العدد 1077 - الأربعاء 17 أغسطس 2005م الموافق 12 رجب 1426هـ

استمرار "أوبك" على قيد الحياة رهن بمستوى أسعار النفط

على رغم التراجع الطفيف الذي سجلته أسعار النفط في الأيام الأخيرة عن المستويات القياسية التي بلغتها فإن قدرة منظمة "أوبك" على تلبية مطالب الدول الكبرى المستهلكة للطاقة بلجم الأسعار تبدو محدودة.

وأدى هذا الوضع إلى قيام مستهلكي الطاقة بإطلاق تحذيرات من أن ارتفاع أسعار النفط عالميا سيقود إلى الإضرار بالنمو الاقتصادي العالمي، بل وصل بعضهم إلى دق ناقوس الخطر بالنسبة إلى مستقبل أوبك ذاتها، إن بقيت عاجزة عن وقف القفزات المتصاعدة لأسعار النفط في السوق الدولية، التي وصلت بسعر البرميل الخام إلى ما يربو على 66 دولارا.

وفيما تحدث خبراء في وكالة الطاقة الدولية عن احتمالات تراجع النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 0,8 في المئة خلال العام الجاري، جراء ارتفاع أسعار النفط، بدأ مسئولون كبار في أوبك يخشون من أن تتلاشى قدرة المنظمة على التحكم في حركة الأسعار، ما يضع علامات استفهام عريضة بشأن مستقبل أوبك ذاتها.

ويجمع المحللون على أن إمكان استمرار أوبك منظمة اقتصادية دولية فاعلة تتوقف على أمرين أساسيين، الأول: هو مقدار تحكم أوبك في سوق النفط الدولية، وثانيها مستقبل النفط ذاته، كمصدر للطاقة، في ظل تنامي الاعتماد على المصادر البديلة، من شمسية ونووية، علاوة على تزايد استخدام آلات وأدوات ذات خصائص تقنية دقيقة، لا يحتاج تشغيلها إلى أي مشتقات نفطية.

وعلى رغم أن الاستغناء عن النفط تماما أو بدرجة كبيرة تؤثر على مكانته في عالم الطاقة ليس مطروحا في المستقبل المنظور، فإن مصير أوبك لا يبقى معلقا فقط في رقبة جهتين، هما الدول التي تشكل هذه المنظمة، والدول الكبرى المستهلكة للنفط، بل أيضا، وبدرجة أكبر، في رقبة أسعار النفط في السوق الدولية.

وبالنسبة إلى دول أوبك فإنهاء تماسكها يتوقف على استمرار حال مناسبة من "التوافق" عن قرارات المنظمة، مصحوبة باقتناع تام من كل طرف على حدة بأن القرار الصادر عنها يخدم مصلحته الذاتية.

وقد تصرفت أوبك برشد ملموس طيلة الأزمة النفطية الأخيرة، حين هبط سعر برميل النفط منتصف العام 1998 إلى أقل من تسعة دولارات، وكذلك حين انتعشت الأسعار ووصلت إلى الحد الذي أقلق مستهلكي الطاقة العام .2001 وكانت أوبك تتحرك دائما على ثلاثة محاور، أولها زيادة درجة التنسيق بين أعضائها، وثانيها فتح باب الحوار مع مستهلكي النفط وعدم الكف عن طمأنتهم باستمرار أن المنظمة حريصة على توازن أسعار النفط الخام، وثالثها التحرك تجاه الدول المنتجة للنفط من خارج المنظمة بحيث لا تتضارب توجهاتها وقراراتها مع تلك التي تتبناها أوبك، بما يؤثر سلبا على أهدافها. وقد مثل المحور الثالث أهمية قصوى لدى أوبك من منطلق أن الدول المنتجة للنفط خارج المنظمة تلعب دورا كبيرا في سوق النفط الدولية، لأنها تنتج نحو ثلثي النفط العالمي "نحو 42 مليون برميل يوميا". وبرز هذا التوجه منذ بداية الأزمة النفطية الأخيرة، إذ كان هناك سعي دؤوب من قبل دول أوبك لضم المكسيك والنرويج إلى التحركات التي كانت ترمي إلى خفض الإنتاج النفطي من أجل النهوض بالأسعار.

ووصل الأمر إلى أن اجتماعا ثلاثيا استضافته لاهاي في يونيو/ حزيران من العام 1998 عقده وزير النفط السعودي مع نظيريه في النرويج والمكسيك، وكلاهما ليس عضوا في أوبك، اعتبر في نظر محللين عدة بداية أساسية لسلسلة التخفيضات المتلاحقة التي أدخلتها المنظمة على إنتاجها، بما قاد إلى تحرك الأسعار إلى الأمام.

وعلى الدرب ذاته شكلت أوبك في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2001 مجموعة اتصال من دول أعضاء في المنظمة ودول نفطية أخرى لا تنتمي إليها، لدراسة سبل استقرار سوق النفط الدولية في ظل التداعيات التي ترتبت على التفجيرات التي شهدتها الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام .2001

وأظهر الواقع أن دول أوبك "متوافقة" فيما بينها، وقادرة على إدارة حوار بناء مع الدول المصدرة للنفط من خارج المنظمة.

لكن هذا لم يمنع من أن بعض قرارات أوبك الأخيرة لم تحظ بإجماع، في حين دأبت بعض دولها على خرق الحصص التصديرية التي حددتها المنظمة، عبر الاتجار في سوق النفط السوداء. وتواصلت في الوقت نفسه الضغوط السياسية على بعض دول أوبك بما يدفعها إلى اتخاذ قرارات لصالح مستهلكي النفط، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية، تتمثل في زيادة الكمية المصدرة، بما يقود إلى لجم الأسعار.

علاوة على هذا فإن هناك ضغوطا أخرى تتمثل في خوف الدول المصدرة للنفط من الوقوع في فخ الديون، والعجز المتنامي في الموازنات السنوية، وضياع "المنعة الذاتية" حيال بعض الإجراءات الدولية القاسية، مثل الحصار والمقاطعة الاقتصادية.

وفي خط مواز استخدمت الدول الكبرى المستهلكة للنفط، خلال الأزمة الأخيرة، وسائل عدة في سبيل تحجيم "أوبك".

وأول هذه الوسائل تهديد الولايات المتحدة باستخدام احتياطيها الاستراتيجي من النفط، البالغ 560 مليون برميل، وثانيها تقليص الاعتماد على النفط الأجنبي والوقود المستورد.

والوسيلة الثالثة هي اعتماد حزمة من الإجراءات المالية والضريبية التي تشجع من الإقبال على "سيارات المستقبل"، الأقل استهلاكا للوقود، وتعزز في الوقت نفسه الاتجاه إلى استخدام مصادر بديلة للطاقة في المنازل والمصانع.

أما الوسيلة الرابعة فهي بدء عمليات تنقيب طموحة عن النفط في الولايات المتحدة، لتعزيز الاحتياطي الاستراتيجي، وزيادة النسبة المحلية من إجمالي الكمية المستهلكة، والتي تربو على 16 مليون برميل يوميا، وتشجيع الدول التي أثبتت المسوح الجيولوجية أن لديها احتياطيا نفطيا كبيرا على إنتاجه، ومنها دول غرب افريقيا، ودول آسيا الوسطى والقوقاز، المشاطئة لبحر قزوين.

وقد وصل الأمر إلى حد أن الكونغرس مرر مشروع قانون يخول الرئيس الأميركي الحق في قطع مبيعات السلاح والمعونات عن دول أوبك، وغيرها من الدول المصدرة للنفط بغزارة، حال قيامها بتبني موقف يضر بالمصلحة الأميركية.

وفيما يخص حركة الأسعار نجد أنها حين كانت مرتبطة، هبوطا وصعودا، بأي قرار تتخذه أوبك بزيادة إنتاجها أو تقليصه، كان وضع المنظمة عالميا يتعزز، وكان يتوافر لديها هامش كبير من المناورة والمداورة، وإشعار الجميع بتأثيرها.

وعلى قدر التأثير كانت تأتي الاستجابة الدولية مع سلوك أوبك، متراوحة بين "الحض" و"الانتظار"، حضها على زيادة الإنتاج، وانتظار نتيجة هذا القرار، ليعيد إلى السوق النفطية توازنها، الذي لا يعدو كونه "نقطة افتراضية" رسمها صراع الإرادات بين مصدري النفط الأساسيين وكبار مستهلكيه.

أما إذا واصلت الأسعار ارتفاعها، ووصلت إلى نحو ثمانين أو مئة دولار، كما يتوقع بعض المحللين، وحتى لو بقيت عند حالها الراهن الذي يتجاوز ستين دولارا للبرميل، فإن قدرة أوبك على التأثير ستضعف تدريجيا، وقد تتلاشى، لن يصبح باستطاعتها ضخ كميات كبيرة في السوق، من شأنها أن تقود إلى تراجع الأسعار، إلى 40 دولارا على الأكثر، وهو السعر الذي يرى رئيس منظمة أوبك ووزير النفط الكويتي أحمد الفهد الصباح اليوم أنه مقبول بالنسبة إلى سلة خامات أوبك.

وفي مثل هذه الحال لن يكفي أن تزيد المنظمة من الكمية التي تصدرها بمقدار نصف مليون أو مليون أو حتى مليوني برميل يوميا، كما كان يجري في السابق، ليس لمخاوفها الدائمة من نزيف الاحتياطي، لكن لأن هذه الكمية لا تؤدي اقتصاديا إلى إحداث توازن تفتقده السوق.

وكانت سوق النفط قد تجاهلت بيان أوبك الأخير الذي يعد "رسالة سياسية" تعبر عن التزام دول المنظمة بتوفير الإمدادات الضرورية، إذا عاودت أسعار برنت والخام الأميركي الخفيف ارتفاعها. والقدرة الإنتاجية لدول أوبك ليست مفتوحة على مصراعيها، إذ يحد منها قدرة مصافي دول أوبك على التكرير، والطاقة الاستيعابية للأنابيب الواصلة بين الآبار وموانئ التصدير، علاوة على مسائل سياسية منها تحسب الحكومات التي تسير دفة الأمور بدول أوبك من رد فعل شعوبها حيال قرارات "غير رشيدة" لصالح مستهلكي النفط.

إضافة إلى ذلك فإن ارتفاع أسعار النفط سيشجع دول أخرى تنتج النفط بكميات ضئيلة، لكنها تختزن في باطن أراضيها احتياطيات كبيرة، على أن تسرع في التنقيب عن النفط، ومن ثم إنتاجه وتصديره بكميات كبيرة، وقد يتعزز وضع بعضها، في المدى القريب، حتى يتجاوز في التصدير بعض دول أوبك المهمة مثل الكويت والإمارات.

وعلى رغم أن دول المنظمة تمتلك أكثر من احتياطي العالم من النفط الخام، فإنها ستواجه مشكلة دخول منافسين لها في السوق لسنوات ليست بالقليلة، خلالها قد تبدأ قوة أوبك في التداعي.

وتبدو قدرة أوبك على الاستمرار فاعلا دوليا مؤثرا موزعة بين إرادة أعضائها وما يدبره لها الآخرون، من خطط وربما مؤامرات ودسائس. وحتى لو تعززت قدرة المنظمة على مقاومة الدول وشركات الطاقة التي تستهدفها فإن أوبك ستبقى تحت رحمة الأسعار، التي قد تفلت من يد الجميع، وتقفز إلى مستويات غير مسبوقة في التاريخ، ومن ثم تجعل كل المتعاملين في سوق النفط، منتجين ومصدرين ومستهلكين ووسطاء، يشككون في مصير أوبك.


"أوبك" ترفع توقعاتها لنمو الطلب على النفط في 2006

لندن - رويترز

رفعت منظمة أوبك يوم أمس توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في 2006 وتوقعت أن تعوض امدادات أوبك تباطؤا في نمو انتاج الدول غير الاعضاء بالمنظمة. وتشير توقعات أوبك الان إلى نمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 1,57 مليون برميل يوميا في العام 2006 بزيادة قدرها 30 ألف برميل يوميا ومن دون تغير كبير عن معدل النمو هذا العام.

وأشارت أمانة أوبك في فيينا في تقريرها الشهري إلى "نظرة أكثر تفاؤلا قليلا للاقتصاد العالمي خلال العام المقبل".

وقالت ان من المتوقع الان إن ينمو اجمالي الناتج المحلي العالمي بما يقرب من 4 في المئة العام القادم اذ إن اقتصادات الدول النامية تظهر معدلات نمو أفضل مما كان متوقعا من قبل. وأضافت أوبك في تقريرها أن الولايات المتحدة ستقود نمو الطلب داخل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في حين سيشكل الطلب من الصين حوالي ربع اجمالي النمو في الطلب العالمي على النفط خلال العام .2006 وخفضت المنظمة توقعاتها لانتاج الدول غير الاعضاء في أوبك إلى 51,5 مليون برميل يوميا بتراجع قدره 148 ألف برميل يوميا كما توقعت أن يبلغ الطلب على خامات أوبك 29,2 مليون برميل يوميا بزيادة قدرها 170 ألف برميل يوميا عن توقعاتها السابقة. ويزيد انتاج أوبك فعلا مليون برميل يوميا عن مستوى الطلب المتوقع على نفطها في العام .2006

وقال التقرير ان أوبك أنتجت 30,2 مليون برميل يوميا في يوليو/ تموز بزيادة 210 آلاف برميل يوميا عن الانتاج في يونيو/ حزيران. وجاء القدر الأكبر من الزيادة من السعودية والعراق وايران والامارات.

وتنتج المنظمة بأعلى مستوى منذ 26 عاما لبناء مخزونات عالمية كافية قبل أن يصل الطلب لذروته في فصل الشتاء. ومع هذا فشلت هذه الكميات الزائدة في تهدئة أسعار النفط التي ارتفعت وسط ضغوط قوية على المصافي لتوفير أحجام كافية من الوقود المستخدم لتشغيل وسائل النقل. وتوقع التقرير أن يتباطأ نمو الامدادات من خارج أوبك في العام 2006 بعد تأخر بدء تشغيل حقل ثاندر هورس بخليج المكسيك لستة أشهر وفقد بعض الانتاج في الهند لوقوع حادث في حقل بومباي هاي

العدد 1077 - الأربعاء 17 أغسطس 2005م الموافق 12 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً