العدد 1030 - الجمعة 01 يوليو 2005م الموافق 24 جمادى الأولى 1426هـ

سقوط الطبقة السياسية وصعود "الناس"!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

عندما يقرر زهاء 18 مليون ناخب إيراني أن يرفعوا رجلا مغمورا كأحمدي نجاد إلى سدة الرئاسة على حساب رجالات الثورة والحكم البارزين فإن ذلك يعني فيما يعني سقوط الطبقة السياسية الإيرانية التقليدية التي اعتاد الناس على رؤيتها في الواجهة منذ بداية الثورة حتى الآن بمجملها وليس سقوط هذا المرشح أو ذاك.

ثم إن "ظاهرة" أحمدي نجاد كما يبدو كانت موجودة بين الناس حتى قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة بكثير، كل ما هنالك أن ثمة لاعبا سياسيا ماهرا استطاع توظيفها على أحسن وجه في المعركة الانتخابية الأخيرة لمصلحة النظام الذي ينتمي إليه ويقف على رأسه.

لا أحد كان يشك أو يتردد في أن ثمة "انفصاما" ما كان حاصلا بين طبقة واسعة وعريضة من الناس العاديين وبين الطبقة السياسية الإيرانية بالإجمال.

محافظين كانوا أم إصلاحيين، يمينيين كانوا أم يساريين، أولئك الذين خسروا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لا خيار أمامهم إلا أن يعترفوا أو يقروا بتلك الحقيقة المرة. فتلك هي جوهر الرسالة التي أوصلتها فئة واسعة من الناس إلى مجمل الطبقة السياسية الإيرانية.

نعم، قد يكون حصل فعلا إجحاف ما بحق رئيس البرلمان السابق مهدي كروبي، وآخر لا يقل عنه بحق رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، ومن حقهما الاعتراض وبصوت عال على الذين ساهموا بذلك الإجحاف والظلم الذي لحق بهما، لكن ذلك لن يغير من الأمر شيئا، ذلك لأن المشكلة كما ذكرنا أعمق بكثير من مجرد احتمالات "ضروب من التزوير" كما يقول المرشحان الخاسران، أو تدخلات بعض الجهات العسكرية والنظامية هنا أو هناك.

نعم، ثمة فئة من جمهور "الإصلاحيين" وخصوصا أولئك الذين لم يشتركوا في الانتخابات أصلا لا في المرحلة الأولى ولا في المرحلة الثانية، يشككون في أصل الانتخابات ويشيعون بين الناس أن الأمر كان "مرتبا" له بين أولي الأمر من الأساس وأنه تم إخراجه بطريقة "مسرحية" الانتخابات! لكن مثل هذا التحليل مردود عليه ولا يستطيع أن يصمد كثيرا، أولا لأن هؤلاء أنفسهم كانوا يرددون قبل الانتخابات أن النظام وأولي الأمر هؤلاء كانوا يعدون لـ "مسرحية" إخراج هاشمي رفسنجاني من صناديق الاقتراع، وبالتالي ما الفائدة من المشاركة في عملية مقررة نتائجها سلفا! وثانيا فإن المعارك "الطاحنة" التي دارت بين المتنافسين و"الشرخ" الكبير الذي أفرزته نتائج الانتخابات بين كبار الطبقة السياسية الحاكمة لدليل آخر على فساد ذلك الرأي القائل بمقولة "المسرحية"!

ما حصل فعلا متبلورا عبر صناديق الاقتراع كان متوقعا إلى حد ما من قبل عدد لا بأس به من العارفين بأحوال المجتمع الإيراني.

نعم، لم يكن أحد يستطيع القطع بفوز أحمدي نجاد أو أي من رفقائه في "معسكر المحافظين" ولا أي من رموز المعسكر الآخر، تماما كما لم يكن الرئيس السابق رفسنجاني ضامنا الفوز 100 في المئة، والسبب الأساس كان وجود "ظاهرة أحمدي نجاد" في المجتمع الإيراني وليس أي شيء آخر.

نعم، "ظاهرة أحمدي نجاد" أي "الانفصام" الحاصل بين فئة عريضة من الناس الذين يمكنك إطلاق صفة "المهمشين" عليهم اختصارا وبين الطبقة السياسية الحاكمة كانت ستظهر بمثابة المعرقل الأول والقضية الأكثر إلحاحا أمام مشروع أي رئيس جمهورية آخر غير أحمدي نجاد. وكل ما كان سيفعله الرئيس الآخر فيما لو فاز هو "تأخير" بروز هذه الظاهرة أو انفجارها!

وأما لماذا لم يفز الآخرون على رغم ثقتهم الكبيرة بالفوز ووجود إمكان حقيقي لفوزهم وفي المقدمة منهم طبعا الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني فإن الأسباب يمكن إجمالها في الآتي:

1- بقاء تلك الرموز مجتمعة في "أبراجها" الحزبية أو الفئوية أو السلطوية العاجية، وعدم نزولها إلى الشارع العريض إلا ما ندر، وإن حصل فقد فهم على أنه تصنعي وليس حقيقيا! وهذا ينطبق على الإصلاحيين كما على المحافظين سواء بسواء وعلى مرشح الوسط هاشمي رفسنجاني أيضا.

2- الانقسام الحاد واستمرار الجدل النظري العقيم بين أطراف المعسكرين وفيما بينهم من كل جناح بعيدا عن الهموم والاهتمامات الحقيقية والملموسة للناس العاديين.

3- فشل كل محاولات الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني سواء لجهة لملمة صفوف المحافظين قبل حلول موعد الانتخابات أو لجهة لملمة صفوف الإصلاحيين ولاسيما في المرحلة الثانية من الانتخابات وبقاء "الجبهة الموحدة" المرجوة منها مهلهلة، وعدم صدقية أطرافها في الوحدة أو الاتحاد في أعين الناس، وهو ما ظهر بشكل جلي بعدم نزولهم بالكثرة المطلوبة، إذ يكفي أن نعرف أن نحو 21 مليونا أو يزيد لم يشاركوا في انتخابات المرحلة الثانية مثلا.

4- أخيرا، فإن الذين حاولوا سواء مخلصين أو "انتهازيين" التحدث باسم رفسنجاني أو إظهار أنفسهم ناطقين باسمه أو متحالفين معه ولاسيما في المرحلة الثانية إنما أضروا به أكثر مما نفعوه، وخصوصا بين الأوساط الدينية التقليدية، ما سبب "تهريب" أصوات واسعة من الناخب الإيراني العادي من سلة رفسنجاني إلى سلة أحمدي نجاد.

هذه هي باختصار أحوال الانتخابات الإيرانية الرئاسية الأخيرة، ومن لا يصدق ما عليه إلا أن ينزل إلى الشارع ويمشي في الأسواق ويأكل بين الناس ومثل الناس ليتحقق بنفسه عن حقيقة كل ما أشرنا إليه وليكتشف حقائق أكثر عمقا

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1030 - الجمعة 01 يوليو 2005م الموافق 24 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً