بوفاة الشاعر والكاتب والدبلوماسي الدكتور غازي القصيبي تكون الثقافة العربية والأدب العربي قد فقدا رجلاً كان له الدور الطليعي في تأسيس الفكر والأدب العربي في المنطقة. ورغم أن الراحل الكبير كان ينتمي إلى مرحلة الأدب الرومانسي ويكاد يكون من القلائل الذين بقوا اليوم من هذه المرحلة الجميلة التي دشنها مع مجموعة من الأدباء والشعراء إلا أن ما يميز القصيبي أنه حين جاءت الحداثة الأدبية والفكرية تدق الأبواب لم يقف منها موقف المحافظ بل الهاضم لأطروحتها وكان من القلائل الذين مدوا جسراً بين الرومانسية والواقعية والحداثة.
ولا يعود ذلك إلى ملكاته الأدبية وإنما إلى مخزون فكري كبير عرف القصيبي من خلاله دائما أن يختار طريقه فوقف مدافعاً صلباً عن التنوير والتجديد في وقت آثر فيه الكثيرون مجايليه السلامة والمشي إلى جنب الحائط برغم أنه حصل على مناصب سياسية ودبلوماسية عديدة.
ولم يخطئ الباحث المهم في الأدب البحريني د.علوي الهاشمي حين ضم اسمه في كشافه إلى شعراء البحرين فبرغم كونه كونياً إلا أنه كان بحريني الهوى.
وفي سنواته الأخيرة دخل القصيبي مجال الرواية وبرغم ما يقال عن قوة أو ضعف حرفته الروائية التي هي محل جدل إلا أن كتاباته وثقت مرحلة مهمة جداً من تاريخ البحرين والخليج انصهرت فيها الطوائف تحت ظلال حركة التنوير والتي كان القصيبي أحد عناصرها البارزين.
وإن كان ثمة ما نقوله أخيراً فهو أن الله وهبه لحظات من العمر ليشهد أخيراً رفع الحظر عن تداول كتاباته جميعها في بلاده وكم كنا نتمنى أن يكون قد امتدت به الحياة ليعيش ذلك وعلى أي حال فهذا المنع لم يكن مانعاً من تداول كتاباته في الخارج.
إن المهمة الملقاة على عاتق خلفاء القصيبي هي مواصلة دوره التنويري ونشر فكره وأدبه الذي لا يزال فيه من الكنوز ما يحتاج إلى إضاءة حقيقية.
العدد 2904 - الأربعاء 18 أغسطس 2010م الموافق 08 رمضان 1431هـ