العدد 2379 - الأربعاء 11 مارس 2009م الموافق 14 ربيع الاول 1430هـ

فرنسا تعود إلى قيادة الأطلسي بعد 19 عاما على انسحابها

تشكل عودة فرنسا المرتقبة إلى القيادة العسكرية المتكاملة للحلف الأطلسي نهاية حقبة طويلة من التطور في موقفها من الحلف بعد 43 عاما على قرار الجنرال ديغول الشهير بالخروج منه.

ومن المفارقة أن باريس تذرعت بالدافع ذاته لتبرير القرارين المتناقضين، وهو ضرورة أن تكون قوة ذات تأثير على قرارات المعسكر الغربي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، مع الاحتفاظ بحد أقصى من حرية التحرك.

وانسحبت فرنسا العام 1966 في عهد الجنرال ديغول من قيادة الحلف الأطلسي المتكاملة، ولاسيما بعدما رفضت واشنطن اقتراحا قدمته بتشكيل قيادة بريطانية -أميركية- فرنسية مشتركة.

وكان الحلف يملك القنبلة النووية وفي طور امتلاك القنبلة الهيدروجينية وأسطول من الغواصات القاذفة للصواريخ، ما كان يضمن له لعب دور ذاتي في توازن الرعب النووي الذي طبع الحرب الباردة.

أما فرنسا، فكانت تعتبر نفسها قادرة على لعب دور خاص بها، وما كان يعزز موقعها أنها كانت قوة احتلال في ألمانيا وعضوا دائما في مجلس الأمن الدولي وتملك ترسانة ذرية قادرة على إنزال خسائر فادحة بالاتحاد السوفياتي.

وعمد ديغول إلى إغلاق القواعد الأميركية والكندية على الأراضي الفرنسية، إلا انه لم يعدل عن انتماء بلاده إلى الحلف الأطلسي ولم يطلب نقل مقر الحلف من باريس إلى بلجيكا.

واكتفى ديغول بالتأكيد على وضع بلاده كقوة غير ملحقة بأي قوة أخرى لكنها راسخة في «العالم الحر» في مواجهة الخطر السوفياتي.

وعند انتهاء حقبة الحرب الباردة العام 1990، بات من المشروع التساؤل عن أسباب وجود الحلف الأطلسي بعد زوال حلف وارسو وإعادة توحيد ألمانيا.

وباتت فرنسا بعد سقوط العدو الرسمي أمام ثلاثة خيارات حيال الحلف الأطلسي: الانسحاب التام أو الاستمرار في الوضع القائم أو العودة إلى البنية العسكرية.

وكانت باريس مترددة بحسب ما أفاد شاهد على المناقشات في تلك الفترة أصبح فيما بعد مسئولا كبيرا في الحلف الأطلسي، غير أنها لم تتأخر في حسم موقفها.

وأوضح عسكري فرنسي أن فرنسوا ميتران قام بخطوة أولى فوافق على أن «تشارك فرنسا في جدل فني ظاهريا حول توظيف قوات الحلف الأطلسي».

واضطرت فرنسا لاحقا في التسعينيات إلى المشاركة بشكل متزايد في عمليات الحلف الأطلسي في البلقان وأفغانستان.

وقرر جاك شيراك عندها العودة إلى المشاركة في اجتماعات وزراء الدفاع واللجنة العسكرية لرؤساء هيئات الأركان.

غير أن محاولته الأولى للعودة إلى صفوف الحلف فشلت العام 1996 إذ لم يتمكن من الحصول على قيادة نابولي البحرية الإقليمية في ايطاليا.

وعلى رغم هذا الفشل، استمرت حركة التقرب وعاد العلم الفرنسي يرفرف منذ 2004 فوق المقر العام للحلف الأطلسي في مون جنوب بلجيكا.

وتم دمج نحو 107 عسكريين فرنسيين في المقر العام في مونس وفي مقرات عامة أخرى للحلف الأطلسي في إطار قوة التدخل التابعة للحلف التي أنشئت العام 2002.

وتقول فرنسا اليوم إنه بما أنها تشارك في عمليات الحلف، من الأفضل لأسباب تتعلق بتماسك مواقفها وفاعلية أدائها، المشاركة في جميع مراحل التحضير لها.

وما يشجع على عودة فرنسا إلى الحلف أن استقلالية قوتها الرادعة الوطنية لم تعد منذ فترة طويلة محط تجاذبات، بل أن فرنسا والولايات المتحدة تتعاون في برنامج لمحاكاة التجارب النووية.

غير أن فرنسا تعول أيضا على عودتها إلى صفوف الحلف «لطمأنة الحلفاء الأوروبيين بشأن نواياها حيال الحلف الأطلسي، ومن ثم إعادة إطلاق أوروبا الدفاعية»، ما ينسجم مع إستراتيجيتها «على المدى البعيد»، وفق ما أفاد جوزف هنروتين الخبير البلجيكي في الدراسات الاستراتيجية.

وعلق مسئول عسكري فرنسي بهذا الصدد «أعتقد حقا أن المكانة التي ستحتلها فرنسا في الحلف الأطلسي ستكون عاملا لتفعيل قوتها ومستقبلا قوة أوروبا».

وشارك آلاف العسكريين الفرنسيين في العمليات الثلاث الكبرى التي قام بها حلف الأطلسي منذ 1995 في البلقان (البوسنة وكوسوفو) وأفغانستان.

- البوسنة: نشرت فرنسا في أعقاب اتفاق دايتون الذي وضع حدا في ديسمبر/ كانون الأول 1995 لثلاثة أعوام ونصف من الحرب في البوسنة، ما يصل إلى 6900 عسكري في إطار قوة الأطلسي (ايفور). وبعد عام حوّل مجلس الأمن هذه القوة إلى قوة الحلف الأطلسي لإرساء الاستقرار وكانت لا تزال تضم 32 ألف عسكري رغم تراجع عديدها بسرعة.

- كوسوفو: شاركت فرنسا بشكل نشط في حملة القصف الجوي التي أطلقها الأطلسي على يوغوسلافيا في 23 مارس/ آذار 1999 ووصلت مساهمتها في عملية «القوة الحليفة» عند أقصى حد إلى مئة مطاردة بعضها على حاملة الطائرات فوش. وبعد انسحاب القوات الصربية من كوسوفو، نشر الأطلسي قوة (كفور) التي ضمت ما يصل إلى خمسين ألف عنصر بينهم ثمانية آلاف جندي فرنسي. وفي يونيو/ حزيران 1999، كانت القوات الفرنسية من أولى القوات التي دخلت كوسوفو.

- أفغانستان: لا يزال 2800 جندي فرنسي منتشرين في أفغانستان بعد سبعة أعوام على اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، سواء في إطار القوة الدولية للمساعدة على إرساء الأمن التابعة للحلف أو في عملية «الحرية الدائمة» التي تقودها الولايات المتحدة. ويتولى جنرال فرنسي إحدى القيادات الإقليمية الخمس للأطلسي، وتحديدا قيادة «منطقة العاصمة» (كابول ومحيطها) حيث ينتشر معظم الجنود الفرنسيين.

العدد 2379 - الأربعاء 11 مارس 2009م الموافق 14 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً