شهدت سوق المقاولات والإنشاءات في السنوات الأخيرة بروز أسماء شركات غير تلك التقليدية الكبرى التي لها دور بارز في الأعمال الإنشائية الضخمة في البحرين، وربما امتد عملها إلى المنطقة. وفي البحرين، بدأت شركة سيباركو تأخذ نصيبا وافرا من الشهرة وارتباطها بالمشروعات الإنشائية الضخمة والمرتبطة أساسا بعامل الوقت والجودة، فكان إنجازها لحلبة البحرين الدولية واحدا من أكبر تحدياتها التي نجحت في إنجازها، على رغم التشكيك في إمكان إقامة الحلبة لاستقبال سباق الجائزة الكبرى الذي أقيم في البحرين ولأول مرة في الشرق الأوسط في مطلع ابريل/ نيسان من العام الماضي.
يبدو الرئيس التنفيذي لشركة سيباركو البحرين خالد عبدالرحيم، منشغلا في مكتبه بين مجموعة من المهندسين والاستشاريين في مناقشة بعض من أعمالهم الراهنة التي يتسابق فيها عاملا الوقت والجودة، إذ يقول إن عددا من الصحافيين في البحرين طلبوا أن يجروا معه لقاءات، عن الجوانب الاقتصادية والإنشائية في البحرين "ولكنني أفضل أن تتحدث الإنشاءات التي تقوم بها الشركة بدلا من أن أتحدث عنها".
يرجع عبدالرحيم الجانب الأهم من نجاح شركته وتطورها وبروزها في السنوات القليلة الأخيرة إلى الشفافية ومجلس المناقصات، إذ يقول: "كنا نشكو في الماضي بأن هناك نوعا من المحاباة بين الشركات، ولكن ما أن استقر المشروع الإصلاحي والمتضمن ترسيخ مبادئ الشفافية، وإنشاء مجلس المناقصات، حتى بات واضحا أن الأعمال الكبرى التي تقرها الحكومة ومؤسساتها، إلى من تذهب ولماذا، وهذا مجال التنافس الحقيقي".
قطاع المقاولات
ويرى عبدالرحيم أن قطاع المقاولات في البحرين يشهد تفاوتا بين الشركات العاملة فيه، ولكنه يقول إن التعليم والتدريب عاملان حاسمان في تطوير القوى العاملة، وانعكاس ذلك على تطوير بيئة العمل وتحويلها من مكان يقوم على المنافسة الضارة إلى عناصر وفرق عاملة نشطة وإيجابية. ولا يشمل هذا فقط العلاقة ما بين العميل والاستشاري والمقاول، ولكنها تمتد لتشمل الثقة العامة والتقدير لما يتم عمله وإنجازه "بدأت شركات بحرينية في السنوات الأخيرة تنتهج النهج العلمي في التأسيس والتخصص، وأصبحت أكبر وأكثر معرفة ودراية بحيث أنه لا يوجد ما يحول دون تأسيس الشركات المشتركة البحرينية وبالتالي زيادة قدرة الاستثمار على تحقيق الربح في البحرين".
ويقول: "يشهد الوقت الراهن تغييرات نوعية ملموسة في مجال الأعمال، فلم تعد الأطراف الداخلة في العمليات الإنشائية تكتفي بالأساسيات فقط، وبالتالي، ستتمكن الشركات ذات القدرات والإمكانات من اقتناص هذه الفرص والنجاح وتحقيق الانتعاش في أنشطتها. وسيتعين على السوق أن تتكيف مع التغيرات والعوامل المؤثرة مثل تقرير ماكينزي واتفاق التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأميركية. وسيتعين الأخذ بالتقنية الحديثة لكي تحل محل الأعمال التي تنفذ يدويا على المدى البعيد حتى يمكن زيادة معدلات الأجور. بالإضافة إلى ذلك فإن السوق لن تتحمل الشركات التي تهمل صحة وسلامة عمالها وتطوير أدائهم، ومن الطبيعي أن هذا قد يؤدي إلى زيادة في الكلف غير أن كلف عدم الاستجابة لهذه الحاجة ستكون أضخم".
جسور السيف
مرت جسور ضاحية السيف بمراحل متراوحة بين السرعة والبطء في الإنجاز، وربما كان هناك شعور بأن العمل شبه متوقف خصوصا بعدما أنجز الجزء الخاص باستقبال قادة دول مجلس التعاون في "قمة زايد" الأخيرة، ولكن عبدالرحيم يقول إن العمل كان يسير بحسب المخطط له، فمشروع الجسور العلوية لضاحية السيف يشتمل على عنصرين رئيسيين: فهناك جسران منفصلان وتقاطعات في السوق المركزي وضاحية السيف "إذ إن جسر السوق المركزي افتتح قبل موعده بفضل المتابعة الحثيثة من قبل وزير الأشغال والإسكان فهمي علي الجودر الذي كان حريصا على إنجاز هذا الجزء من المشروع بسرعة عالية ووفق المواصفات المتفق عليها، وذلك لاستقبال قادة مجلس التعاون، وكان هذا دافعنا لمضاعفة الجهد حتى يتم الأمر قبل أوانه". أما الجزء المتأخر من الجسور، فيعيده عبدالرحيم إلى إحداث تغييرات هندسية في تصميم الجسر ما استلزم إعادة النظر في سير العمل إنشائيا "وهذا ما سيؤدي إلى التسليم لبعض الوقت إذ من المنتظر أن تسلم الشركة هذا المشروع في الأسبوع الأخير من مايو/ أيار المقبل أو قبل ذلك".
ويقول إن الأعمال لا ترتبط بالجسرين فقط، بل تتصل أيضا إلى تحديث الطرق الجانبية ما بين منشآت الجسور العلوية وتقاطع طرق جديدة بجوار مبنى سيتي بنك والكثير من أعمال التشجير في تلك المنطقة.
مكتبة الشيخ عيسى
يقول عبدالرحيم إن المشروع يمضي بصورة طيبة على رغم التعقيدات والتطويرات التي أدخلت عليه، فقد استجدت خلال الفترة الماضية الكثير من الأمور التي رأتها اللجنة التنفيذية التي تتابع المشروع، وأدخلت عليه تجديدات لم تكن موجودة في الأساس وذلك لتواكب المكتبة أحدث الأغراض التي تؤديها المكتبات العامة المشابهة في العالم، وهذا ما استدعى تغيير خطط الإنشاء وتحوير بعضها، فالمشروع لايزال طور الإنجاز لمدة تزيد عن العامين بقليل، ولكنه يؤكد أن المكتبة ستكون مفخرة للبحرين عند افتتاحها، مشيرا إلى الدور الحيوي الذي يقوم به نائب رئيس الوزراء وزير الشئون الإسلامية ورئيس اللجنة الوطنية العليا لمشروع مكتبة الشيخ عيسى، الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة في متابعة تفاصيل التطوير على التصميمات، وكذلك المتابعة الحثيثة لما يتم إنجازه على الأرض.
ويقول: "يتمثل أكبر تحديث في إنجاز المكتبة في تعدد المهمات الوظيفية للمبنى. فهو ليس مجرد مكتبة، بل هو مركز مؤتمرات دولي ويضم أيضا متحفا ومعرضا فنيا وقاعات للمحاضرات. وقد تم تنفيذ الكثير من التغييرات لتلبية متطلبات الاستعمال النهائي للمبنى بحيث أصبح المشروع مناسبا لأداء الوظائف المتعددة المقررة له بكفاءة".
تجربة "الحلبة"
يقول عبدالرحيم عن تجربته في إنجاز مشروع حلبة البحرين الدولية: "ليس سهلا أن تعمل وتشعر أن عيون 350 مليون شخص حول العالم تتجه صوبك، هذا الشعور كان يربك العمل من جهة، ولكنه يعطي دافعا آخر وتحديا، فنجاح البحرين في إقامة السباق على أرضها يعني استمرار هذا السباق هنا مضمون لمدة خمس سنوات، فالأخطاء أو التأخير لم يكن مسموحا به".
ويشير إلى أن جهات عالمية كانت قد تم إلغاؤها من جدول استضافة السباق لعدم تحديثها حلباتها الخاصة، وبالتالي اتجهت لتشكك في صلاحية حلبة البحرين وهندستها وأمنها من الناحية الإنشائية حتى لا يبقى خيار أمام اللجنة العليا المنظمة للسباق إلا الرجوع إلى تلك الدول مرة أخرى مادامت الشكوك تحوم حول حلبة البحرين "كنت أمام كل تشكيك أجلب مهندسين ومتخصصين على مستوى عال من أوروبا ليحكاموا فيما يثار من غبار، وفي كل مرة تفشل دعاوى المشككين، ولكن هذا كلفنا وقتا مهما ومالا يدفع للاستشاريين ليس قليلا".
في هذه الأثناء كان فريق من المقاولين بالباطن يعملون مع "سيباركو" ولكي تضمن الشركة إنجازهم المطلوب في الوقت المحدد قامت بتشكيل فريق يطوف الكثير من دول العالم لجلب المواد الأولية واللازمة لاستكمال المشروع وتسليمها للمقاولين الآخرين حتى لا يتأخر المشروع يوما واحدا إضافيا.
بعد أن تمكنت "سيباركو" من إنجاز "الحلبة" أصبحت قدرتها وخبرتها أكبر في إنجاز المشروعات الكبيرة، ويقول عبدالرحيم: "صرنا قادرين على مواجهة التحديات، لأن كل التحديات المطروحة أقل تعقيدا من تحدي "الحلبة"، وبالتالي كان دخولنا في مشروع "جسور السيف" ومكتبة الشيخ عيسى جزءا من عملنا شبه الاعتيادي لما في هذه المشروعات أيضا من تقنيات وتحديات خاصة، وقد شرعنا أيضا في تنفيذ العمل في الطريق السريعة المؤدية إلى درة خليج البحرين، وهي عبارة عن طريق سريعة مزدوجة يبلغ طولها 27 كيلومترا وتضم خمسة جسور. تبلغ قيمة عقد مقاولة الطريق السريعة المؤدية إلى درة خليج البحرين أقل قليلا من 18 مليون دينار بحريني ومن المقرر إنشاء المشروع في مدة عامين. في الوقت الحاضر يحرز المشروع تقدما ممتازا ونأمل استكماله قبل الوعد المحدد".
ويضيف "ندرك أن هذه المشروعات ذات أهمية بالغة بالنسبة للتنمية المستدامة للبحرين. وتعتبر الطريق السريعة هذه الشريان الحيوي المؤدي إلى مشروع درة خليج البحرين، الذي يعتبر - بدوره - محوريا بالنسبة إلى قطاع الإنشاءات المحلية. لهذا نعتقد أنه من مصلحتنا استكمال المشروعات بنجاح قبل الموعد المحدد حتى تتكون لدى سوق الاستثمارات الثقة للاستثمار في البحرين. ويعد هذا أمرا حيويا بالنسبة إلى نمونا نحن".
إضافة إلى ذلك، تعمل الشركة على توسعة البنية الأساسية لشبكة الكهرباء بطاقة 220 كيلوفولت في مختلف المواقع في البحرين. وهدم محطة كهرباء المنامة البالغ عمرها 50 عاما مع كل المخاطر التي يمكن التعرض لها من هدم وإزالة مواد الإسبستوس.
التحول خليجيا
يفكر الرئيس التنفيذي لشركة "سيباركو" في نقل جانب من أعماله إلى خارج البحرين لما يقول إن هناك مشروعات واعدة في منطقة دول مجلس التعاون، وخصوصا ما يتعلق منها بالبنية التحتية، فالأعمال في كل دول التعاون في نمو مستمر، ومن ضمنها البحرين التي قدر أن تشهد في العام 2006 ثورة إنشائية غير مسبوقة بحسب ما يعلن عنه من مشروعات طرق وإنشاءات مختلفة.
ويقول: "تطلب هذا التخطيط منا أن ننتقل بالشركة إلى مستوى أكثر تنظيما باستحداث الدوائر المتخصصة بغرض مواجهة أعباء العمل المتزايدة وكذلك لإدارة وتنفيذ برامج ضمان الجودة التي وضعناها. ومن جديد فإننا نطبق شعار قم بأداء العمل مرة واحدة على النحو الصحيح ويصدق هذا على ما نقوم به. ومن المجالات الأخرى التي نهتم بها، القوى العاملة في الشركة وهي من الأمور التي نركز عليها، ولهذا الغرض فقد اتفقنا مع شركة لتطوير البرامج على إعداد نظام متكامل للموارد البشرية يتناسب تماما مع أعمال قطاع الإنشاءات ويؤمن احتساب الأجور والامتيازات والحوافز بصفة يومية.
ويضيف "تشهد البحرين ومنطقة الشرق الأوسط طفرة وانتعاشا اقتصاديا، ونحن ندرك أن هناك الكثير من الفرص التي يمكن الاستفادة منها لأن قطاع الإنشاءات هو أحد المؤشرات الاقتصادية الرئيسية. ومن المؤكد أن البحرين تعمل على زيادة دخلها وقدراتها الاستثمارية، وهذه فرصة مؤاتية للشركات الجادة في قطاع الإنشاءات لمواصلة دعم هذا النمو عن طريق "بناء مستقبل أفضل"، موضحا بأن البحرين ستشهد في العام المقبل الكثير من المشروعات الجديدة من أول مشروع مستقل للكهرباء إلى عمليات تحديث رئيسية للبنية الأساسية إلى مشروعات رياضية ومستشفيات والكثير من المشروعات الاستثمارية الرأسمالية الكبيرة الأخرى التي ستدفع بالبحرين إلى دائرة التنافس مرة أخرى
العدد 893 - الإثنين 14 فبراير 2005م الموافق 05 محرم 1426هـ