العدد 687 - الجمعة 23 يوليو 2004م الموافق 05 جمادى الآخرة 1425هـ

المشبوه

نبيل المحمود comments [at] alwasatnews.com

منذ أن تم تعيينه مديرا على دائرة الموارد البشرية، لاحظ تقاربا في قدرات موظفيه، وتناغما في مهاراتهم، واختلافا ملحوظا في سلوكياتهم. لذلك قرر التركيز على هذا الجانب للتقرب منهم وتعبيد الطريق أمامهم للعمل كفريق واحد. وفي غمرة محاولاته الجادة، لفت انتباهه أحد المنسوبين من خلال تذبذب سلوكياته وتكرار حضوره المتأخر للدوام في معظم أيام الأسبوع. وعند سؤاله عن السبب، أرجع الموظف السبب إلى شعوره بالإرهاق الدائم من جرّاء ضغط العمل والتزاماته الأسرية. إلاّ أن الأمر تطور إلى الغياب المتكرر بأعذار طبية متكررة وهي «الصداع والإنهاك»، ثم ما لبث المدير أن لمس تدهور إنتاجيته يوما بعد يوم، وكلما حاول معرفة المبررات، تعـذّر بالأسباب ذاتها.

مع مرور الأيام، بدأ زملاؤه يلاحظون عليه سلوكيات غريبة وتقلبات مزاجية وشرود دائم، بل لاحظوا عليه كثرة الاتصالات الهاتفية المريبة، وكذلك لفت انتباه الجميع بتزايد عزلته عنهم وتمرده تجاه مسئوليه. أما المدير فقد ضاق من تكرار صداماته مع زملائه، واستئذانه المتكرر أثناء الدوام الرسمي لحل مشكلات عائلية أو تورط في مشكلات مالية أو... أو...

كل تلك السلوكيات دفعت المدير إلى الإصرار على التقرب منه ومحاولة لمس المشكلة عن قرب، واستغلال مهاراته القيادية في تحدي هذا الواقع، الأمر الذي دفعه إلى جمع كل معلومة عنه وتدوينها عنده، سواء مما يلاحظه شخصيا أو مما ينقله إليه موظفوه أو من محصلة التقصي وراءه. كل ذلك وفرّ له حصيلة لا بأس بها من معلومات ولكن من دون بلوغ سبب المشكلة. حينها قرر الاجتماع به منفردا لعلّ وعسى، ولكن الموظف بدا متوترا وغير متقبل لهذا الأسلوب، وعند كل محاولة سعي من خلالها المدير للغوص في أعماقه، قابله الأول بتفاعل بارد وحماس معدوم وتلعثم بالحديث، مكررا الأعذار ذاتها والمشكلات ذاتها، و«......» ذاتها، ما عكس للمدير عدم صدقيته فيما يقول، فقرر المدير إنهاء المقابلة وتأجيلها لوقت آخر ربما يكون فيه الموظف بمزاج أفضل، وقبل أن يهم الأخير بالخروج لاحظ المدير خدوشا في ذراعي الموظف، فتعمد مصافحته باليد قبل الإيذان له بالخروج، وما ان حدّق عينيه نحو ذراعه حتى وجدها تعجّ بثقوب صغيرة، تركت المدير يحملق فيها برهة وعندها كانت الصدمة، إنه مدمن مخدرات. وقتها أذن له المدير بالخروج ثم ما لبث أن خرّ على كرسيه مشدوها «كيف غفلت عن ذلك منذ البداية؟ إن كل الدلائل تشير إلى إدمانه».

وبعد أن هدأ المدير راح يفكر بعمق وتروّ، ثم قام بالبحث عن عنوان منزل الموظف وبادر إلى الاتصال بأهله، وما ان عرّفهم بنفسه وبيّن لهم سبب اتصاله حتى علم من زوجته ما لم يكن يعلم، إذ استرسلت بالشكوى والتذمر من سلوكه المنحرف وإيذائه لها ولابنه و... و... مع عجزها عن التصدي له أو حتى مساعدته للشفاء. عندها أخذ المدير بزمام المبادرة لمساعدته بالأمور الآتية:

- طلب الموظف لمقابلة خاصة، واجهه من خلالها بالدليل معربا عن سعيه لمساعدته وليس معاقبته.

- أوضح له ضرورة تحمله مسئولية نفسه وحتمية العلاج من إدمانه.

- ابتعد عن أسلوب التأنيب واللوم وإثارة مشاعره لكونه منحرفا ومدمنا، بل تجنب الخوض في المشكلات الأسرية والشخصية له، فقط ركز على قضايا العمل.

- أشار عليه بالمساعدة في أن يعرض نفسه على اختصاصي في التعامل مع المشكلات الشخصية.

- أوضح له ما يتطلب منه كموظف في موقعه وعرض عليه المساعدة لتحسين صورته وأدائه وإعادة تأهيله.

- بيّن له عواقب سوء الأداء ، وقد وعده الموظف «المدمن» بالتحسن.

- وبعد تلك المقابلة استمر بمراقبة سلوكه وأدائه، فلم يجد منه تطورا مرضيا، فما كان منه إلاّ أن اتخذ إجراءات تأديبية وفق سياسة المؤسسة.

- ومع تكرار الإخفاق لدى الموظف «المدمن» وتكرار تغيبه عن العمل، وصداماته، ومشكلاته، وسلوكياته، لم يجد المدير سوى اتخاذ قرار مؤسسي لتحويله إلى مصحّة لاستشفاء المدمنين تختص بالعلاج وإعادة التأهيل.

وعلى رغم الحاجة إلى فترة ليست بالقصيرة، فإن دعم إدارة المؤسسة للحالة قادتها إلى النجاح. وقد عاود بعدها الموظف عمله بروح جديدة، وسلوك جديد، وأداء جديد. الإدمان تدمير للعقل، إنه كهولة مبكرة وموت مؤقت

العدد 687 - الجمعة 23 يوليو 2004م الموافق 05 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:48 م

      تعليق

      مع أني قرأتها متأخرا لكنها قصة رائعة
      يؤخذ عليها النهاية السريعة

اقرأ ايضاً