«أكثر رجال هذا الزمن لا يعرفون ماذا تعني القوامة»، هكذا تعلن الزوجات، وإذا كانت المرأة تعطي كل ما تستطيع من أجل الزوج الذي أحبته، فهي في الوقت نفسه ترفض أن ترغم على هذا العطاء، وخصوصا إذا كان الزوج لا يقابلها عطاء بعطاء، ولا يساندها في الأزمات.
ماذا تقول الزوجات عن أزواجهن، وهل الزوج حقا يفهم ماذا تعني القوامة؟
فاطمة علي عاشور - متزوجة منذ عشر سنوات - تقول: «حتى قبل ثلاث سنوات كنت أعطي بلا حساب، كنت مؤمنة بأن الزواج يعني المشاركة والعطاء حتى الثمالة، لم أكن أعبأ بوقت ولا بجهد ولا بمال، حتى اكتشفت انني وحدي من أعطى، وانني في الأزمات لا أجد الزوج الذي يعطي ويراعي ويحتمل ويساند، وقررت ألا أكون صاحبة الموقف والعطاء الأوحد في حياتي الزوجية».
وتضيف «إن مفهوم القوامة الذكورية لم يعد هو ذاته كما كان أيام زمان، عندما كان المطلوب من المرأة أن تلبي طلبات زوجها قبل أن يفتح فمه، وان تأكل بعده وتغسل يديه وهو جالس مكانه، هذا النموذج من الرجال برأيها مقبول لحد كبير في ذلك الوقت إذ كان يقوم بتدبير شئون الأسرة من ألفها إلى يائها، مسئولا عن والديهن وعن أبنائها وربما عن جيرانه أيضا.
أين اختفى الرجال؟
لكن أين هذا النوع من الرجال؟... تتساءل فاطمة، رجالنا الآن سجلوا اختلافا ساحقا عّما كان عليه أجدادهم، فهم الآن قبل أن يفكروا أن يتزوجوا يسألون عن نوعية السيارة التي تقودها العروس المرشحة، وعن راتبها وموقع عملها، يفضلونها مدرسة وتعمل بدوام واحد، وتقود سيارة جديدة، على أن تقبل أن تترك بطاقة الصراف الآلي في محفظة زوجها يتصرف بها كما يشاء من دون أن تجادله طويلا (...) المرأة الآن هي من تملك زمام القوامة لا الرجل، فهي التي تشاركه في شئون البيت وفي التخطيط للمشروعات الأسرية الكبيرة وحتى الصغيرة، لا سيما بعد أن رضت الإسكان في دخول المرأة شريكا في البيت وبالتالي شريك في القرض.
كم من النساء تفتح بيوتا وتديرها بأكملها، وما الرجل إلا شريك يجمل الصورة التي يريدها المجتمع فقط حتى لا تكون المرأة عانسا أو مطلقة... لذلك تقبل الكثير من النساء بالزواج ممن هم اقل منهم ثقافيا وماديا، وقبلن أيضا لعب دور الزوجة والأم والعاملة والخادمة والمعلمة والمسئولة عن بيت الزوجية لتفادي اتهام العانس والمطلقة.
الموازنة
سميرة رجب - زوجة منذ خمس سنوات - تقول: «المشكلة إن الحياة الزوجية تتطلب المساعدة، فلا تستطيع أن تمنع الزوجة راتبها عن زوجها، على أن يكون ذلك في حدود الموازنة، أنا وزوجي نحدد الأولويات ثم ننفق راتبنا وفقا لهذه الموازنة، لا أحد يتحدث عن الحقوق والرواتب، فنحن نعمل من أجل أولادنا، ومن أجل أن تكون لنا حياة سعيدة، وفي رأيي ان أكثر الرجال لا يعرفون ماذا تعني القوامة، فهذا المفهوم غير واضح بالنسبة إليهم».
أماني - زوجة منذ أربع سنوات - ترى أن تنظيم الموازنة مهم للغاية، وإن مساعدة الزوجة لزوجها في النفقات الأساسية هذا يحدث بناء على اختيارها، وليس بناء على رغبة زوجها، فالمفروض أن يقوم هو بكل المتطلبات الأساسية وأن تنفق هي على نفسها فقط، وخصوصا إذا كانت هذه النفقات تفوق الإمكانات الخاصة، لدي صديقة كان زوجها يأخذ كل راتبها، ويعد هذا من حقه، وعلى رغم هذا تزوج عليها، هل هذه هي القوامة؟»
سبب طلاقي
ليلى كاظم - متزوجة منذ 12 عاما - تقول: «في بداية حياتي الزوجية حدثت فيها الكثير من المشكلات بسبب راتبي، إذ كان زوجي يريد أن نفتح حسابا مشتركا، ورفضت أنا هذا المنطق من منطلق انني أشعر أن راتبي شيء يخصني وحدي، وإنني أرفض أن يشاركني فيه زوجي، وعندما يأس زوجي من تجاوبي معه في هذا الأمر، قرر أن يتركني انظم مسئولية البيت وحدي، ومنذ ذلك الوقت وأنا أقوم بتنظيم الموازنة، كثيرا ما أساهم في البيت من راتبي الخاص، ولكنني أشعر ان هذه المساهمة باختياري، وليست من فرض زوجي.
سهام الشيرازي - مطلقة - تقول: «كل ما يفكر فيه الرجال هي مصلحتهم فقط، يتزوجون زوجة عاملة من أجل هذه المصلحة، يحسبون راتب الزوجة وهم يقيمون علاقتهم الزوجية، الزوجة صاحبة الراتب الكبير من الصعب أن يتنازل عنها زوجها، وكيف يتنازل وهو المستفيد في هذه الحال، هذا إذا كانت أيضا امرأة كريمة وتنفق بلا حساب، إصرار زوجي على مشاركتي في راتبي جعلني أصر على الطلاق، فكيف استمر مع زوج يريدني أن أصبح رجلا في البيت، أنا امرأة، وأصر على ممارسة هذا الدور مهما كانت النتيجة، أين هي قوامة الرجل الذي يتحدثون عنها في عصر تنفق فيه المرأة على البيت»؟
رأي الدين
أجمع العلماء على تفرد الأب بنفقة أولاده، ولا تشاركه فيها الأم، بل نص أهل العلم رحمهم الله على أن الزوج إذا أعسر بنفقة زوجته فإنها يمكن أن تفارقه. والزوجة لا يجب عليها شيء من النفقة على نفسها أو بيتها أو أولادها، فالزوج هو المكلف بذلك، قال الله جل وعلا: «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم (النساء 34)».
فسنة الله في خلقه أن القوامة للرجل، لفضله عليها كما دلت الآية الكريمة على ذلك، وبالنظر إلى ماكلف به من النفقة. وهذه النفقة مقدرة بحسب حال كل من الزوجين بالمعروف، فيجب أن ينفق بقدر ما ينفق مثلهُ على مثلِها بالمعروف.
وهكذا زوج المرأة من باب أولى، ليس له في أجرة زوجته أي نصيب.
ولا يستثنى من ذلك إلا ما إذا كان الزوج قد شرط عليها عند العقد أن يكون له نصيب محدد، كأن يكون له العشر أو الربع، ونحو ذلك، مقابل تكفله بإيصالها، أو مقابل ما قد يناله من القصور في بيته بسبب خروج المرأة، فالمسلمون على شروطهم.
وهكذا الأمر لو اشترطت الزوجة عند زواجها أنه لا نصيب للزوج في أجرها على عملها، فكذلك المسلمون على شروطهم، ولا يحل له أن يأخذ شيئا عن غير طيب نفس منها، وينبغي تغليب السماحة على المحاسبة، وهذا يعني ان المشروع أن يكون بين الزوجين من السماحة ما يجعل المال غير مؤثر على علاقتهما، فإن ما بينهما من رباط الزوجية لا يقدر بمال.
وهكذا صلة المرأة لوالديها ولقرابتها، ينبغي أن تلاحظه شكرا لله على ما وهبها من مال، وقد حفظ عن أمهات المؤمنين أنهن كناء يصلن قرابتهن بالمال والأعطيات، وهن خير أسوة لكل النساء.
أما إذا تزوجت المرأة وهي غير موظفة، ثم توظفت فينبغي أن يكون بين الزوجين من التسامح والتعاون مالا يؤثر به المال على علاقتهما، فالزوج إن كان غنيا فإن المروءة أن يستعفف عن مال زوجته وألا يأخذ منه شيئا، والزوجة الموظفة إن كان زوجها فقيرا فيشرع لها أن تساعده، وأن تقدم ما تستطيعه بنفس رضية، وما أجمل أن تصنع كما صنعت زينب زوجة ابن مسعود، وأن تعمل بما أرشدها إليه النبي (ص).
ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال: «خرج رسول الله (ص) في أضحى أو فطر إلى المصلى ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال أيها الناس تصدقوا فمر على النساء فقال يامعشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار». فقلن: وبم ذلك يارسول الله؟ قال: «تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، مارأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكن يا معشر النساء.
ثم انصرف فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله هذه زينب! فقال: «أي الزيانب؟» فقيل: امرأة ابن مسعود قال: «نعم ائذنوا لها» فأذن لها، قالت: يانبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حِلُّي لي، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم! فقال النبي (ص): «صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم» لفظ البخاري. وفي لفظ آخر عند البخاري وعند مسلم: قال: «نعم، لها أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة».
وأعطى الدين المرأة الحق في التصرف في مالها ولها سلطانها الكامل على مالها، فهي تنفق منه كيف شاءت، لا يمنعها من ذلك أحد، ولا تحتاج إلى إذن أحد، ولذلك فيجدر بالمرأة التي هيأ الله لها وظيفة مباحة تنال من خلالها من مال الله، فتكفي نفسها وتستغني عن الآخرين، يجدر بها أن تلاحظ إنفاق المال في مراضي الله ومحابه، وأن يكون عونا لها على أمر الدنيا والآخرة، وأن تسعى إلى استثماره الاستثمار الأمثل
العدد 686 - الخميس 22 يوليو 2004م الموافق 04 جمادى الآخرة 1425هـ