العدد 3016 - الأربعاء 08 ديسمبر 2010م الموافق 02 محرم 1432هـ

الغضبان يُعيد الاشتغال على مفهوم اللَّوحة

في معرضه الأخير بجمعية الفنون التشكيلية

تستضيف جمعية البحرين للفنون التشكيلية معرضاً للفنان عبد الجبار الغضبان، وذلك ابتداء من 5 حتى 15 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وبعيداً عن المعارض السابقة راح الغضبان يختبر ريشته في الاشتغال على المساحات الطولية الضيقة حيث قدّم أربعة وعشرين لوحة اشتغل فيها على تقديم صورة المرأة كما يراها بريشته.

تستوقفك في أعمال عبد الجبار الغضبان تلك اللمسة الفنية التي تعبر بك في كل لوحة وتأخذك لأجواء رومانسية أحياناً وواقعية أحياناً أخرى، فثمة لوحة طولية تتسامق وأشكال الجسد حتى لتتساءل أيهما جلب للآخر هل هو اللعبة الفنية في مساحة اللوحة ومقاساتها أم هو التكوين الفني داخل اللوحة نفسها؟ حيث الجسد السامق والقوام الصقيل لمجموعة النساء في اللوحات كلها، فتجد أن لعبة فنية وإيقاعاً آخر يشتغل عليه الغضبان ليأخذ ببصر المتلقي إلى العوالم التي تصنعها اللوحة.

وحين تأخذك بنية الإيقاع عبر التناغم الموسيقي بين المساحة والشكل في اللوحة تعبر إلى ثيمة أخرى ربما هي براءة تلك الوجوه وصفاء سحنتها، وتعبيريتها حين ترنو للعيون التي تحدق مشدوهة هنا أو هناك ودائماً ثمة تطلع للأعلى، بما يحيلك إلى أن ثمة تطلع إلى تفاؤل مبرق وأمل قادم آخذ في التشكل.

وإذا كانت الوجوه تذهب بك نحو البراءة في نظراتها فإن لطبيعة الألوان التي تشكّلت بها تلك اللوحات انفتاحاً يأخذك نحو براءة أخرى حيث شفافية الألوان التي ربما تعكس تفاؤلاً وتسامحاً كبيراً حين التأويل.

وتتساءل عن سر حضور المرأة في كل اللوحات بل في معارض سابقة، فيحيلك الاشتغال على أن ثمة مشروعاً قد أخذ في التشكل والمراكمة يوماً بعد يوم ولوحة بعد لوحة ومعرضاً بعد معرض عبر جهد فني مثابر من الغضبان ودربه بالحرفة الفنية التي تكاد اليد والريشة، تنطق بحروفها وربما هي حتى الآن بحث في الاشتغال على مفهوم الجسد أو «البحث عن رؤية في الشكل الآدمي» على حد تعبير الغضبان نفسه.

وثمة إيقاع آخر تشتغل عليه اللوحة هاهنا هو الموائمة ما بين تلك الأطوال وعناصر احتوت عليها كل لوحة حيث تجد مرة أن ثمة وردة هنا أو حمامة هناك أو تمثال أو صحن فاكهة أو شمعة أو قلة أو غير ذلك كلها أشياء حلوة من عالم المرأة أخذت تضفي عنصراً جمالياً على اللوحات، أو ربما مثلت معادلاً موضوعياً مع مجموعة الوجوه وساهمت في تكامل التكوين الفني في كل لوحة.

وتعبر في مجموعة اللوحات فتجد أنها تصنع لديك نصاً آخر فثمة طول في اللوحة بما يوائم طول الجسد أو العكس، وثمة نظرات مفتوحة للأفق الأزرق تحيلك على براءة ما، وامرأة أخرى تحمل بين يديها فاكهة أو ربما شيء آخر، ووردة تلقي بوردة أخرى على الأرض وتتكاثر الزهور بين يدها، أو أن فستاناً يزهو بالورود حتى يملأ الأفق من حولها زهوة وزهوراً متفتحة في كل مكان، وثمة تعاطٍ بين عزف موسيقي وعزف جمالي في تلك الورد المنثورة هنا أو هناك، وثمة نظرات ورصد للحظات تأمل وعشق وحنان، في ظل شمعة أو ظل مصباح يكاد ضوؤه يخبو ليشعل لحظات أجمل وثمة حمامة أو طيور تحلق في الأعلى فتشعل أملاً آخر في الزرقة التي انتثرت في كل اللوحات.

هكذا في صمت ممعن وحرفية متواصلة يَجِدُّ الفنان عبد الجبار الغضبان يوماً بعد يوم ومعرضاً بعد معرض في مراكمة جهده الإبداعي، في إثراء مشروع فني آخذ في التكامل بالشكل الذي يريده، ممسكا بأدواته بحرفية أخاذة تأخذك لأن تستجلي معه أهم الموتيفات التي ينثرها في اللوحة، فثمة صفاء لوني آخذ في التشكل نحو الأمل الجميل والتفاؤل البهي، وثمة تكريس لعنصر المرأة في كل لوحة كم يبحث عن رؤية ويشكلها أو يجيب على سؤال يظل يبحث عنه في كل الوجوه، وثمة عناصر أخرى تغيب أو تحضر معادلاً موضوعياً أو تكويناً يحكي عما وراء اللوحة، وثمة لوحات طولية بل وحتى أشكال طولية ذات قوام سامق مبهر تجعلك تتساءل أيهما جلب الآخر اللوحة أم الشكل وماذا وراء ذلك هل هو اختبار وتحدٍ للذات في القدرة على التكثيف في هذه المساحة الضيقة.

العدد 3016 - الأربعاء 08 ديسمبر 2010م الموافق 02 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً