العدد 910 - الخميس 03 مارس 2005م الموافق 22 محرم 1426هـ

مساواة من حيث الإنسانية وتباين في الأحكام الخاصة

المرأة والتنمية من منظور قرآني

قال تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" "التوبة: 105"، وقال سيدالبلغاء الإمام علي "ع": "من تساوى يوماه فهو مغبون"، فالتنمية الشاملة والمستدامة من إمارات الإيمان القوي والراشد، بيد أن عملية التنمية الفاعلة هي التي تستند على الإنسان بشقيه الذكر والأنثى. فالمرأة نصف المجتمع يجب ألا يغفل دورها وإن كان ثمة ما يعوق تفعيل هذا الدور فينبغي معالجته، واتهمت الأحكام الإسلامية على الدوام بأنها وراء تخلف المرأة عن المشاركة في عملية التنمية، فما مدى صحة هذا الاتهام؟ وهل الأحكام الإسلامية فعلا هي سبب هذا التخلف أم أن التأويلات البشرية للنصوص الإسلامية هي المسئولة؟ دعونا نغوص في هذا المجال ونتوقف عند أهم المحاور المتعلقة بمشاركة المرأة في التنمية بكل جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

بداية تجدر الإشارة إلى أن الخطاب القرآني ساوى من حيث المبدأ والإنسانية بين المرأة والرجل وباين في الأحكام الخاصة بكل منهما نتيجة تباين الخلقة، والشواهد على ذلك كثيرة ومنها "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" "الحجرات: 13".

المرأة والتنمية الاقتصادية

مما لاشك فيه أن المرأة نصف المجتمع ولديها طاقات هائلة مثلها مثل الرجل وصحيح أن وظيفتها الأساسية هي الأمومة ولكن الأمومة لا تستغرق كل وقتها، وإن استغرقته في فترة من الفترات فإنها لا تستغرق كل مراحل حياتها إضافة إلى أن الوظيفة تمثل ضمانة للمرأة فإن لم يستغل الفائض من طاقات المرأة في الخير والبناء فإنها ستهدرها في سفاسف الأمور إن لم يكن في الهدم. صحيح أن نفقتها مكفولة شرعا وواجبة على الأب أو الأخ إن لم يوجد الأب ثم على الزوج ولكن ماذا لو لم يوجد أي منهم وحتى لو وجدوا فإن حرمان المجتمع من طاقات المرأة تبديد لنصف ثروة المجتمع البشرية ثم إنه حق للمرأة، والدين الإسلامي يحث كل مسلم على العمل وكان للمرأة في صدر الإسلام نصيب لا يستهان به من المشاركة في ميدان الأعمال الاقتصادية فكانت النساء يتصدين لحرف وأعمال كثيرة وينهضن بقطاع أساسي من قوى العمل والتخصص والانتاج. قالت أم الحسن النخعي: مر علي أمير المؤمنين "ع" فسألني: "أي شيء تفعلين؟" قلت: أغزل فقال: "اعلمي أن الغزل من طيبات الكسب" وكانت السيدة خديجة "رض" من كبار تجار الحجاز والبلدان المجاورة ومن المبايعين الأوائل ومن المهاجرين وكانت تعد من أعقل الصحابيات وقد علمت عائشة وحفصة علم الطب والخط بأمر من رسول الله "ص" وقد قال عنها ابن حجر: "كانت من عقلاء النساء وفاضلاتهن وكان رسول الله "ص" يأتيها ويقيل عندها في بيتها... كان عمر يقدمها في الرأي ويرعاها ويفضلها وربما ولاها شيئا من أمر السوق" "الإصابةج،8 ص163" وممن ورد اسمهن أيضا "سمراء بنت نهيك" التي كانت تتولى الحسبة في السوق وكانت ترتدي درعا غليظا وخمارا وبيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتفيد الروايات أن الزهراء "ع" كانت تتولى أوقاف وصدقات النبي.

النساء والخطابة

ولم تتخل النساء عن الخطابة في عهد الرسالة ولا عن الشعر وكان للشعر والخطابة أهمية كبرى عند العرب منذ الجاهلية، إذ كان لكل قبيلة خطيب وشاعر وعزة أو ذلة قبيلته رهينة بقدرته فهو لسانها الإعلامي، لذلك برزت شاعرات وخطيبات كأسماء بنت يزيد وأم سلمة ومن الشاعرات صفية وأروى، كما توجد في كتب التاريخ أشعار نسبت إلى السيدة خديجة "رض" والسيدة الزهراء "ع" وأم سلمة وعائشة وفضة وغيرهن كثير واتخذت بعض النسوة إنشاد الشعر مهنة وكن يقرأن في مجالس الأفراح والمآتم وعملت النساء في صدر الإسلام في مهن كثيرة أخرى لا حصر لها فمنهن من عمل في الطبابة والجراحة: رفيدة وأم عطاء، أم كبشة، جمنة بنت جحش، معاذة، ليلى، أميمة، والربيع بنت معوذ. وشاركت نساء كثيرات في معركة خيبر وحصلن على سهمهن من الغنائم وكان منهن أم زياد الأشجعية ومعها خمس نساء. وورد ذكر مهنة الرعي في القرآن لابنتي شعيب "ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير" "القصص: 23"، وهناك الكثير من المهن الأخرى التي امتهنتها النساء في عصر الرسالة والتي شجعها الرسول "ص".

المرأة والمشاركة السياسية

شاركت المرأة في صدر الإسلام في الحياة السياسية بشكل واضح فمن بيعة العقبة الأولى والثانية قبل الهجرة إلى مؤازرة النساء للرجال جنبا إلى جنب في كل الحوادث والمواقع دونما تمييز وفي كل المنعطفات السياسية كنا نجد دور المرأة بارزا فبدءا بالعقبة الأولى والثانية والهجرة وبعد وفاة الرسول "ص" كان دور الزهراء "ع" بارزا وفي واقعة الطف برز دور العقيلة زينب "ع" وبنات الرسالة وهلم جرا. فالمؤمن حاضرا قد يتسنم منصب وزير أو نائب برلماني ويقوم بواجب الإصلاح بكل أنواعه - وهو المعبر عنه إسلاميا بـ "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" - من باب كونه وليا على المؤمنين والمؤمنات وقد تتسنم المؤمنة هذه المناصب وتقوم بالعمل نفسه من المنطلق نفسه وهو ولايتها على المؤمنين والمؤمنات فالآية لم تفرق كما أنه "ص" في الحديث "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" لم يفرق... اللهم إلا فيما يتعلق بالولاية العامة التي فيها نقاش حاليا في المحافل العلمية والحوزات والتي هي من صلاحيات الرسل أو من ينوب عنهم والتي تتطلب مشاقا جسدية ينوء عنها جسد المرأة لا عقلها.

القوامة على البيت والمجتمع

كثيرا ما يتم الخلط بين قوامة الرجل في بيته على زوجته وأولاده وقوامته في المجتمع على أية امرأة يتعامل معها إن كان في إطار عمل أو دراسة أو عمل اجتماعي أو سياسي فنرى كل رجل يوجد في أية منظمة علمية، اجتماعية أو سياسية مع أية امرأة يعتبر نفسه هو وغيره من الرجال قيما أو قيمين على بقية النساء من دون وجه حق، أما القوامة داخل الأسرة التي هي من حقه فهي من باب تنظيم مؤسسة الأسرة التي مثلها مثل أية مؤسسة أو منظمة لابد لها من نظام فيه رئيس وأعضاء وفي مؤسسة الأسرة لابد أن تعطى القيادة لأحد الطرفين إما الرجل أو المرأة والتي لا تعني القيادة التسلطية وإنما التشاورية التعاونية مثل أية قيادة واعية متحضرة. وقوامة الرجل على زوجته هي فقط فيما يختص بشئون الأسرة وليس له قوامة على إنسانيتها ولا على أنشطتها الفكرية وغيرها خارج المنزل إذا لم تقصر في حقه وحصتها من الواجب داخل المنزل الذي ينبغي أن تقتسم بين الطرفين كل بحسب ظرفه، ومن هنا فإن فتوى السيدالخوئي "ره" أن خروج المرأة من بيتها لا يجوز إذا تعارض مع حق زوجها "الفراش" وأنها تستأذنه فقط إذا كان الخروج متعارضا مع حقه

العدد 910 - الخميس 03 مارس 2005م الموافق 22 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً