العدد 2872 - السبت 17 يوليو 2010م الموافق 04 شعبان 1431هـ

سلام عليك في استثنائيتك

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

كثيراً من تحرمك الصدمة من مجال حيوي للرؤية. رؤية ما بعدها، عدا تفاصيل موضوعها في الراهن... الآني من اللحظة.

أتجنب النعي؛ لأن الحياة في تفاصيلها... كل حركتها... صخبها... انفلاتها... رفاهيتها... سوئها... حسْنها، نعي متواصل. نعي للجميل الذي سيرحل، والباهر الذي سيذوي، والفتيِّ الذي سيشيخ ويهرم ويحتضر. نعي لأخلاقنا... «أخلاق الزحمة» وأخلاق الفراغ.

مادامت الحياة مؤقتة، يظل القبض والتمسك بالاستثنائي من المواقف والرجال والأفكار والقيم التي ولَّدتها هذه الحياة، هو الآخر عرضة للغفلة والمزاج، وأحياناً المؤقت في الحكم القيمي.

رحيل آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله، رضوان الله تعالى عليه، يصب في اتجاه حرمانك من المجال الحيوي في الرؤية، ويصب في اتجاه تجنبك للنعي؛ لأن رحيله يختزل حركية واستجواباً وإعادة قراءة لبعض موروث ظل قارَّاً راسخاً وغير قابل للاستجواب؛ فيما يُقدم هو هازَّاً مفاصل بعض ذلك الموروث، مخلخلاً لجوانب البدع والخرافات والتزمت وضيق الأفق فيه. لا أحسبه محاولة جريئة أولى في تاريخ الدائرة المذهبية التي ينتمي إليها السيد فضل الله فحسب بما جره عليه من لغط وتكفير وتسفيه وتجنٍ ضمن الدائرة ذاتها، بل في الدوائر المذهبية الإسلامية جلها؛ لأن بعضها صُدم بأطروحاته فصمت تحفظاً، والآخر استثمرها لتعزيز أطروحاته في تكفير الدائرة المذهبية التي ينتمي إليها فضل الله، فيما طرف ثالث اكتفى بالصمت أملاً في أن ينقض السيد أركان ما ينتمي إليه!!! وطرف رابع لم يخف إعجابه بجرأة الرجل ولكن دائرته تحول دون التصريح بذلك الإعجاب؛ ليذهب طرف خامس في اتجاه إنصاف الرجل، وإن كان من خارج دائرته المذهبية، قراءة وتحليلاً وتفكيكاً لإنجاز الراحل المعرفي من جهة، ومواقفه على أكثر من مستوى يتجاوز الدائرة الإسلامية ليحتضن الدائرة الإنسانية بعناوينها ومضامينها العريضة والمفتوحة، فيما طرف سادس ضمن الدائرة ذاتها اكتفى بالفرجة حيناً، والتحفظ حيناً آخر، واستدعاء التقية في دوائر بحثية وعلمية ومرجعية وحوزوية حيناً ثالثاً!!!

لكن يحسب لسماحته أنه أطلق عنوان «الحقيقة بنت الحوار» وجسدها فكراً وعملاً. رحل مثخناً بطعنات من بني قومه قبل طعنات الذين يختلفون معه من خارج دائرته المذهبية. رحل مثخناً بالتهكم عليه من على منابر رسول الله (ص) من قبل أرباع وأثلاث وأنصاف الخطباء، بل تعدى الأمر ذلك ليطاله الثخن من بعض راديكاليي المراجع الذين لم يوفروا فرصة عبر مواقع الشبكة العنكبوتية، أو عبر وكلائهم للنيل منه وتسقيط دوره وتسخيف حضوره والطعن في مرجعيته.

ثمة وفرة في الصدمات في عالمنا. عالمنا الذي نسج على الرأي الواحد والطيف الواحد واللون الواحد والصوت الواحد والتفاصيل التي يراد لها أن تكون نسخة كربونية عما ووري ومضى.

سلام عليك في رفاهية عالم لم تذق اليسير منه وأنت في دنيانا. دنيا تجهز على كل استثنائي!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 2872 - السبت 17 يوليو 2010م الموافق 04 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:45 ص

      المسروق

      لقد تم سرقت إرث السيد والإستيلاء عليه من قبل بعض الحداثويين الجدد, نعم فعنوان السيد كبير ويصلح لتغطية الأغراض الخاصة, هناك كلمة في التسعينات للسيد بحق إثنان, أحدهم توفاه ربه رحمه الله, والآخر حي يرزق , وهذا الآخر يكرهه الحداثيون , وأذكر أن أحدهم كتب فيه مقال, يتناول فيه رجعيته ودكتتاتوريته من غير أن يأتي باسمه , ولكن هذا حالكم , تستخدمون العنوان للإنفلات والتحوير فبئس ما تفعلون.

    • زائر 1 | 3:59 ص

      أني طرف سابع

      أني طرف سابع وأمثالي من مقلدين السيد
      الا ما ترددنا لحظة في الدفاع عنه وعن أفكاره النيره الي يحاول البعض تشويهها وتحويرها وتفسيريها بشكل سيء
      مرة في نقاشي ويا وحدة لبنانية ... قلت ليها أني مستعدة أموت عشان السيد.. وما أعدل عنه ولو بحد السيف.. استغربت لدرجة فظيعة.. بس في الواقع ما كان لازم تستغرب لان السيد عظيم وأي انسان يعرفه ما يقدر ما يذوب فيه
      الله يرحمه ويخلده في جنان الخلد مع محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
      شكرا للكاتب

اقرأ ايضاً