العدد 884 - السبت 05 فبراير 2005م الموافق 25 ذي الحجة 1425هـ

إيران الهدف المقبل

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التصريحات النارية التي اطلقتها وزيرة الخارجية الأميركية الجديدة كوندوليزا رايس في بدء جولتها الدبلوماسية الأولى في أوروبا و"الشرق الأوسط" تشبه كثيرا ذاك القصف العشوائي الذي يسبق عملية الهجوم العسكري "البري أو الجوي". فالتصريحات عشوائية ومضطربة وعصبية المزاج وغير مركزة. فهي تقول الفكرة وتخالفها، وتضرب على جهة اليمين ثم اليسار، وتتقدم قليلا وتتراجع.

عادة مثل هذا الكلام لا يصدر عن دولة مسئولة عن سياستها وتحترم تعهداتها وانما نسمعه دائما من منظمات وهيئات معزولة ترفع صوتها حتى يصل إلى المدى الأقصى وتنتظر ردود الفعل حتى ترصد الأصوات وتحدد مصادرها... إلا أنه حين يصدر عن دولة كبرى تصف نفسها بأنها الأقوى في كل الميادين فهذا موضوع آخر يجب تحديد مخاطره وأبعاده والمعاني التي يريد توصيلها إلى الجهات المعنية.

تصريحات رايس النارية في بدء جولتها تكشف عن حال اضطراب سياسي أخذت واشنطن تمهد الطريق له من خلال المشاغبة على الموقف الأوروبي والضغط على روسيا تمهيدا للقمة الثنائية بين الرئيسين جورج بوش وفلاديمير بوتين في 24 فبراير/ شباط الجاري. فالتصريحات هي قصف عشوائي على جدول أعمال القمة ومحاولة لتمهيد الطريق وتسويتها قبل لقاء الرئيسين لبحث ملفات ساخنة وشديدة الحساسية بين واشنطن وموسكو.

رايس طرحت في تصريحاتها برنامج الحد الأقصى الذي يهدف إلى إدخال التوتر مجددا في العلاقات الدبلوماسية غير المستقرة أصلا بين أميركا من جهة وأوروبا وروسيا من جهة أخرى واختبار مستوى الاستجابة للتحدي. وبرنامج الحد الأقصى وضع سلسلة أولويات جديدة للسياسة الخارجية الأميركية وفي طليعتها الملف الإيراني "النووي" وغير النووي.

إيران إذا هي الهدف المقبل. هذه هي الرسالة التي ارادت ان تبعثها أميركا إلى العالم مستخدمة في ذلك تصريحات متسرعة يمكن أن يفهم منها إشارات متعارضة ولكنها تلتقي كل روافدها في مصب كبير وهو: إيران هي الهدف.

إذا كانت إيران هي الهدف الأول في برنامج بوش في طبعته الثانية فما هي إذا الوسائل التي تريد واشنطن اتباعها لتحقيق الغرض من الدبلوماسية الجديدة؟

كلام رايس مبهم أو على الأقل غير مفهوم. فهي ربما تعمدت إرسال برقية غامضة ومشوشة في إشاراتها وتفهم على أكثر من معنى واحتمال أو أنها فعلا سيدة مضطربة ومشوشة العقل وكثيرة الكلام وقليلة التفكير. وفي الحالين يمكن القول إن الجولة الدبلوماسية الأولى للوزيرة هي محاولة لاختبار النوايا ومدى استعداد أوروبا "وتحديدا بريطانيا وفرنسا وألمانيا" إلى الانجرار مجددا وراء طموحات كتلة شريرة تحكم الولايات المتحدة وتريد التحكم بالسياسة الدولية كما لو أن العالم مجرد جهاز تابع لمبنى "البنتاغون".

الكلام العشوائي المضطرب قال الكثير ولكنه في النهاية بحاجة إلى تفسير. فالتصريحات تطرقت إلى طبيعة النظام الإيراني، وسلوك قيادته، وعلاقة الدولة بالناس. وكذلك تناولت مسألة الإرهاب ودعم الدولة له، وموضوع فلسطين وما يقال عن سلام في "الشرق الأوسط". وكذلك احتوت التصريحات فقرات مضطربة ومشوشة عن إيران ودورها في العراق ومنطقة الخليج... وصولا إلى برنامج طهران النووي ووكالة الطاقة ومفاوضات "الترويكا الأوروبية" بشأن البرنامج السلمي ومدى احترام طهران للبروتوكول الإضافي... إلخ.

التصريحات العشوائية غير مركزة فهي تشبه ذاك القصف الذي يمهد الطريق للهجوم وبالتالي لا يهتم "الجنرال" بالدقة ولا يكترث كثيرا إذا أصابت الطلقات الهدف، لأن الهدف غير محدد وغير واضح. فالهجوم الأول يقوم على استراتيجية الضرب العشوائي لإرباك الخصم وبعثرة قواته وتضليله حتى يفشل في تحديد النقاط الأساسية التي يجب عليه الدفاع عنها.

كلام رايس غوغائي فهو ضرب على الشمال واليمين وتناول مختلف النقاط بدءا من طبيعة النظام وسلوكه وانتهاء بفلسطين والعراق والخليج والبرنامج النووي وغيرها من نقاط يصعب حصرها في إطار واحد. فهل مثلا تضغط أميركا على إيران من خلال الملف النووي لفرض تنازلات عليها في مناطق وامكنة أخرى، أم انها تريد تخويف بعض دول الخليج وجرجرتها إلى سياسات لا ناقة لها فيها ولا جمل؟

المسألة حتى الآن غير واضحة. إلا أن ما يمكن فهمه من تلك التصريحات العشوائية "النارية" أن الولايات المتحدة مقبلة على خطوة كبيرة في المنطقة تشبه تلك التي افتعلتها وارتكبتها ضد العراق. وجولة رايس الدبلوماسية هي مجرد خطوات سريعة ومتسرعة لتسخين الأجواء قبل شهور من اقتراب أسابيع الصيف وناره الحامية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 884 - السبت 05 فبراير 2005م الموافق 25 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً