العدد 1106 - الخميس 15 سبتمبر 2005م الموافق 11 شعبان 1426هـ

سبتة المغربية... مدينة الأسوار والحمامات الأندلسية

"الوسط" في إحدى المدن العربية المحتلة

سبتة المحتلة-المصطفى العسري 

15 سبتمبر 2005

"الأراضي العربية المحتلة"، كلما سمعت هذه العبارة، إلا وقصد بها الإنسان العربي أراضينا المحتلة في فلسطين ولبنان وسورية والتي انضم إليها في الآونة الأخيرة العراق. لكن أين ذاكرة العربي من أقدم هذه الأراضي على الإطلاق سبتة ومليلية والجزر الجعفرية المحاذية لها والتي تقع في شمال المغرب؟ سقطت مدينة سبتة بتزامن مع امتداد يد المملكة الإسبانية المسيحية الوليدة وجارتها البرتغال إلى عدد من الثغور المغربية، والتي تلاها الغزو الإسباني الذي وصل في القرن السادس عشر إلى احتلال عدد من المناطق سواء على الواجهة المتوسطية للمغرب أو الأطلسية، والتي وصلت إلى احتلال النصف الشمالي من المملكة مع مطلع القرن العشرين، قبل أن يتراجع هذا الغزو بفضل استقلال المغرب، الذي تعثر عن اعادة مدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية من الاحتلال الإسباني بسبب انشغال المغرب بالمشكلة التي أثيرت منتصف السبعينات وهي ظهور جبهة البوليساريو. "الوسط" زارت مدينة "سبتة المحتلة"، لتعود بهذا التحقيق: سبتة ومليلية ارتبط اسم المدينة لدى مغاربة الشمال خصوصا وباقي المغاربة عموما بالإضافة إلى كونهما أراضي محتلة، بأنها مصدر للسلع ومواد مهربة. البوابة الحدودية، حين يجتازها المرء خصوصا لمغربي قادم من وسط المملكة، يحسب أنه أمام معبر إيريز الفاصل بين قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة العام .1948 وعند مرور المسافر في النفق الحديد الخاص بالجزء الإسباني منه، ينتابه شعور بأنه متهم إلى حين الخروج من النفق. من أبرز ما يمكن للزائر أن يلاحظه عند معبر "إيريز" الإسباني وجود نساء يتحركن فرادى وجماعات محملات بسلع على ظهورهن، إنهن ببساطة مهربات، إذ يعمدن إلى لف أجسادهن بالثياب والمواد المهربة ما يجعل من الصعب على أفراد الجمارك تجريدهن منها.

سبتة من الداخل

ما إن تجتاز البوابة الحدودية التي يسميها المغاربة "باب سبتة" ويسميها الإسبان "ممر طار خال" أو الحدود الأخيرة للاتحاد الأوربي "ultima frontera"، حتى تحتضنك سبتة بأذرع واسعة تشبه مثيلاتها في المدن المغربية، وإن كان يميزها عن الأخيرة الأعلام وعلامات الطرق المكتوبة بالإسبانية المنتشرة بكثرة تزيد حتى على ما تشاهده داخل المدن الإسبانية نفسها. كل شيء يشير إلى أن المدينة مغربية، فشبكتا الهاتف المغربية "اتصالات المغرب" و"ميديتيل" تستقبلان بوضوح ما جعلني أتحاشى استخدام خدمة الرومينغ، حتى الإذاعات المغربية "ميدي1 والرباط وإذاعة طنجة" تستقبل بوضوح عبر موجات الـ "إف إم" وإن كانت تزاحمها عشرات المحطات الإذاعية الإسبانية.

سبتة والمواطنة الإسبانية

عند مرورنا أمام رجال الأمن والجمارك الإسبان، تبين لنا أن هناك نوعين من المغاربة، فبالإضافة إلى حملة الجواز المغربي الأخضر، هناك من يحملون جوازات تختلف عن نظرائهم، إذ يحملون جوازات بنية اللون، ولهم شباك خاص بهم، إنهم المغاربة السبتيون، الذين اضطرهم الواقع والظروف إلى حمل الجنسية الإسبانية. لكن كيف أرغم السبتيون على حمل الجنسية؟ مرافقنا وهو من حملة الجنسية الإسبانية، ذكر "أن أكثر من 80 في المئة من مغاربة سبتة اضطروا إلى حمل الجنسية الإسبانية العام 1985 بعد إصدار القانون المنظم للأجانب، إذ اعتبروا في حال عدم تجنس "الأجانب" في المدينة - وإن كانوا هم الأصل وأصحاب الأرض" - سيجدون أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر، وهو إما حمل الجنسية الإسبانية والبقاء في سبتة، أو التشبث بجنسيتهم المغربية، ما يعني أن يطبق عليهم قانون الأجانب أي طردهم من المدينة، وحرمانهم من الخدمات الحكومية من مجانية التعليم والتطبيب وما شابه ذلك.

سبتة المغربية وسبتة "الإسبانية"

الزائر للمدينة يجد أن المدينة تنقسم عمرانيا إلى قسمين أساسيين، القسم الذي يضم السبتيين المغاربة الأصليين، وهو بالإضافة إلى كونه نموذجا للتهميش والأحياء العشوائية الآيل معظمها إلى السقوط بسبب القانون الذي يمنع مغاربة المدينة من إصلاح مبانيهم وتوسعتها على غرار القانون الذي أصدرته بلدية القدس المحتلة، فإن هذا الجزء الذي يتكون من أحياء "برنسيبي وإل خادو" يتميز بمساجده المبنية طبقا للمعمار المغربي. الحي الأوروبي الذي على رغم أنه يشبه المدن الإسبانية وخصوصا الأندلسية منها، فإنه لا يختلف عن الأحياء الأوروبية في بعض المدن المغربية كالدار البيضاء والرباط وطنجة، غالبية ساكنيه من المستوطنين الإسبان الذين هم في غالبيتهم موظفون حكوميون . إجمالا، تبلغ مساحة مدينة سبتة 19 كيلومترا مربعا، ولا يتجاوز عدد سكانها 170 ألفا "ثلثهم من المستوطنين الإسبان"، وتبعد عن أقرب نقطة في أوروبا نحو 22 كم ويبلغ طولها من الشرق إلى الغرب نحو 2 كيلومتر، ومن الشمال إلى الجنوب ألف وخمسمئة متر ولا تبعد عن مدينة تطوان المغربية سوى 40 كم وعن مدينة المضيق ثلاثة كيلومترات فقط. وتسكن في المدينة أيضا أقليات تتشكل من اليهود المغاربة ومن الهنود، ما يجعل المدينة حبلى بالمعابد الدينية المكونة أساسا من المساجد والكنائس الكاثوليكية والكنس اليهودية والمعابد الهندوسية.

معالم تاريخية إسلامية في سبتة

تتوافر في مدينة سبتة المحتلة، على غرار الكثير من المدن العربية والإسلامية عدد من المعالم والمآثر التاريخية، غالبيتها تعود إلى العهد الأموي وإلى دول "الأسر الملكية" المغربية التي توالى حكمها على المغرب، هذا من دون نسيان المآثر التي تعود إلى العهد الروماني. وعلى رغم تحويل بعض من هذه المآثر إلى مزارات سياحية ومتاحف، فإن هناك بعضا من المعالم مازالت تقوم بمهماتها التي أوكلت إليها كالمساجد والحمامات العربية التي تتركز غالبيتها في مركز المدينة، هذا من دون إغفال الأسوار التي تسور المدينة والتي بنيت غالبيتها على يد الحكام المغاربة لصد هجمات الإفرنجة من إسبان وبرتغاليين. تتميز سبتة المحتلة بالكثير من الأسوار والقلاع والأبواب التاريخية، أبرزها "باب فاس" الذي يبلغ علوه 16 مترا وعرضه 40 مترا، ويؤدي مباشرة إلى القلعة المرينية "التي تعود إلى فترة حكم دولة بني مرين الذين حكموا المغرب في القرن الرابع عشر الميلادي/ الثامن الهجري". الأسوار المرينية: بنيت خارج المدينة المحتلة على ربوة مرتفعة للأغراض العسكرية حتى يمكن رصد كل التحركات المعادية "وخصوصا الإيبيرية منها" سواء القادمة من جهة البر أو تلك الآتية من البحر. وجعلت منها سلطات الاحتلال الإسباني خلال فترة الثمانينات متحفا وموقعا أثريا يخدم السياحة المحلية، إذ تضفي عليه مواقع الإنارة صبغة ساحرة خلال الفترة الليلية، وهو ما يظهر سواء من البر أو عند مرور البواخر بمضيق جبل طارق. الأسوار الملكية والممر الملكي: من بقايا فترة الحكم المغربي العربي للمدينة المحتلة، وتوفر هذه الأسوار للمدينة موقعا سياحيا مهما في المدينة، إذ تحيط بقلعة تاريخية تحد جوانبها جداول مائية، لأجل حمايتها من كل هجوم محتمل. **سيناريو القدس يطبق على سبتة

على رغم حتمية استرجاع المغرب للمدينتين والجزر، فإن السلطات الإسبانية ما انفكت تمارس سلوكات تنتمي إلى ممارسات الاستعمار الاستيطاني التقليدي على غرار ما معمول به في "إسرائيل" خصوصا في مدينة القدس المحتلة. فقد عمدت سلطات الاحتلال وعبر إجراءات أحادية الجانب لطمس معالم سبتة وشقيقتها مليلية إلى تغيير الوضعية والتركيبة السكانية عبر الطرد المنهجي للسكان المغاربة الأصليين، وتوطين سكان إسبان محلهم وإن كانوا في غالبيتهم عسكريين وموظفين، أو فرض التعليم الإسباني والمسيحي على السكان المسلمين والمماطلة في خطة دمج التعليم الإسلامي والعربي في مناهج التدريس.

العدد 1106 - الخميس 15 سبتمبر 2005م الموافق 11 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً