العدد 910 - الخميس 03 مارس 2005م الموافق 22 محرم 1426هـ

"رؤى معرفية"... منظومة الدوائر الوجودية الثلاث

هذا المخطط التصويري يحكي عن حقيقة الوجود العام من حيث انقسامه إلى الوجودات الثلاثة الآتية: 1- الوجود العقلي: وهو الوجود المجرد من المادة والصورة كما هو الشأن بالنسبة إلى الملائكة والعقول المجردة.

2- الوجود المثالي: وهو الوجود المجرد من المادة مع حضور الصور المثالية فيه كما هو الشأن بالنسبة إلى صور الأشياء في ذهن الإنسان.

3- الوجود المادي: وهو الوجود الأخير من أنحاء الوجود العام ويتقوم الوجود المادي بأمرين هما المادة والصورة، والمادة حقيقتها القوة الحاملة لجميع الصور من دون أن تكون لها فعلية في نفسها إلا فعلية ألا فعلية لها، والصورة هي التي تعطي الفعلية للمادة، وهي لا تفارق المادة بحال من الأحوال كما أن المادة لا تفارقها، وحقيقة الصورة أنها الامتداد الجسمي للأشياء المادية، ولابد أن تكون المادة حاملة لصورة ما في كل مرحلة من مراحلها. والحقيقة الإنسانية تضاهي في وجودها وتنوعها الوجود العام، فهي تبدأ مادية حسية ثم لا تلبث أن تستشعر الأشياء من حولها وتدرك نفسها وما يحيط بها إدراكا جزئيا صوريا من خلال ما تتوافر عليه من قوة الخيال التي حقيقتها إدراك الصورة الجزئية، وبعد ذلك يرتقي الإنسان إلى أفق العقل والإدراك المجرد فيدرك المجردات العقلية، وتتفاوت الناس في مستوياتها وقوى إدراكها. وتشير الألوان في أسفل التصوير من حيث ترقيها في الغلظة والقتامة وتصاعدها من اليمين إلى اليسار إلى مبدأ الحركة الإنسانية ومنتهاها، وهي الحركة التي أشار إليها الباري تعالى بقوله: "الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير" "الروم: 54"، فالحركة الإنسانية تبدأ من خلال وجود ضعيف للإنسان لا يقوى على شيء وتشتد كلما كبر الإنسان حتى يصل الإنسان إلى عمر الأربعين الذي يكون فيه في أقوى قدراته وأشد نشاطه وحيويته، ثم ما يلبث أن يعود إلى مرحلة الضعف والوهن فتتلاشى قواه ويضعف عزمه. وقد أردنا الإشارة إلى هاتين الحركتين بقوسي الصعود والنزول في التصوير، فالإنسان يبدأ أول ما يبدأ حركة نزولية يتقلب من خلالها في مراتب الوجود الحسي وآفاقه، ويرتقي منه إلى آفاق عالم المثال المتوسط بين عالم العقل وعالم المادة، ثم ينتهي إلى عالم العقل والتجرد العقلي، والمحيط بكل هذه العوالم، ومبدؤها ومعيدها هو الله سبحانه وتعالى، فهو بيده الأمر وهو على كل شيء قدير. وما ينبغي قوله في هذا المجال أن هذا التصوير يمثل قاعدة أولية وأساسية، ننطلق منها في صوغ مختلف رؤانا المعرفية المتنوعة والشاملة، سواء ما ارتبط منها بالجانب المعرفي الفلسفي المجرد، أو ما ارتبط بالبعد الاجتماعي السياسي، أو ما تعلق بالجانب الأخلاقي والتربوي، أو ما أراد الحكاية عن معارف الدين في أي شأن من شئون الحياة، ومبدؤنا في ذلك هو النظر إلى المعرفة باعتبارها محاولة يقوم بها الإنسان لاكتشاف حقائق الوجود واستيعابها، من دون أن يسعى للتصرف فيها بالتحوير والتأويل والزيادة والنقصان، لأن القيم بأي من هذه الأشياء يصادر من المعرفة أية قيمة علمية يمكن أن تكون لها، كمعرفة تستهدف أن تكون طريقا لا يمارسه الإنسان إلا لأنه يعتقد أنه وسيلته الوحيدة لإدراك حقائق الوجود على ما هي عليه. وهذه المهمة التي تريد الفلسفة دينية كانت أم غير دينية أن تنهض بها، ولا أحسب أن للفلسفة من مهمة سوى ذلك

العدد 910 - الخميس 03 مارس 2005م الموافق 22 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً