العدد 1016 - الجمعة 17 يونيو 2005م الموافق 10 جمادى الأولى 1426هـ

معطيات سوق العمل تفرض التحرك من أجل الإصلاح

في ندوة جمعية المرأة البحرينية

اعتبر رئيس شعبة البحوث الاقتصادية في جامعة البحرين جاسم حسين أن هناك حاجة ماسة لمشروع إصلاح سوق العمل في البحرين، وذلك لعدة أسباب يفرضها سوق العمل البحريني في مقدمتها تداعيات البطالة.

وحدد حسين خلال ورقة قدمها في محاضرة نظمتها جمعية المرأة البحرينية عقدت حديثا عن "الحاجة إلى مشروع إصلاح سوق العمل" خمسة أسباب رئيسية على أقل تقدير تؤكد الحاجة إلى وجود مشروع إصلاحي أو تصحيحي لواقع سوق العمل في البحرين. وهي: البطالة، نقص التشغيل، التمثيل المبالغ فيه للأجانب في القوى العاملة، تدني الأجور، تدهور نسبة البحرنة في القطاع الخاص.

البطالة أبرز الأسباب للإصلاح

وعن البطالة قال الباحث الاقتصادي استنادا لدراسات قامت بها مؤسسة ماكينزي الأميركية بلغ عدد العاطلين في صفوف المواطنين في العام 2003 ما بين 16 ألفا و20 ألف فرد يمثلون 13 في المئة أو 16 في المئة من صفوف القوى العاملة البحرينية. والأخطر من ذلك تتوقع الدراسات أن يرتفع عدد العاطلين في العام 2013 إلى 70 ألف مواطن ما يعني أن نسبة البطالة ستبلغ 35 في المئة من القوى العاملة البحرينية. بمعنى آخر فإن واحدا من كل ثلاثة بحرينيين "في القوى العاملة" مهدد بأن يكون عاطلا عن العمل في غضون ثماني سنوات ما لم تقم الجهات المسئولة باتخاذ خطوات ملموسة للحد من المشكلة.

ويذكر حسين انه بالإضافة للبطالة هناك ظاهرة البطالة المقنعة "أو نقص التشغيل" التي بدورها تزيد من عمق الأزمة. إذ تشير الدراسات إلى أن نحو 15 في المئة من المنضمين الجدد إلى سوق العمل قبلوا بوظائف أقل من مهارتهم في الفترة ما بين 1990 و.2002 بيد أنه يتوقع أن ترتفع النسبة إلى 70 في المئة من المنضمين الجدد في العام .2013

ومن الأسباب التي دعت إلى الإصلاح - كما يقول حسين - بحسب آخر الأرقام المتوافرة يبلغ حجم القوى العاملة في البحرين 321 ألفا. يشكل المواطنون 125 ألفا أي 39 في المئة من العدد الكلي للقوى العاملة والباقي وعددهم 196 ألف شخص هم من الأجانب يشكلون 61 في المئة من المجموع بيد أنهم يمثلون أقل من 40 في المئة من حجم السكان.

بلغ عدد السكان في نهاية العام 2004 تحديدا 707168 أي بزيادة 17742 فردا عن العام .2003 وجاءت الزيادة على خلفية انضمام 10254 مواطنا بحرينيا فضلا عن 7488 أجنبيا للسكان. وعليه وصل عدد البحرينيين في العام 2004 نحو 438 ألفا يمثلون 62 في المئة من عدد السكان. بالمقابل بلغ عدد الأجانب نحو 269 ألف فرد أي 38 في المئة من السكان.

ويستطرد حسين قائلا توصلت الدراسة التي قام بها فريق العمل في مؤسسة ماكينزي إلى أن كلفة كل فرد أجنبي يعمل أو يعيش في البحرين تبلغ 40 دينارا شهريا. هذه الكلفة يتحملها المجتمع أو الاقتصاد البحريني عن طريق استخدام أو سوء استخدام المرافق العامة وتتوزع على النحو الآتي: 15 دينارا للأمن العام، 8 دنانير للأشغال، 7 دنانير للكهرباء والماء، 4 دنانير للصحة، 3 دنانير لوزارتي العمل والشئون الاجتماعية و3 دنانير أمور أخرى.

وأشار حسين إلى أن الكلفة التي تحملها المجتمع جراء وجود عمل الأجانب في البحرين في العام 2004 بلغت نحو 129 مليون دينار. ويمثل هذا الرقم أكثر من 9 في المئة من مصروفات الموازنة العامة للعام .2005 إضافة إلى ذلك هناك مسألة تحويلات الأجانب من البحرين إلى خارجها والتي بدورها تشكل عبئا على المجتمع. فحسب مجموعة الايكونومست البريطانية يبلغ حجم المبلغ المرسل من البحرين للخارج نحو 500 مليون دينار. وقال حسين: "لابد من التوقف عند هذا الرقم إذ يعتبر كبيرا بالنسبة لاقتصاد صغير مثل البحرين. إذ يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي البحريني نحو 3100 مليون دينار. بمعنى آخر تمثل قيمة الأموال المرسلة للخارج نحو 16 في المئة من حجم الاقتصاد البحريني، ويعد هذا الرقم كبيرا بأي حال من الأحوال. معظم الأموال المرسلة تذهب للدول الواقعة في جنوب آسيا مثل الهند وجنوب شرق آسيا مثل الفلبين".

تدني الأجور بنسبة 16% خلال العقد الماضي

وعن تدني الأجور الذي يعزز من الحاجة إلى الإصلاحات في سوق العمل يقول الباحث الاقتصادي: "تشير الأرقام المتوافرة إلى أن متوسط الأجور في البحرين انخفض بنسبة 16 في المئة في الفترة بين 1990 و،2002 وتحديدا من 420 دينارا إلى 352 دينارا شهريا. والأسوأ يتوقع أن ينخفض المتوسط مرة أخرى بواقع 11 في المئة أخرى ليصل إلى 315 دينارا شهريا في العام 2013".

ويضيف حسين "يمكن القول إن الدراسة التي أعدت لحساب ديوان ولي العهد ومجلس التنمية الاقتصادية متفائلة بخصوص متوسط الأجور. وفي هذا الصدد نشير إلى متوسط الأجر الشهري في القطاع الخاص إذ بلغ 214 دينارا في نهاية العام .2004 بيد أنه حصل المواطن البحريني على أجر قدره 364 دينارا وبالمقابل حصل الأجنبي على متوسط راتب قدره 160 دينارا. بمعنى آخر يمثل ما يحصل عليه المواطن الأجنبي في القطاع الخاص نحو 43 في المئة فقط مقارنة مع ما يحصل عليه المواطن البحريني. وعليه لا توجد غرابة في تفضيل الشركات العاملة في البحرين توظيف العامل الأجنبي على البحريني - لاشك أن هناك أسبابا أخرى مثل الإنتاجية وأخلاقية العمل - على كل حال يحصل غالبية العاملين في القطاع الخاص على راتب أقل من 200 دينار شهريا".

تدني نسبة البحرنة في القطاع الخاص

وعن تدني نسبة البحرنة في القطاع الخاص يشير حسين إلى أن البحرينيين شكلوا نحو 27 في المئة من العمالة في القطاع الخاص في نهاية العام 2004 مقارنة بأكثر من 29 في المئة في نهاية العام ،2003 فضلا عن نحو 32 في المئة في العام 2001 وذلك بحسب الأرقام الصادرة من الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية.

ويردف حسين قائلا: "يعمل نحو 52 في المئة من البحرينيين في القطاع الخاص. الأمل معقود أصلا على القطاع الخاص لتوفير الوظائف للداخلين الجدد وربما بعض العاطلين الحاليين".

ويتساءل الباحث الاقتصادي عن دور القطاع العام، إذ يرى أن التوظيف في القطاع العام وصل حد التشبع وربما يفوق عدد العاملين في الدوائر الرسمية مستويات الأعمال المطلوب إنجازها. إذ إنه لا يوجد هناك نمو يذكر للوظائف في المؤسسات الرسمية بدليل تسارع وتيرة التقاعد المبكر فضلا عن برامج الخصخصة. بحسب الإحصاءات المتوافرة تم تسجيل نمو في حدود 2 في المئة فقط للوظائف الجديدة في القطاع العام للفترة ما بين 1992 و.2002 كما أن نسبة البحرنة في الدوائر الرسمية باستثناء الأجهزة الأمنية والعسكرية والأمنية أكثر من 90 في المئة.

أهداف مشروع إصلاح سوق العمل

وعن أهداف مشروع إصلاح سوق العمل يوضح الباحث الاقتصادي أن المشروع يسعى إلى تحقيق هدفين محددين أولهما جعل القطاع الخاص المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي في البحرين وثانيهما جعل المواطن البحريني الخيار المفضل للتوظيف في القطاع الخاص.

وبخصوص منح الحرية للقطاع الخاص يقول حسين: "يمنح مشروع إصلاح سوق العمل القطاع الخاص مجموعة من المزايا حتى يتسنى له أخذ زمام المبادرة من قبيل منح المؤسسات مطلق الحرية في توظيف وتسريح من تشاء وإلغاء مبدأ البحرنة والتخلص من مختلف القيود الرسمية الأخرى. يتمثل التصور الموجود في أن هذه الإجراءات ستساهم في إحداث كفاءة وفاعلية في سوق العمل ما يعني تحقيق نمو في الاقتصاد الأمر الذي يعني بالضرورة إيجاد وظائف جديدة".

أما بشأن جعل البحريني الخيار المفضل للقطاع الخاص فيذكر الباحث الاقتصادي "أن دور الهدف الثاني هو جعل المواطن البحريني الخيار المفضل للتوظيف في المؤسسات الخاصة حتى يحصل المواطنون وليس الأجانب على الوظائف الجديدة المزمع إيجادها عن طريق تحريك الاقتصاد. وعليه تم إقرار فرض رسوم على العمالة الأجنبية العاملة واستخدام جزء من هذه الأموال المحصلة في تدريب وتأهيل البحرينيين وخصوصا أصحاب المهارات المتدنية. إذا هناك أخذ وعطاء في الحل فمن جهة يحصل القطاع الخاص على بعض المزايا ومن جهة أخرى المطلوب منه المساهمة في توظيف المواطنين".

الرسوم ضرورة في حال تصحيح مشكلات هيكلية

اعتبر الباحث الاقتصادي أن "فرض الرسوم نوع من الحقوق السيادية لأية دولة والبحرين ليست استثناء. بل ان فرض الرسوم يصبح ضرورة في حال وجود الحاجة لتصحيح مشكلات هيكلية في الاقتصاد. ويمكن الادعاء بأن مسألة البطالة في البحرين هيكلية وليست موسمية غير مرتبطة بفصل الصيف على سبيل المثال".

وأكد حسين أن الوجود المبالغ فيه للأجانب في البلاد يعد أحد الأسباب الجوهرية وراء البطالة، إذ الأجانب يشكلون أكثر من 60 في المئة من حجم القوى العاملة، وربما يبدر تساؤل عن أن النسبة أعلى في كل من الإمارات وقطر والكويت، ولكن المقارنة ليست بالضرورة صحيحة نظرا لاختلاف القدرات الاقتصادية لكل بلد.

ويوضح حسين "يفرض مشروع إصلاح سوق العمل نوعين من الرسوم على العمالة الأجنبية تنقسم إلى رسوم الدخول أو التجديد إضافة لرسوم العمل الشهرية. تبلغ قيمة رسوم الدخول أو التجديد 600 دينار كل سنتين عن كل عامل أجنبي ما يعني أن الرسم الشهري هو بمثابة 25 دينارا بعد تقسيم مبلغ الـ 600 دينار على 24 شهرا. إضافة لذلك هناك رسوم العمل الشهرية والتي تصل إلى 75 دينارا شهريا في نهاية الفترة الانتقالية. فيما يأتي تفصيل للرسوم خلال الفترة من 2006 إلى 2009 وذلك بحسب الجدول الأصلي للخطة. ابتداء من العام 2006 وهو تاريخ دخول مشروع إصلاح سوق العمل حيز التنفيذ سيبلغ حجم الرسوم على العمالة الأجنبية 35 دينارا شهريا "25 دينارا لتغطية رسوم الدخول أو التجديد زائدا 10 دنانير رسوم العمل". أما في العام 2007 فإن المبلغ سيرتفع إلى 50 دينارا شهريا "25 دينارا لتغطية رسوم الدخول أو التجديد زائدا 25 دينارا رسوم العمل". بيد أنه سيرتفع المبلغ مرة أخرى في العام 2008 إلى 75 دينارا شهريا "25 دينارا لتغطية رسوم الدخول أو التجديد زائدا 50 دينارا رسوم العمل". وأخيرا سيستقر حجم الرسوم في العام 2009 عند 100 شهريا "25 دينارا لتغطية رسوم الدخول أو التجديد زائدا 75 دينارا رسوم العمل". بمعنى آخر فإن الرسوم المفروضة لتوظيف كل عامل أجنبي ستصل إلى ألف ومئتي دينار سنويا بدءا من العام 2009".

مساعدات صندوق العمل

من جهة أخرى يقول حسين "بمقدور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تحتاج للعون الحصول على مساعدات مالية من صندوق العمل، إذ يتوقع أن يبلغ حجم إيرادات الصندوق 200 مليون دينار منذ العام ،2009 كما أن تقديم المساعدة للشركات يعد أحد استخدامات الصندوق. تحديدا يمكن للشركات الحصول على الدعم المادي لمساعدتها في تكييف أوضاعها نظرا لأنها ستدفع 600 دينار مرة واحدة كرسم دخول أو تجديد لكل عامل أجنبي، أما الرسوم الشهرية الأخرى فسترتفع تدريجيا. أيضا يهدف الصندوق إلى القيام بمبادرات وبرامج لمساعدة هذه المؤسسات للتكيف مع الوضع الجديد ودفعها إلى التركيز على أنشطة ذات قيمة مضافة بشكل أفضل".

دفع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

وعن الفوائد والآثار الأخرى التي يمكن أن تترتب على مشروع إصلاح سوق العمل، أشار الباحث الاقتصادي إلى أنه من المتوقع "أن يساهم المشروع بدفع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على وجه الخصوص إلى تغيير الفلسفة التجارية لديها من التركيز على كلفة التشغيل إلى أمور أخرى مثل تقديم قيمة مضافة لسلعها وخدماتها. يتمثل النمط السائد عند البعض في الاستيراد من الخارج ومن ثم بيع السلعة بأقل كلفة ممكنة عن طريق السيطرة على المصروفات التشغيلية. ربما تدفع الأوضاع المستجدة ببعض الشركات إلى التفكير بشكل جدي في دمج أعمالها تماما كما يحدث في مختلف بقاع العالم". ولم يستبعد حسين عدم الاتفاق مع كل ما جاء في تفاصيل مشروع إصلاح سوق العمل لأن بعضها مثير للجدل - بحسب رأيه - وخصوصا مسألة فرض الرسوم على العمالة الأجنبية. بيد أنه لا يمكن للمراقب المنصف أن يتغاضى عن أهمية مواجهة التحديات التي تفرضها مسألة سوق العمل. بحسب حسين فإن الإحصاءات المتوافرة تقول إن البحرين فعلا تعاني من مشكلات عقيمة في سوق العمل ربما تهدد كيان المجتمع بأسره فيما لو ترك الموضوع من دون حل

العدد 1016 - الجمعة 17 يونيو 2005م الموافق 10 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً