجمعيات أو مؤسسات من المجتمع المدني عموما. وهناك منع لتشكيل أية جمعية مهتمة بقضايا المرأة، إذ ينحصر نشاطها فقط في الاتحاد النسائي الذي هو في الحقيقة منظمة تابعة للسلطة السياسية، وقراره مرتبط بقرارها، وعليه لا نستطيع القول إن هناك مؤسسات مجتمع مدني في سورية مهتمة بقضايا المرأة، وهذا ينعكس بشكل كبير على نشاط الحركة النسائية في سورية. لدينا مشكلات مشابهة لمشكلات المرأة في غالبية الأقطار العربية، ولدينا مشكلة الخضوع لقانون الأحوال الشخصية، الذي لا يجوز المساس به بحجة استناده إلى الشريعة الإسلامية.

إذا، ما هو تقييمك لقانون الأحوال الشخصية في سورية؟

- يعتبر قانون الأحوال الشخصية في سورية المرأة إنسانا ناقص الأهلية ومواطنا غير مكتمل الحقوق والواجبات وهذا يتعارض كلية مع الدستور السوري الذي يتضمن موادا تعتبر المرأة مواطنا كامل الأهلية في الحقوق والواجبات. ويرجع هذا القانون إلى العام 1876، أي منذ أيام الحكم العثماني، ولايزال التعامل به مستمرا إلى الآن، وآخر قانون صدر كان العام 1953، ويستند على المذهب الحنفي، إذ لم يطرأ عليه إلا تعديلان طفيفان، في العام 1975 والسنة الماضية، وكلاهما له علاقة بقانون الحضانة، هذا في الوقت الذي يتضمن قانون الأحوال الشخصية السوري عشرات المواد المجحفة بحق المرأة التي لم تعدل بعد.

ما أبرز المواد التي تعتقدين ضرورة تعديلها، بما يخفف من معاناة المرأة السورية ويحفظ حقوقها؟

- من الناحية القانونية، هناك مواد متعلقة بقانون بالولاية والوصاية والإرث والقوامة والحضانة، أي جميع ما يحقق المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل، فيما يتعلق بالزواج والطلاق. كما أن هناك مواد مجحفة بحقوق النساء في قوانين العقوبات والقوانين المدنية والاقتصادية، وأيضا قانون الجنسية فالمرأة في سورية لا يحق لها منح الجنسية لأبنائها مثلها مثل بعض الدول العربية، أما النواحي الأخرى كالتعليم مثلا، هناك تساوٍ بين الإناث والذكور في مختلف مراحل التعليم ولكن هناك تسرب من المدارس سواء بالنسبة إلى الذكور أو الإناث وبما نسبته 6 في المئة من عدد الطالبات المنتسبات إلى المدارس الابتدائية يتسربن ولا يتابعن فيما بعد التعليم الجامعي.

هل تقوم الحركة النسائية السورية بالدور المنوط بها؟ وهل تمتلك قاعدة نسائية عريضة؟

- لا تستطيع الحركة القيام بأي دور بسبب غياب مؤسسات مجتمع مدني تعمل على أرض الواقع، وتكون مرخصة، ولها أدبياتها ومطبوعاتها، ويحق لها أن تساهم في توعية المرأة بحقوقها، وان تتواصل مع المرأة في الريف والمدن، وتنفذ ندوات ومحاضرات، كل هذا غير متاح، لذلك فالحركة النسائية السورية ملجومة وتقتصر جهودها على الجهود الفردية من قبل بعض الناشطات أو الناشطين في مجال حقوق المرأة الذين يكتبون، وحاليا هناك نويات (من نواة) متبلورة في صورة لجان للمرأة تحاول العمل ضمن إمكانات محدودة جدا، وتحت مخاطر منعها من ممارسة أنشطتها في أية لحظة.

كم عدد المؤسسات النسائية السورية؟

- عدا الاتحاد النسائي الرسمي، هناك رابطة النساء السوريات التابعة لحزب من أحزاب السلطة الموجودة في الجبهة الوطنية التقدمية، وهي نشطة ولا بأس بنشاطها لأنه مسموح لها الاشتغال، عدا ذلك هناك لجينات وليست لجان، صغيرة جدا لا تتجاوز الخمس تحاول أن تتلمس الطريق.

ماذا عن فكرة اختراق هذه المؤسسات؟

- هذا غير ممكن في ظل غياب وجود قانون للأحزاب والجمعيات الوطنية، حاليا النضال الديمقراطي في سورية ينصب باتجاه محاولات الضغط على السلطة لإصدار قانون للجمعيات والأحزاب السياسية، وهذا يعني أن نضال المرأة في سورية مرتبط بالنضال الديمقراطي العام.

ما رؤيتك بشأن قضية المرأة، أين تكمن خصوصيتها وأين موقعها من الحركة السياسية؟

- هناك خصوصية لنضال المرأة، فهي مواطن مضطهد اضطهادا مضاعفا، باعتبارها مواطنة ولكونها امرأة. عدا عن اضطهادها كمواطن من قبل الأنظمة السياسية، يمارس عليها اضطهاد آخر من قبل العقلية الذكورية التي تسود المجتمع، من خلال القانون، والعقلية الأسرية، والأعراف، الخ. فيجب أن يكون نضالها جزءا من النضال الديمقراطي العام لارتباط تحرر المرأة بتحرر المجتمع ككل.

كيف تقيمين نضالات المرأة السورية للدفع باتجاه التوقيع والالتزام بالاتفاقات الدولية الضامنة لحقوق المرأة مثل اتفاق «السيداو»، والعهدين الدوليين... إلخ؟

- بالنسبة إلى اتفاق «السيدو» للتمييز ضد المرأة لم توقع عليه سورية إلا في نهاية 2002، وبنفس ما حدث في كل الدول العربية تم توقيعها وبتحفظات ألغت كل مضمون الاتفاق، الحقيقة التحفظات وخاصة على المادة رقم (2)، تلغي مضمونها ككل فلم نستفد شيئا من هذا التوقيع، وعليه حاولنا باعتبارنا لجنة نسائية وبإمكاناتنا المتواضعة، القيام بجمع تواقيع على عريضة ضد التحفظات، ولكن لم نجد الجهة التي نستطيع تقديم هذه العريضة لها.

هل هناك برامج توعية وتبشير في المجتمع السوري بمبادئ اتفاق «السيداو»؟

- إن الندوات والمحاضرات لا تتوقف في كل المحافظات السورية وقتما تسمح الظروف حتى وإن كانت بشكل فردي، وعلى رغم منعها أحيانا، ولكن كحركة نسائية وليدة نرى أن أي تغيير يرتبط بالوعي، خصوصا بتوعية المرأة لأهمية وجودها وكيانها وتوعية الرجل بأهمية تحرر المرأة. إن هذا بلاشك جزءا من النضال في سبيل تحرير المرأة. إضافة إلى النضال من اجل تغيير القوانين المجحفة وتمكين المرأة اقتصاديا وسياسيا وتعليمها وتغيير العادات والتقاليد التي تكون أحيانا أقوى من القانون ومن الدين نفسه. ولابد أن تسير هذه النضالات بشكل متواز.

كيف تقيمين موقف السلطة السورية من شعار تمكين المرأة؟

- نضال المرأة السورية في سبيل حريتها بدأ منذ نهاية القرن التاسع عشر، ووضع المرأة في سورية من حيث التعليم والعمل متقدم على الكثير من الأقطار العربية، كما أن هناك تراكما بموضوع مشاركة المرأة الاجتماعية السياسية، والتاريخ لا يمكن العودة به للوراء حتى وإن كان النظام السياسي معوقا للتطور. المشاركة السياسية للمرأة السورية شكلية، هناك دائما وزيرتان في سورية، ولكن ليس من الضروري أنهن المؤهلات والأكثر كفاءة لهذا المنصب، إنما لإظهار السلطة بأنها تقدمية وتراعي حقوق المرأة، وكذلك بخصوص مشاركتها في مجلس الشعب، فلدينا أعلى نسبة عربية لمشاركة المرأة في مجلس الشعب وهي 12,5 في المئة، وهي نسبة عالمية عالية، ولكن لا وجود لتأثير المرأة في المجلس، فهي لم تستطع فعل الكثير لقضية المرأة على رغم هذا الكم الموجود بالمجلس.

هناك من يقف مع أو ضد مبدأ «الكوتا» النسائية، على اعتبار ان الأنظمة السياسية ستستغله لصالحها وتعين من تريد تعيينه، ما رؤيتك؟

- دائما ما أسال هذا السؤال، وإجابتي الدائمة «لا أدري»، انني من جهة ضد «الكوتا» لأنني مع الديمقراطية ومع اختيار الشعب لمن يمثله، وفي الوقت نفسه عندما ندرس تجربة المرأة التونسية، إذ أتى التغيير من فوق ولصالح المرأة، فأدى إلى تغيير في المجتمع، لذلك دائما ما أتأرجح بين قبول مبدأ «الكوتا» أو رفضه، ولم احسم بعد نظرتي لهذا الموضوع.

ألا ترين استحالة تغيير النظرة تجاه المرأة في مجتمعاتنا، وخصوصا مع تمدد التيارات المحافظة والتقليدية؟

- لا، لا أعتقد ذلك، لأن تغيير النظام السياسي سيؤدي إلى تغيير التيار الأصولي المتفشي، الآن هناك ردة أصولية، ولكن وضع المرأة في الخمسينات وخصوصا في سورية وبعض الأقطار المحيطة بها كان أفضل بكثير، ودفعت الأمم المرأة باتجاه الخروج للتعليم والعمل، والمشاركة السياسية أفضل من الآن بكثير، فالمسألة لا تتعلق بالزمن بقدر علاقتها بالظرف السياسي السائد في البلد، لذلك علينا تغيير هذا الظرف وعندئذ تتسارع حركة تحرر المرأة، وأعتقد أن مشاركة المرأة في النضال الديمقراطي سيساهم في تسريع حركة تحررها كما حدث في النضالات الوطنية ضد الاستعمار.

كيف تقيمين موقف التيار الديني تجاه الحركة النسائية السورية؟

- في سورية هناك حوار مع بعض الشخصيات الدينية المتنورة، وهي موجودة في سورية ومصر وفي كل بلد عربي. هناك الإسلام المتنور المؤمن بحقوق المرأة كاملة وباعتبارها إنسانا يتساوى مع الرجل في جميع المجالات. هؤلاء الإسلاميون المتنورون يرون أن الإسلام يعترف للمرأة بكل حقوقها، ونحن يجب علينا التواصل مع هذا التيار لكي نقف في المستقبل جبهة واحدة ضد التيار الأصولي الذي يحاول أن يحجم ليس المرأة فقط إنما العقل العربي ككل.

ألا تعتقدين أن خطاب هذا التيار المتنور نابع من موقف دفاعي بسبب الانتقادات الموجهة له، وخصوصا أن الفجوة ما بين الخطاب والممارسة العملية كبيرة؟

- لا، لا أعتقد، هناك مفكرون إسلاميون متنورون مثل العشماوي وحامد أبوزيد في مصر، ومحمد شحرور ومحمد حبش في سورية، وغيرهم كثيرون، لديهم فكر إسلامي متكامل وهم يدافعون عن وجهة نظرهم ليس كردود فعل على الإسلام الأصولي ولكن كونهم يحملون فكرا، ونحن من مصلحتنا أن يقوى هذا التيار المتنور ويصبح صوته مسموعا مقابل التيار الذي يحاول إعادة المرأة إلى عصر «الحريم».

إضافة أخيرة...؟

- إنها فرصة للدعوة إلى المزيد من التواصل بين الحركات النسائية في الوطن العربي، والسبب هو تشابه التجربة، وسعي الجميع إلى الوحدة العربية، فالتواصل يشكل أحد روافد الحركة الداعية للوحدة العربية، وتبادل الخبرات أمر مهم، وأيضا اللقاءات بين أعضاء الحركة النسائية العربية. كما أدعو إلى المزيد من التشبيك على مستوى المنظمات النسائية العربية، وخصوصا مع «شبكة عايشة العربية»، لإيجاد فكر متنور لتحرير المرأة العربية. وهي فرصة للتصريح، أن المرأة البحرينية شجاعة ومقدامة، واسمع كثيرا عن المناضلات البحرينيات في سبيل حقوق الإنسان والديمقراطية وحقوق المرأة، لذلك أرجو من كل قلبي أن لا تخسر المرأة البحرينية أيا من المكاسب الديمقراطية التي حصلت عليها في الفترة الأخيرة، وأن تتابع السير في سبيل تحررها من أجل تغيير واقع المرأة البحرينية خصوصا والمرأة العربية عموما

العدد 683 - الإثنين 19 يوليو 2004م الموافق 01 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً