العدد 2976 - الجمعة 29 أكتوبر 2010م الموافق 21 ذي القعدة 1431هـ

حوار هندي - أميركي عن الواقع البحريني

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الطائرة، وفي طريق العودة من فرانكفورت إلى البحرين، كنت كعادتي، أحاول أن أستفيد من هذه الرحلة الطويلة في إعادة ترتيب الأوراق، والانتهاء من قراءة آخر رسائل البريد الإلكتروني، تعويضاً لغياب استغرق ما يربو على أسبوعي عمل قضيتهما بين معرض جايتكس واللقاء الخليجي الألماني. لم أكد أفرغ من ذلك حتى بادرني من كان يجاورني في المقعد قائلاً: «لابد أنك رجل أعمال كبير، ولديك الكثير من المشاغل». حاولت أن أصده بأدب، وأن أؤكد له أن الأمر لا يعدو كونه عادة أكثر منه «كثرة الأعمال». فكان رده «أنا متوجه إلى الدمام، وسوف نقيم ورشة عمل لشركة نفط كبيرة هناك تستغرق 3 أيام حول كيفية إدارة (دورة المشتريات والاحتياجات)، مستطرداً، ما هي طبيعة عملك؟ كي أجيبه «أنا أنشط في قطاع تقنية المعلومات في سوق البحرين الذي يزخر بالكثير من الفرص الاستثمارية، رغم صغره».

لسبب ما لم يسألني صاحبي عن جنسيتي، ولم أشأ بدوري أن أفصح عنها عندما قال لي «أنتم الهنود لا نستطيع منافستكم، أسعاركم رخيصة، ولديكم القدرة، بخلافنا نحن الأميركان، على ولوج الأسواق الخطرة في البلدان غير المستقرة». لم أشأ أن أغير فكرته عن جنسيتي، وفضلت مسايرته الحديث بدافع من الفضول، فبادرته بالسؤال: «هل لديكم مكتب في الدمام، أم أنكم تعملون من مكاتبكم في الولايات المتحدة». يجيبني صاحبي، «لدينا مكتب تمثيلي للشرق الأوسط في دبي، فهي المدينة المثالية، من حيث القرب من الأسواق، ناهيك عن الاستقرار السياسي الذي تنعم به». أواصل انتحال الشخصية الهندية مجيباً «لكن مستوى المعيشة في البحرين أقل كلفة من أية دولة خليجية، كما إنها أقرب إلى أكبر الأسواق الخليجية، وهو السوق السعودي، ناهيك عما يتمتع به أهلها من مرونة اجتماعية في علاقاتهم مع الغرباء». يرد علي بثقة «هذا صحيح في السابق، لكنها لم تعد كذلك اليوم، بعد أن انتشرت فيها الخلايا الإرهابية ليس لحزب الله فحسب، وإنما القاعدة أيضاً». لقد شاهدت، والكلام مايزال لصاحبي «شريطاً تلفزيونياً حياً يعرض الانفجارات والإطارات المحروقة التي تمتد ألسنة لهبها إلى عنان السماء... لقد وصلت الاعتداءات المسلحة إلى بعض المناطق الحساسة، ونالت الأحياء التي يقطنها بعض الخبراء الأجانب. ألا تراقب المحطات الفضائية؟» أجبته أراقبها، «لكنني أقطن البحرين لما يزيد على 30 عاماً، وأنعم بحسن شمائل شعبها وطيبته التي ترحّب بالغريب قبل الصديق، وليس هناك شيء مما تقوله. نعم هناك بعض مظاهر الاحتجاج، لكنها طبيعية ومتوقعة من مجتمع ينعم بمشروع إصلاحي قاده جلالة الملك شخصياً».

المهم طال الحديث معه، ظاناً أني أحد رجال الأعمال الهنود الذين يعملون في الخليج، وكان ملخص كلامه «أن البحرين كانت جيدة، وأنها لم تعد كذلك بعد أن أصبحت ملعباً للإرهاب الذي تتقاسمه، وكما ورد على لسانه أكثر من مرة «خلايا القاعدة وحزب الله، وأن هذا ما تقوله البحرين رسمياً عن واقعها». من جانبي أنهيت حواري معه بسرد إحصائية كانت، وللصدفة الحسنة معي من ألمانيا تكشف أن البحرين من أكثر الدول جاهزية للأعمال، وبأن أسواقها من أكثر أسواق الخليج استقراراً، كما أن ممارسة الأعمال منها، وفيها أكثر جدوى من أية مدينة خليجية أخرى.

لم أشأ أن أكشف لصاحبي عن جنسيتي الأصلية، فلم يكن ذلك ذا بال، بقدر ما صدمتني تلك الصورة التي رسمها في ذهنه إعلامنا الرسمي للواقع البحريني. لا أدري من أين أتى هذا الخبير الأميركي الجنسية بمثل هذه الصورة السيئة عن الواقع البحريني، ومن هو المسئول عن تشويه صورة بلدنا الحبيب في أعين المستثمرين الأجانب، لكني كنت حريصاً على أن أغير بعض تلك التشويهات التي كانت، كما بدت لي شبه راسخة في ذهنه، فدعوته لزيارة البحرين، فأبدى رفضه. حينها لم أتمالك نفسي، فسألته، وبلهجة سادها شيء من الامتعاض، «طالما هذه الصورة السيئة راسخة في ذهنك عن البحرين، فلماذا تصل إلى السعودية عبر البحرين، فليس هناك ما يجبرك على ذلك؟» تراجع صاحبي، وبدأ الشك يساوره، فوجدتها فرصة للانقضاض عليه، قبل أن يسترجع أنفاسه. فتحت الحاسب الدفتري الذي كان بحوزتي، وأمطرته بأرقام، وإحصاءات أخرى مكثفة عن تميز البحرين عما يحيط بها من دول خليجية، وأن فكرته خاطئة تماماً». واصلت هجومي عليه قائلاً» أعتقد أن هناك خللاً في الصورة التي تحملها عن البحرين، وسوف أرسل لك ما يفيدك من معلومات». وهذا ما فعلت.

هذا الحوار الهندي - الأميركي عن الواقع البحريني، فيه الكثير من العبر التي يمكن أن نستقيها، ومن أهمها الحاجة إلى وضع إستراتيجية إعلامية معاصرة تخاطب الرأي العام العالمي، وتعكس صورة الواقع البحريني في هيئتها الصحيحة الخالية من كل ما علق بها من تشويهات تمارس دوراً «تخريبيا» ضد كل السياسات التي تحاول أن تروِّج للبحرين في الخارج. هذه المهمة ليست مقتصرة على وزارة الإعلام فحسب، بل هي مسئولية وطنية مطالب بها القطاع الخاص قبل مؤسسات الدولة الرسمية، ولعل أمام المجلس الأعلى للسياحة المشكَّل مؤخراً فرصة تاريخية كي يضع إستراتيجية إعلامية حقيقية، مستفيداً من علاقات وثيقة مع القطاع الخاص، قادرة على إعادة ثقة السياح، مستثمرين كانوا أم الباحثين عن مكان راقٍ لقضاء العطل، في قدرة البحرين على تلبية احتياجاتهم تجارية كانت أم ترفيهية.

هذا لا يعفي القطاع العام من مسئوليته، فهو الآخر مطالب بأن يعيد للبحرين صورتها الزاهية التي تشجع الجميع على شد الرحال لها عوضاً عن تحاشي المرور بها. وليس هناك شك في قدرة الطاقم الإعلامي الجديد على القيام بذلك وعلى الوجه الأفضل، فليس هناك أكثر قسوة على أي بحريني من سماع ما سمعه ذلك البحريني المنتحل لشخصية رجل الأعمال الهندي حول البحرين.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2976 - الجمعة 29 أكتوبر 2010م الموافق 21 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 12:02 م

      شكر وتقدير

      الاستاذ الفاضل
      السلام عليكم
      تحية اجلال لك ليس لهذا المقال الاكثر من رائع بل لهذا الحس الحس الوطني الغيور والمحب لبلده
      فقط أود أن أشير لنقطة يمكن الى أخواني السادة القراء الاستفادة منها وهي على كل محب لوطنه وغيور عليه الاستفادة من أي فرصة ليظهر الوجه الجميل لبلدنا الحبيب ويكون خير سفير يمثل وطنه
      خالص تحياتي
      عباس عبدالامام

    • زائر 4 | 10:04 ص

      أبن المصلي

      أستاذ عبيدلي لك من التحية هذه مكينة الأعلام المنفلته والتي صورت البحرين في الأوانه الأخيرة قطعة من جهنم الحمره والعياذ بالله وهذا نتاجها على مستوى العالم الذي اصبح بفضل الله قرية صغيرة فما يدور في المشرق يسمعه من في المغرب في ثواني ونحن نعطي صور عن البحرين وكأنما تدور بها حرب شوارع وفلتان أمني ونحن نتصور بأننا نحسن صنعا ولاندري أن هناك من يحسب علينا عدد أنفاسنا التي نتنفسها حيث ذهبت جهود المسوقين للبحرين أقتصاديا وعلى رأسهم ولي العهد الأمير سلمان بن حمد ادراج الرياح وهذا بفضل السياسة الأعلامية

    • زائر 3 | 9:30 ص

      التشوية بغرض التظامن من القوى العظمى

      انه هوس السلطة في عملية جلب التعاطف لامور لاتستحق حتى ان تطلق عليها بالتافهة و اعلام السلطة تعامل مع كل الاحداث من تاريخ الثالث عشر من اغسطس حتى اليوم بطريقة متعجرفة يدفع الوطن و المواطن ثمن تلك السياسات الخاطئة في التعاطي معها حيث تم تشوية صورة الوطن من ذلك التاريخ و لكن اعتقد جازما ان الامور لو تم التعامل معها بحوار جاد و فاعل لما وصلت الامور الى الذى وصلنا له من سوء السمعة على مستوى المستثمرين في العالم نتمنى اصلاح الامور في اسرع وقت ممكن بالحوار الصادق - رعاك الله ياوطني من كل سوء

اقرأ ايضاً