العدد 2976 - الجمعة 29 أكتوبر 2010م الموافق 21 ذي القعدة 1431هـ

بين تنظيم القاعدة و«ستاربكس»

ياسر حارب comments [at] alwasatnews.com

قرأتُ قبل أيام خبر تفكيك شبكة مخدرات كبيرة في المغرب كانت على اتصال بتنظيم القاعدة، كما قالت الحكومة المغربية، ومرتبطة بكارتلات المخدرات الكولومبية (كلمة كارتل تعني منظمة لتهريب المخدرات)، حيث أكد مسئول في الحكومة المغربية أن تنظيم القاعدة وفّر «الدعم اللوجيستي» ونقل المخدرات بين كولومبيا إلى صحراء مالي والجزائر والمغرب، وقال بأن «القاعدة» بات يبحث عن مصادر جديدة لتمويل عملياته.

ومن يتابع الأحداث التي تدور في اليمن يجد بأن تنظيم القاعدة، كما تقول الأخبار وكما يدعي «المحللون» الذين لم نعرف يوماً هويّة أحدهم، هو المحرك الأكبر للصراع فيه وهو الداعي لتحرير اليمن من «الصليبيين وعملائهم المرتدين». في كل يوم يطالعنا خبر جديد عن تنظيم القاعدة، في العراق، وفي أفغانستان، وفي بريطانيا، وفي فرنسا، وفي معظم قارات العالم، أما بالنسبة إلى بن لادن، فإنه لا ينفك يرسل كلماته المسجلة إلى قناة «الجزيرة» ليوصِلَ تهديده ووعيده لمن يسميهم «بالكفرة والصليبيين»، وكان آخرها هو تهديده لفرنسا بعمليات تفجيرية لأنها منعت المسلمات من ارتداء النقاب.

كلما استمعت إلى أحد أشرطة بن لادن، أستغرب من إلمامه بما يدور في العالم من أحداث وكأنه جالس في مكتب مجهز بكافة الأجهزة التكنولوجية التي تضمن له الحصول على معلومات حية ودقيقة، تشبه معلومات أجهزة المخابرات العالمية. وبين الفينة والأخرى، تُطالعنا الأخبار العالمية بمعلومات عن قادة تنظيم القاعدة حول العالم، حيث يصرّح هؤلاء علانية باسم التنظيم ويُرسلون تهديدهم ووعيدهم متشبهين بمديرهم التنفيذي.

حقاً، لقد أصبح تنظيم القاعدة أشبه بشركة عالمية عملاقة، تنتشر أفرعها في عواصم العالم الرئيسية، وتتوزع أنشطتها لتشمل التفجيرات والاغتيالات وحرب العصابات وغير ذلك من خدمات «خمس نجوم» توفرها لعملائها الكرام.

لقد صار تنظيم القاعدة أكثر شهرة من مقاهي ستاربكس وأكثر تنظيماً ربما، فعملياتهم الدقيقة والمؤثرة حول العالم تشبه في تنظيمها العمليات الموحدة التي تلتزم بها مقاهي ستاربكس، من حيث طريقة تحضير القهوة ولبس الموظفين وألوان المكان من الداخل ونوعية الكراسي، وغير ذلك من معايير الجودة العالمية التي يبدو أن تنظيم القاعدة قد نجح بتطبيقها مؤخراً، مع اختلاف الأغراض والوسائل. وأكاد أجزم بأنه لو طرح تنظيم القاعدة أسهماً في إحدى الأسواق العالمية، لتهافت الناس على شرائها لأنها ستكون مثل أسعار النفط، تتأثر صعوداً وهبوطاً بالأحداث العالمية أكثر من تأثرها بالعوائد المالية السنوية، وتكفي كلمة من المدير التنفيذي للتنظيم لكي تحلق بالأسعار إلى مستويات خيالية. أما بالنسبة إلى مجلس الإدارة فإن أعضاءه سيكونون من أكثر الناس خبرة في مجال الإرهاب والتفجير ما سيمنح الشركة القابضة الجديدة ثقلاً اقتصادياً إذا ما أرادت تمويل عملياتها المباركة من البنوك أو من المستثمرين، فسِيَرُهم الذاتية تزخر بسنين الخبرة الطويلة والإنجازات الحافلة. ولكي تنجح هذه الشركة، فإنني أقترح أن يقوم «القاعدة» بتصميم شعار تجاري له، ربما شبيهاً بشعار ستاربكس ولكن بهيئة رجل، ويؤسس موقعاً إلكترونياً لعشاق منتجاته من شتى بقاع العالم، ومن ثم عليه أن يطلق حملة تسويقية عالمية من خلال طرح تخفيضات على أسعار خدماته، فإذا طلبتَ، مثلاً، خدمة تفجير مدرسة، فإن التنظيم سيمنحك إلى جانب ذلك خدمة تفجير سيارة المدير مجاناً، وإذا طلبت المرأة خدمة اغتيال مديرها في العمل فستُمنحُ عرضاً باغتيال زوجها مجاناً. كما يمكن لـ «القاعدة» أن يطلق حزمة ألعاب إلكترونية ويطرحها مع ألعاب «إكس بوكس» وسوني وآي فون وغيرها من الألعاب لتصل إلى أكبر شريحة من العملاء.

لقد تحول تنظيم القاعدة إلى شمّاعة يعلق عليها كل أحد أي مشكلة أو إخفاق سياسي أو أمني أو اقتصادي أو ربما اجتماعي، وبما أن التنظيم لا يُكذّب أي ادعاء ضده، فلا يمكن لأحد أن يشك بأنه المضطلع بكل تلك الأعمال الإجرامية التي اتُهِمَ بها، وأكاد أجزم بأنه سيأتي يوم يطلّق فيه الرجل زوجته ويلقي باللائمة على تنظيم القاعدة، وقريباً سوف يُلقي وزراء التعليم والصحة، في بلادنا العربية، باللائمة على تنظيم القاعدة إذا فشلت خططهم التنموية التي لم تتحرّك بعضها قيد أُنْمُلَة، والغريب أن أحداً لن يسألهم عن دليل أو إثبات.

لقد حوّلت القنوات الإخبارية «القاعدة» إلى إحدى أشهر المؤسسات العالمية المؤثرة في السياسات الدولية، وساهم الإعلام في تحويل شرذمة من الرجال إلى أبطال، سواء بالسلب أم بالإيجاب، ويكفي أن يظهر شريط مسجّل مدته دقيقتان، بغض النظر عن مدى صحته، حتى تتصدر أخبار القاعدة الصحف الأولى، وتظهر على شاشات الأخبار تحت باب «خبر عاجل». لقد نجح بن لادن، أو من صنعه، في تحويل هذا التنظيم إلى أيديولوجيا عالمية مخيفة، كما فعل حسن الصبّاح وأتباعه من الحشاشين لمدة مئة وستين عاماً، وأصبح النطق باسم بن لادن أشبه بالنطق باسم «فولديمور» ذلك الساحر الرهيب في قصص هاري بوتر، الذي لا يجب التّلفظ باسمه!

إن تنظيم القاعدة هو نسخة مطوّرة من الحشاشين الذين كانت سمعتهم أكبر منهم بكثير، حيث تحول الاثنان إلى واقع مُبهَم لا يعرف حقيقته إلا قليل، وعلى رغم الانتشار الواسع لعمليات القاعدة، إلا أن جميع الاستخبارات العالمية لم تستطع، جدلاً، أن تحدد أين يقع المقر الرئيسي للتنظيم، وهو ما تفوّق به عن الحشاشين الذين كان الكلّ يعلم بأنهم يسكنون قلعة ألموت.

لا أعلم كيف كان العالم سيبدو دون تنظيم القاعدة؟ ولكنني أظن بأن مدة نشرات الأخبار لن تتجاوز العشر دقائق بدل النصف ساعة، وسيقضي الرئيس الأميركي وموظفوه يومهم في لعب الورق أو البلاي ستيشن، وسينشغل رؤساء أجهزة الاستخبارات العالمية بملاحقة سارقي البقالات ومحطات البنزين، وستتوقف الزلازل عن التدمير، وستخمد البراكين الثائرة، وستسكن العواصف التي تسبب الفيضانات، فكل هذا يبدو أن سببه هو تنظيم القاعدة.

عندما انهار بنك «ليمان برذرز» قبل عامين توقعتُ أن يكون تنظيم القاعدة هو السبب، وعندما مات الأخطبوط «بول» قبل أيام توقعت أن يُتّهم تنظيم القاعدة بقتله، وبالأمس، عندما أتت الخادمة بالغداء وقد كان بارداً جداً، همستُ في أذن زوجتي قائلاً: «انتبهي، فقد تكون هذه عضواً في تنظيم القاعدة».

إقرأ أيضا لـ "ياسر حارب"

العدد 2976 - الجمعة 29 أكتوبر 2010م الموافق 21 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً