العدد 3037 - الأربعاء 29 ديسمبر 2010م الموافق 23 محرم 1432هـ

مهدي عبدالله يدشن مجموعته الجديدة «قصص هاربة»

في مقر أسرة الأدباء والكتاب...

في مقر أسرة الأدباء والكتاب دشن القاص والمترجم البحريني مهدي عبدالله، مجموعته القصصية الجديدة «قصص هاربة»، وذلك مساء الاثنين الموافق 15 نوفمبر 2010، عند الساعة السابعة والنصف، بمقر أسرة الأدباء، وذلك بحضور مجموعة من المثقفين ورواد الأسرة والمهتمين والأصدقاء.

«فـيـلــــــم»

قصة قصيرة

مهدي عبدالله

خرج من الصالة وهو في حالة غير طبيعية. حاول إيقاف نزف الدموع وإخفاءها إلاّ أن زوجته بالتأكيد لاحظت ذلك. استأذن منها للذهاب إلى دورة المياه وهناك رشح وجهه عدة مرات بالماء البارد لكنه ظل متأثراً.

بكى كطفل يانع لكثرة ما تعرض له بطل «المليونير المتشرد» من عذابات تتفطر لها القلوب. لم يفرح كثيراً لفوز جمال بالجائزة الكبرى في برنامج من سيربح المليون ولم يغتبط جداً بظفره بحبيبته في الختام بقدر ما تألم لشتى ألوان الظلم والقسوة التي تجرعها من الجميع، بدءاً بشقيقه سليم ومروراً بزمرة الأشرار وانتهاءً بأفراد الشرطة العتاة. حتى حبيبته لاتيكا، شعر بأنها أنانية وخائنة في بعض المواقف ولا تستحق أن تكون جديرة بهذه الروح الشفافة الأصيلة، المعطاءة بغير حدود. كره مقدّم البرنامج الذي كان يهزأ به وبقدراته في كل سانحة والذي سعى بكل وسيلة للتآمر عليه وإطاحته.

غادرا المجمّع والحزن مازال مطبقاً على صدره وسارا نحو السيارة ولسانه عاجز عن النطق. فتح أشرعة النوافذ وفكّر في حيلة للتخلّص من ورطته بتشغيل الراديو، لكن زوجته عارضت ذلك، مفضلة الهدوء. قاد السيارة فاتحاً رئته لتيار الهواء الرطب، مستنجداً بسكون الليل وحلكته ولاذ بالصمت طوال الطريق. حاول جاهداً أن يبعد عن مخيلته كوابيس الفيلم والمكائد التي حيكت لجمال والتي تغلغت إلى جوانحه ودفعته لأن يتعاطف بشدّة مع هذا الشـاب البسيط الطيّب. لعن جميع من أساءوا إليه وتساءل هل حقاً ان الدنيا بهذا الغدر والوحشية؟ وهل أغلب الناس ثعابين وتماسيح وثعالب؟ ساورته رغبة عارمة في مناقشة قصة الفيلم مع رفيقته لكنه قاومها بضراوة وأرغم نفسه على تأجيلها، على الأقل حتى الغد.

بعد عشر دقائق شعر بأن حالته هدأت قليلاً ويبدو أن الصمت بدأ يأتي بثماره. تشجّع وسلك شارعاً مغايراً ولما رأى علامات الدهشة في عيون زوجته سارع بالتوضيح بأنهما سيأخذان جولة في الشوارع الفسيحة كي ينسيا هموم الفيلم.

منذ صغره وهو شديد التأثر بالمشاهد العاطفية والانسانية. تنساب دموعه رقراقة لدى رؤية طفلة تعود إلى أمها أو عند عثور حبيب على حبيبته أو حتى عند إبلاغ أحد برحيل شخص عزيز عليه. مواقف الفرح ومواقف الحزن سيّان. يحسّ أن شيئاً ما يعصف بداخله ويجبره على التفاعل. رغم محاولاته المستميتة لإيقاف الدموع إلاّ أنه لا يفلح. أحياناً تكون المشاهد عادية بالنسبة للكثيرين، لكن عينيه يكون لهما رأي آخر، وأحياناً أخرى يشعر بالحرج حين تلمحه ابنته الصغيرة وهو يذرف الدموع، فينسحب بسرعة.

في السنوات الأخيرة تعمّد تجنّب هذه الأفلام أو الاقتصار على مشاهدتها بمفرده قدر الإمكان .

الآن سيلجأ إلى الخطوة التالية. سيفتح المذياع على بعض الأغاني والموسيقى الخفيفة وفي نفس الوقت سيتحاشى الدخول في حديث جانبي مع زوجته. سارا في الشوارع الأليفة وملأ قلبه بجمال الفضـاء وسحر البحر واستمتع بنسائم الهواء الندية، راح يتجاوب مع الأغانـي ويدندن معها والتهى عن حزنه. شيئاً فشيئاً أحس بأن نفسيته تحسـنت وأنه استعـاد جزءاً من حيويته.

عندما عاد إلى البيت رأى في سواد الليل أنه يصد عن جمال لكمات شقيقه المجنونة ويحميه من سكينه الغاضبة ويربت على كتفه بعد أن طرده سليم من الشقة التي تجمعهما، ليستفرد بحبيبته الغالية. شاهد في محنة الظلام زمرة المجرمين وهي تضع ماء النار في حدقات عيون جمال وعيونه، وأبصر رجال الشرطة ينهالون عليهما بالهراوات دون رحمة. وفي ذروة الغم شاهد السجّانين يوصلون أسلاك الكهرباء إلى صدغيهما، وفي غمرة الذهول رأى مقدّم البرنامج يحرضهما معاً على اختيار الإجابة الخاطئة.

في تلك الليلة لم يغمض له جفن.

العدد 3037 - الأربعاء 29 ديسمبر 2010م الموافق 23 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً