العدد 2854 - الثلثاء 29 يونيو 2010م الموافق 16 رجب 1431هـ

الصورة تزداد سواداً... أمن الإنسان العربي في خطر على كل المستويات

في لقاء حواري بمشاركة منيرة فخرو ووليد نويهض حول تقرير «أمن الإنسان»...

يتناول هذا اللقاء الحواري الذي بين أيدينا، والذي تتحدث فيه الأستاذة الجامعية وعضو الفريق الاستشاري في تقرير التنمية العربية منيرة فخرو، ومدير تحرير صحيفة «الوسط» وليد نويهض جوانب مهمة تتعلق بتقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009.

فالتقرير الذي صدر تحت عنوان: «تحديات الأمن الإنساني في الدول العربية»، تناول تشريحاً مفصلاً لسبعة عناصر باعتبارها السبب في هشاشة البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية في المنطقة العربية، وضعف هذه البنى حيال التدخل الخارجي، وهو ما نجم عنه عرقلة مسيرة التقدم عربياً.

وفيما يلي نص اللقاء الحواري:

نبدأ اللقاء باختيار موضوع أمن الإنسان...

لعلنا نبدأ بالإشارة إلى اختيار أمن الإنسان في البلدان العربية كمحور رئيس لتقرير التنمية العربية، ترى ما هي منطلقات وأبعاد اختيار هذا الموضوع/ القضية؟

- منيرة فخرو: يسعدني أن أشير في بداية حديثي إلى أن التقرير الذي ترأست فرق عمله الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والمدير المساعد والمدير الإقليمي للدول العربيّة ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أمة العليم السوسوة صدر موجهاً إلى الدول العربية، وكعضو في الفريق الاستشاري للتقرير، فقد اجتمعنا مرات عديدة في المراحل التحضيرية، وفي كل مرة نكتشف أن الصورة السوداوية تزداد أكثر في اللقاء الجديد عن الذي سبقه، وللأسف الشديد، فإن أمن الإنسان العربي في خطر على جميع المستويات، ولو ذكرنا القضايا البيئية والمائية فحسب، وتركنا كل القضايا الأخرى، لوجدنا وضعاً مقلقاً مخيفاً... انظر إلى المشكلات المائية في الوطن العربي... وخذ البحرين كمثال وانظر إلى ما يجري للبحار من انتهاك ودفان جائر، وانظر إلى مصادر مياه الشرب بالنسبة لمنطقة الخليج العربي ككل التي تعتمد على البحر في تحلية المياه، وتخيل أن تحدث كارثة كما حدث في خليج المكسيك، فمن أين سنشرب الماء ولو توفرت لدينا كل قوارير المياه في العالم؟ سيكون الوضع صعباً كثيراً علينا، ولو افترضنا أن من سيهاجر سيهاجر! لكن غالبية الناس ستبقى لأنها مجبورة على البقاء... هذه نقطة واحدة بسيطة نتكلم فيها... خذ مياه النيل والمشكلة التي تواجهها مصر والسودان، وخذ مشكلة المياه في سوريا وربما نستطيع القول إن لبنان هو الوطن العربي الوحيد الآمن مائياً، وما أريد أن أقوله هو أن قضية المياه تشكل جزءاً مهماً من الأمن الإنساني في البلدان العربية.

ولننتقل إلى قضية أمن الناس من السلطة، سنرى أن الإنسان العربي يعاني من الخوف من السلطة، وتتفاوت درجة الخوف من بلد عربي إلى آخر، فالسلطة بدلاً من أنها تحميه، نراه يخاف منها، وأقول إن هناك تفاوت ليس في نوع الخوف ولكن في درجة الخوف، وحين تضعهم في خط مستقيم بين سالب وموجب، ستجد الخوف من السلطة متصاعداً لأنها – أي السلطة – تتحكم في كل شيء، بالإضافة إلى أن المجتمع المدني بصورة عامة ضعيف في البلدان العربية، ولو استثنينا البحرين والكويت لما وجدنا مجتمعاً مدنياً في المنطقة، بينما في الدول التي تعتبر محتلة، كفلسطين والعراق وكذلك في لبنان، وبسبب ضعف الحكومة لاعتبارات كثيرة، سنجد أن المجتمع المدني لديها قوياً.

وبين هذا وذاك، رأينا العالم يشكو، فحين نتكلم عن قضايا الغذاء والصحة والعلاقات الخارجية وقضية فلسطين التي هي قضية العرب الكبرى، ثم نتكلم عن الشعور إثر بروز الطائفية والخلافات الدينية والمذهبية والقضايا العرقية والعنصرية وقضايا الجندر التي هي مشكلة كبيرة، سنقف أمام وضع مأساوي في هذه المنطقة، ثم تأتينا فتاوى مضحكة ومأساوية، و بما أنني أستطيع القول إن الأنظمة العربية في غالبيتها غير شرعية - فيما عدا انتمائها إلى الأمم المتحدة وعامل السلطة القوية التي تتمتع بها، سنلاحظ أن هذه القضايا تؤثر على كل الوطن العربي، ولا يجب أن ننسى الحروب أيضاً وفي إمكاننا الحديث عنها لاحقاً.


تأثير «الحروب» كان مغيباً

إذاً، هناك مساحة جيدة للحديث عن تأثير الحروب على المنطقة العربية، وهي من أخطر معوقات التنمية دون شك؟

- وليد نويهض: التقرير الذي صدر أخيراً هو الخامس، ولعله ركز على الحروب التي كانت مغيبة في التقارير السابقة، والآن هناك انتباه للتدخلات العسكرية الخارجية وهدم الأبنية التحتية وتدمير المستشفيات والمدارس وتقويض أمن الدول باعتبارها كلها جوانب مهمة، ولهذا، تم أخذها في الاعتبار وهي إضافة نوعية لابد من التنويه إليها لأن إهمالها يمكن وصفه انحيازاً وتحليلاً ناقصاً لجوهر المشكلة، ذلك أن الحروب تساهم في تأخير التنمية وتفتح الباب للصراع الأهلي، ولنا في احتلال العراق في العام 2003 مثال واضح حيث أدى إلى تقويض الدولة، وشجع القوى الطائفية للنمو والخروج إلى الساحة السياسية من جهة، وقيادة الأحياء والمناطق وتشكيل الميليشيات وخوض معارك مذهبية وطائفية يذهب ضحيتها الأبرياء من جهة أخرى.

ولاشك في أن الحروب مكلفة مادياً وبشرياً، وتعيق التقدم والنمو، وتدمر البنية التحتية وتورط الدولة في ديون إعادة الإعمار وهذه كلها عناصر لها تأثيرها على النمو الاقتصادي، ولها تأثيرها كذلك على التسامح الثقافي لأن الحروب تطلق الغرائز، وعندما تنطلق الغريزة لدى الجماعات الأهلية، يتراجع التفكير والعقلانية، ومن ثم يتراجع العقل عن هذه المسائل، ولهذا أقول إن التركيز على تأثير الحروب نقطة مهمة يمكن إلقاء الضوء عليها وكانت مهلة في التقارير السابقة.


من يستمع لمعاناتهم؟

- منيرة فخرو: أود أن أواصل ما طرحه الأستاذ وليد، وأشير إلى أن حروب 56 و67 و73 وحرب لبنان 82 وحرب غزة المستديمة، تسببت في إصابة الكثير من الناس بعاهات وإعاقات غير الذين ماتوا وتركوا أسراً وراءهم تعيش على الكفاف، في الوقت الذي برز فيه الاهتمام بالقضايا الرأسمالية والسوق وهذه فيها فساد كبير وليس هناك من يستمع إلى معاناة هؤلاء البشر، ونحن اليوم نقرأ في الصحف عن مشاريع بالمليارات... أقول مليارات فلا أحد يتكلم عن الملايين، ثم نجد الشريحة الغالبة من الناس تعتمد على الراتب أو على المساعدات الاجتماعية.

وهناك مقولة قديمة ولكن تحاول الدول العربية التركيز عليها وتكرارها وهي القول بالعمل على توفير راحة المواطن وأمنه وصفات المواطنة، لكن الوطن فوق الجميع ونحن فداء للوطن... هذا صحيح، نحن فداء للوطن، ولكننا نريد أن نسهم في بناء الوطن لا أن نموت، ثم يأتي البعض ليقول دعونا أولاً ننهي القضايا الكبيرة... نحرر فلسطين، ثم نأتي بعد ذلك لحل هذه المشاكل فوقتها غير مناسب الآن... ولعلني أشير إلى مثال، وهو أنه في العام 1990، خرجت 45 امرأة شجاعة للمطالبة بقيادة السيارة في إحدى الدول الخليجية، ومع شديد الأسف، برزت شريحة من المثقفين لتقول إن الوقت ليس ملائماً لهذا المطلب ودعونا نركز على ما هو أهم، والغريب أن نصف المجتمع هنا غير مهم! وما أود قوله هو أن قضايا المواطن هي التي يجب أن تأتي في الصدارة، ولك أن تلاحظ أن الحاكم المنتخب والحكومة المنتخبة 24 ساعة في اليوم لنيل رضا الناخب وانظر إلى الرئيس الأميركي أوباما ماذا يفعل لبقعة الزيت في المكسيك، وانظر إلى رئيس وزراء بريطانيا جوردون براون كيف يعتذر، وتجدهم يهرعون لأصغر مواطن ليظهروا اهتمامهم، ويومياً، يتعرضون للانتقاد من الصباح إلى المساء، فلأنك تعمل فلابد أن تنتقد، بينما نجد أنه في الدول العربية غير المنتخبة، لا تعترف بالديمقراطية إلا في بعضها القليل القليل، وسمح لنا الآن بالانفتاح الكلامي، ونحن نقدر ذلك من النظام، ولكن بعد الانفتاح الكلامي نريد انفتاحاً سياسياً.


إعادة تعريف مفهوم الأمن

وهل ستستفيد الدول العربية فعلياً من المحتويات المهمة للتقرير؟

- وليد نويهض: هناك نقطة ضعف في التقرير بشأن التنمية وارتباطها بأمن الإنسان، وهي وجوب وضع آلية لنقل هذه الأفكار الجيدة والمكتوبة بلغة عقلانية وراقية إلى واقع التنفيذ، إنما يكتفي التقرير في نهايته بمخاطبة السلطات لأن تأخذ في الاعتبار هذه العناصر للتطور أو المحافظة على النمو واستقرار الإنسان وحقوقه والاهتمام بقضايا المرأة ومناهضة التعذيب، ذلك لأن الأمم المتحدة لا تمتلك صلاحيات التشريع والتنفيذ، وإنما تكتفي بتنوير الطريق وتضع نقاطاً لتحافظ على تماسك المجتمع والدولة، ولتحافظ على قدرتها في السيطرة ومواجهة المشكلات، لكن التقرير لا يضع آليات لتحويلها من الحيز النظري إلى الحيز الفعلي.

لكن لابد من الاعتراف بأن هناك نقاط مهمة منها إعادة تعريف مفهوم الأمن ووضع سبعة مخاطر تواجه أمن الإنسان، وحددها في مجموعة عناوين رئيسية وكل عنوان رئيسي تم توزيعه إلى عناوين فرعية ومنها التصحر، شح المياه، تغير المناخ، التلوث، سوء التغذية، الأمراض، تراجع مستوى التعليم، الكثافة السكانية، النزوح من الريف إلى المدينة، الإنجاب، عدم تخطيط الدولة لفرص العمل، وتطرق إلى عشرات المسائل التي يمكن إدراجها تحت عنوان الأمن وربطه بالحياة الاجتماعية وبالمعيشة للوصول إلى حالة من الاستقرار، وعلاقة أفضل بين الدولة والمجتمع، إضافةً إلى مسألة الحروب وكلها مجموعة مؤثرات تنعكس سلباً على النمو واستقرار المواطن، أما كيف يمكن تطبيق هذه الأفكار، فليس من وظيفة التقرير اقتراح الخطط، وإنما


مخاطبة الدول والحكومات.

منيرة فخرو: ما قاله الأستاذ وليد صحيح، فالتقرير لا يضع آلية (ميكانيزم) أو يوجد الحلول، ولكن أريد أن أقدم خلفية للتقرير، فهو يصدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتساهم بعض الدول والصناديق العربية في دعمه، ولكن في نفس الوقت، فإن برنامج الأمم المتحدة يدفع ويخاطب الدول والحكومات وهو لا يخاطب الأفراد، وهناك اعتراضات كثيرة من القائمين على التقرير أنفسهم كما هو الحال عن الدول القوية كالولايات المتحدة الأميركية ودفاعها عن إسرائيل وعن الاحتلال، وكذلك بالنسبة لاحتلالها للعراق، فهناك خطوط لا يسمح للتقرير بتجاوزها.

ونحن في الدول العربية نواجه مشكلة، وهي إقحام القضايا الدينية والفقهية في الحلول، وهنا، نقف أمام حدود حساسة، لأننا كمنطقة وكحضارة إنسانية لدينا (التابو) الذي نخاف منه! فإذا تحدثنا عن الدين رمونا بالزندقة، وأعتقد أن رئيسة التقرير أمة العليم السوسوة، تعبت كثيراً وهي سيدة مقتدرة وفاضلة وأدارت الجلسات بكل مهارة، وتحاول أن توائم بين كل الأفكار، غير أن المؤسسة البحثية وقعت في مشاكل بسبب الحواجز المجتمعية والدينية الفقهية.


السلطة بعيدة عن روح المجتمع

ألا يبدو أننا أمام أزمة هوية أيضاً بعد كل ما تقدم؟

- وليد نويهض: التقرير تناول أزمة الهوية، وانطلق من فكرة أن الهوية الوطنية لم تتبلور حتى الآن، وهذا يعود إلى ضعف السلطات وعدم وضوح رؤية الدول العربية للمستقبل وعلاقتها مع المجتمع باعتبار أن معظم السلطات غير منتخبة وهي بعيدة عن روح المجتمع وروح الجماعات، ومع الأسف الشديد، أصبحت منبوذة وخصوصاً وقت الأزمات والانفجارات السياسية التي تؤدي إلى نوع من الاستقطابات والانقسامات والفرز الطائفي، وقد أشار التقرير إلى أن هذه الأزمات أدت إلى نوع النزوح الداخلي غير مرتبط بمؤثرات خارجية أواحتلال، بل لنزاعات أهلية كما حديث مثلاً في أزمة دارفور بالسودان وأدى إلى نزوح الملايين، كذلك في العراق بسبب الخوف من الميليشيات، وكذلك في اليمن وأزماته الداخلية التي تنفجر ثم تهدأ وتنفجر ثم تهدأ وهو أمر ناجم عن عدم التوازن في التنمية بين منطقة وأخرى.

وأزمة الهوية خطيرة جداً إذا لم تعالج بسرعة لماذا؟ لأن الإنسان إذا وصل إلى حال من اليأس والحائط المسدود، يرتد إلى ذاته ثم ينغلق إلى النقاط الصغيرة وينغلق في الحركات الضيقة، وحينما يلتفت إليها ويكتفي بحركته الصغيرة، فلا يعود يفكر على مستوى الوطن والمواطنة، إنما يرتد إلى القعر الصغير في داخله، وهذا يفتح الباب أمام سؤال كبير بشأن دور مؤسسات المجتمع المدني، وحين نتحدث عن المجتمع المدني، فهو يشمل اتحادات ونقابات وجمعيات وهيئات تعنى بالشئون المجتمعية وتكون ذات رافد قوي... مثلاً، الدول الأوروبية تساند الهيئات المدنية لأنها تقوم بجزء من عمل الدولة، وهي بذلك توفر على رئيس الوزراء والنائب والمسئول الجهد لملء الكثير من الفراغات، أما في البلدان العربية فهناك مخاوف دائمة من السلطات تجاه تلك الهيئات، وتتوجس من وظائف المجتمع المدني باعتباره يشكل قوة مواجهة للسلطة.

تجربة نادي مدريد

- منيرة فخرو: أرى أن هناك تحليلاً سليماً، فليس من المفيد أن يتراجع الإنسان فكرياً ويتقوقع في طائفته وجماعته وقبيلته... لقد قامت المؤسسات في لبنان بدورها في فترة الحرب ففتحت المدارس أمام الناس ووفروا الطعام والعلاج، ودائماً، إذا كانت الدولة هي الحامي فلا يحتاج الإنسان للجوء إلى طائفته أو عشيرته لكي تحميه، ولا يقتصر ذلك على الدول العربية والإسلامية، لننظر إلى مثال حي وهو ما يحدث في قرغيزستان من تقاتل بين جماعات.

وشخصياً، لدي تجربة من خلال التواصل مع فريق الخبراء في نادي مدريد، وهو منظمة غير حكومية تتكون من 70 عضواً، تضم رؤساء دول وحكومات سابقين، انتخبوا بطريقة ديمقراطية، وأهم ما يميز سياسة نادي مدريد هو تبادل الخبرات والتجارب ويستعرضون تجارب الدول التي أنهت الصراعات والحروب كإيرلندا على سبيل المثال، وكذلك الحال بالنسبة لإسبانيا والبوسنة والهرسك، فهناك التئام للجروح، وهناك نماذج كثيرة يمكن الاستفادة منها لما يصلح لبلدك.

التخوف من المجتمع المدني

وهل في الإمكان التطرق إلى ما يمكنه فعله لتصحيح المسار؟

- وليد نويهض: في الطريق لتصحيح المسارات، تصبح كل الاحتمالات واردة مع عدم إهمال المجتمع المدني واستمرار عدم وضوح فهم استراتيجية دور المجتمعات وماذا تعني المجتمعات؟ هناك اختلاف وفجوة زمنية بين الدول الأوروبية وتعاملها مع المجتمع المدني وبين تخوف دول العالم الثالث وبعض البلدان العربية وتخوفها من معنى أو منطق المجتمع المدني، لأن الكثير من السلطات تتعامل مع المجتمع المدني بصفته مجموعات أهلية، والمجموعات الأهلية دائماً تتميز بوجود هوية خاصة بها، وهذه الهوية قد تتلاقى وقد لا تتلاقى مع الهويات الأخرى، ونحن لم نصل بعد إلى المجتمع المدني حيث لانزال في طور المجتمع الأهلي، ونحتاج إلى التطور من الدرجة الأهلية إلى مجتمع أكثر تقدماً يقوم على المدنية والعلاقات المدنية، والعلاقات المدنية تتطلب مؤسسات، وليست بالضرورة رسمية إنما تتطلب رعايةً ودعماً وتدريباً وتأهيلاً حتى تساعد في عملية النمو والتنمية.

التواؤم مع توجهات أوروبا

- منيرة فخرو: دور الدول المتقدمة الكبرى في عملية التطوير مهم، وكما نلاحظ، فإن هناك توجهات غريبة في المنطقة فهي تريد أن تتواءم مع توجهات أوروبا... مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وهناك اتفاقيات تجارية كثيرة بين البحرين وأميركا وفي مقدمتها اتفاقية التجارة الحرة، وحين أصرَّت الولايات المتحدة الأميركية على إضافة حقوق الإنسان وعمل النقابات في الشركات والمؤسسات الصناعية ضمن الاتفاقية، بدأنا نحن في البحرين، ومنذ العام 2003 قبل دول الخليج في تشكيل النقابات، وهذا شيء جيد وإن كان عمل النقابات يقع بين مد وجزر لكنها هي في مرحلة التشكيل وتكبر مع تراكم الخبرة، وأتمنى أن تكون قضية حقوق الإنسان ركناً أساسياً في الاتفاقية بين دول مجلس التعاون.

الشيء الآخر، يتعلق بتمكين المرأة، فالمنظمات الكبرى، كمنظمات حقوق الإنسان والسيداو، وهي اتفاقية من المفترض أن تكون دول الخليج موقعة عليها، ترتكز على تمكين المرأة، إلا أن مشاركة المرأة الخليجية دون المستوى المطلوب، وشخصياً أرى أن نظام الحصص «الكوتا» مهمة جداً، ففي فرنسا هناك تطبيق للكوتا في مؤسسات كثيرة ليصل تمثيل المرأة إلى النصف، وكذلك في الدول الإسكندنافية... هناك انفتاح على موضوع الكوتا ولا ينظرون إليها على أنها عمال «ضعف».

اتفاقيات عابرة للحدود

- وليد نويهض: النقاط التي أشارت إليها فخرو مهمة، ولاشك أن هناك اتفاقات عابرة للحدود بدأت توقعها بعض السلطات العربية مع بعض المنظمات، ولكن هناك مشكلة أخرى هي أن الدول الأوروبية تنظر إلى المصلحة أولاً، هل السماح لحقوق المرأة في هذه الدولة أو تلك هو المهم بالنسبة لها أم تحسين العلاقات التجارية معها؟ فهذه الأولويات تضع الدول الأوروبية أمام مفارق طرق، وهناك منظمات دولية وحقوق إنسان تضغط على السلطات لإعطاء الأولوية لحقوق الإنسان والحكم والرشيد، ولكن هناك المصارف والشركات الكبرى التي تضغط على السلطات، وتجعلها تقف على مفترق طرق لتختار هذه المصلحة أم تلك وهذه نقطة مهمة، واقترح في التقرير المقبل إضافة دور الشركات الاحتكارية أو الشركات المتعددة للجنسية أو العابرة للحدود في تعطيل الكثير من جهود حقوق الإنسان في دول العالم الثالث، فهي لها الحق في حماية أنفسها في مناطق التوتر كما هو الحال في إفريقيا وغيرها، لكننا نلاحظ أن هناك نوع من التعارض بين توجه الدول أحياناً وتوجه منظمات حقوق الإنسان وبين الهيئات والشركات التي تدفع في اتجاهات أخرى، وتؤيد الدكتاتورية في حال كونها تحمي مصلحة هذه الشركة وتؤمن عمل هذه المؤسسة المالية أو ذلك المصرف، إذاً نحن أمام تشعُّب يتطلب قراءة فعلية للعقبات التي تتحكم في القرار الدولي، أو تنتج آليات تمنع السلطات الأوروبية من القيام بمهامها في دعم حقوق الإنسان أو الدفاع عن الأقليات أو التضامن مع الشعب الفلسطيني، وهذه الآليات ما هي إلا صورة من صور تحكم أقطاب اقتصادية وتجارية في القرار.

كبح جماح الشركات الكبرى

- منيرة فخرو: بالنسبة للشركات الكبرى المتعددة الجنسية، لابد أن يكبح جماحها، وأرى القضية تتبلور بالنسبة لخليج المكسيك وشركات البترول، لأن الضرر على الولايات المتحدة الأميركية بدا واضحاً، ولذلك، وخلال أربعة أيام، رضخت الشركات بعد التفاوض وكأن هناك سياسة، ولكن هذه سابقة قوية لتحميل الشركات مسئولية ما يجري وهو أمر يدعونا للتأمل.

أضف إلى ما ذكرنا بخصوص أوروبا هولندا، فهي أكثر بلد في العالم تدفع نسبة من ميزانيتها إلى دول العالم الثالث، والآن بالنسبة للعلاقات الخليجية الهولندية، هناك مؤسسة لحقوق الإنسان يطلق عليها اسم: «bridging the gulf»، وهي تعمل لتجسير العلاقات مع دول الخليج في مجال حقوق الإنسان، وهناك من خبرائها من يهتمون بقضايا المنطقة ومنهم نائب مدير عام قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمراقبة حقوق الإنسان في منظمة هيومن رايتس ووتش جو ستورك، فهو يعمل بجد في شئون حقوق الإنسان، ويقول كلاماً لا يجرؤ عليه إنسان آخر، ولذلك أقول ختاماً: «دعونا نتعاون على كافة الأصعدة، فالعملية الديمقراطية مهمة، لكنها تتطلب برامج عمل وآليات، وهذه كلها تحتاج إلى أهل الرأي والخبراء».

العدد 2854 - الثلثاء 29 يونيو 2010م الموافق 16 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً